التَّرجمة الأدبيَّة: كيف تتحدَّانا اليومَ؟

هل كنتَ تعلمُ مِن قبلُ أنّ روايةَ “بينوكيو” (Pinocchio) المؤلَّفة من طرف “كارلو كولودي” (Carlo Collodi) باللّغة الإيطاليّة قد تُرجِمت إلى مائتين وستين (260) لغة، وهو رقم هائل – إذا استثنينا ترجمات الإنجيل وباقي الكتب الدّينية -، وقد حُوِّلت إلى عدّة نسخٍ من أفلام سينمائيّة وعروض مسرحيَّة.

تبدو ترجمة روايةٍ من مثلِ “بينوكيو” عمليّة مُمتعة، وفي الواقع تكتسي التّرجمة الأدبية – بكلِّ ما تشمله من شعر ونصوص نثرية سردية وإبداعيّة – أهمّية بالغة بقدر ما تُؤثِّر على استجابة القارئ للقطعة الأدبيّة؛ وتساعد في تشكيل فهمه للعالم والتّاريخ والفلسفة والسّياسة. إلاَّ أنّها ليست سهلة على الإطلاق، لماذا؟ سيحاول هذا المقال تحرِّي مواضع الصُّعوبة في عمليَّات الترجمة الأدبيَّة.

تختلف التّرجمة الأدبيّة جذريًّا عن كلّ نوعٍ آخر من الترجمات؛ إذ تكفي نظرةٌ سريعة إلى حجم النّصوص التي تتعامل معها لملاحظة الفرق الواضح بينها وبين أيِّ ترجمةٍ أخرى. فالعملُ على قطعة لغويّة داخل سياقٍ واسع من مئات الآلاف من الكلمات ليس مهمة يسيرة، وكذلك محاولة إعادة نظم مقطعٍ شعريٍّ إلى لغةٍ مُختلفة دون أن يفقد معناه وذوقه.

من أعظم تحدِّيات ساحة التّرجمة الأدبيّة، هو خلقُ التّوازن الذي لا يخونُ المعنى الأصليّ، ويقدّم، في الوقتِ نفسه، نصًّا متفرّدا يتذوَّقه القارئ كما كان سيفعل بلغته الأصلية الأولى.

اسأل أي مترجمٍ أدبيّ، ولا شكَّ أنَّه سيخبرك أنّ كلّ كلمة في النّص قد تشكّل تحدِّيا حقيقيّا أمام التّرجمة. فإنْ كان المؤلّف قد اختار تلك الكلمة تحديدًا، دون غيرها فذلك لسببٍ معيّن، وتصبحُ مهمّة المترجم حينذاك أنْ ينقل المعنى السَّليم إلى اللغة الأخرى. ولكن، ما يحدثُ غالبًا هو عدم وجود ترجمةٍ مباشرة مؤدِّيةٍ للمعنى نفسِه، وحينذاك يتوجَّب الاختيار بين طيفٍ واسعٍ من الكلمات ذات المعاني المتقاربة.

عندما يتعلّق الأمر بترجمة كتابٍ ما، أعقدُ ما يمكن مواجهته هو نقلُ المعنى، والتقاط كلِّ عناصر العاطفة والأحاسيس فيه، دون المخاطرة بفقدان جوهره. إليكَ سبعًا من أشهر أخطاء التّرجمة الأدبيِّة، وكيف تُتَجاوَز:

الترجمة الحرفيّة: أسرعُ طريقةٍ لتغيير المعنى ونقله بطريقة خاطئة من لغةٍ إلى أخرى، هو ترجمة النّص كلمةً بكلمة، دون أيِّ مراعاة للسّياق.

تضخيم المعنى: من جهةٍ أخرى، تعتمد فعالية الترجمة على عدم الانسياق وراء معانٍ مبالغٍ فيها، قد تؤدِّي إلى تحريف المعنى المقصود.

الاعتماد الكامل على برامج الترجمة الفوريّة: لا يمكن لأغلب برامج التَّرجمة أن تحدِّد السّياق العامَّ للنَّص، أو أن تلتقط نبرة التَّعبير والعاطفة الكامنة في النص.

سوء استيعاب سياق الكلمة: فإن تورَّط المترجم في فهمٍ خاطئ أو ناقصٍ للسّياق؛ فإنَّه سيختارُ ترجمةً خاطئة لبعض الكلمات؛ وقد يؤدِّي به هذا إلى تحريف معنى النَّص الأصليِّ كلِّيَّة.

التقاط نبرة تعبيريّة خاطئة: عادةً ما يكون من الصَّعب للغاية نقل النبرة والأسلوب المستعمل في السِّياق بشكلٍ مناسب، دون أيِّ تغيير فيهما.

تجاهل الفروقات الثقافيّة: إن ترجمةً لا تُعِير أيَّ اهتمام لاختلاف الثَّقافات بين اللُّغات قد تُسَبّب مواقفَ مزعجةً أو جارحةً.

الثّقة المفرطة: مهما كان مستوى المهارة والقدرة اللغويّة للمترجم، فإنَّ الأخطاء تبقى دومًا محتملة؛ إذ أنه من الحماقة أن يُكتفى بمهارة التّرجمة دون التّفكير بعرض النَّص على المراجعة والتنقيح.

إذن، ما مستوى تقدُّم البشرية في مجال التَّرجمة الأدبيَّة؟

  قبل أكثر من عقدٍ من الزمن، قُدّرت نسبة الكتب المترجمة والمنشورة في الولايات المتحدة الأمريكية بـ 3%. وما زال هذا المجال في نموٍّ ثابت، إذ لفتت منظّمة (LAF) إلى تنوُّع اللغات المُتَرجم منها، وبالأخصّ بالنّسبة لقرّاء اللغة الإنجليزيّة والإيرلندية. كما احتلّت اللغة اليابانيّة والسّويدية والعربيّة والنرويجية والألمانيّة المراتب الأولى ضمن قائمة أكثر اللغات المُترجمة، بينما تظلّ لغات أوروبا الشّرقية بعيدة عن السّاحة؛ وقد يعني ذلك وجودَ محتوًى كثيفٍ يمكن البدء في ترجمته.

لكن يبدو أنّ الوضع متغير. فمنذ عام 2016، أصبحت جائزة مان بوكر الدولية تقسّم بالتّساوي بين مؤلّف الرّواية الفائزة ومترجمها إلى اللغة الإنجليزيّة، كدليلٍ على تصاعد الاهتمام التي اكتسته التّرجمة مؤخّرا. أمّا موقع أمازون من جهته، فقد أبدى حرصًا واضحًا على تبنّي أعمال التّرجمة الأدبيّة، وذلك حين شمل قسم المنشورات المترجمة داخل الموقع، (Amazon Crossing)، عُشْر (10%) إجماليِّ الأعمال والكتب المترجمة التي نُشرت في العام الماضي، وأصبح بذلك أكثر الأقسام إنتاجيّة في مجال التّرجمة الرّوائية في الولايات المتحدة؛ إذ ضمَّ في العام نفسه (2016) خمس عشرة لغةً تشمل العبريّة والإندونيسيّة والفنلنديّة والصينية والروسية.

وبعدُ، إلى أين تتَّجه التَّرجمةُ الأدبيَّة؟

   يبدو تطوُّر هذا النَّوع من التّرجمة مثيرًا للاهتمام، وهو يعطي معالمَ مبشِّرةً بالمستقبل. مع صعود موقع أمازون كعامل فاعل وواعدٍ في دعم ونشر الأعمال الأدبيَّة خارج نطاق الدُّول الضَّيِّق. فعلًا، هل هنالك ما هو أفضل من الأدب والخيال لمواجهة نَزَعات الانقسام الاقتصاديِّة والثَّقافية التي تنخَر عالمنا اليومَ؟

تدقيق لغوي: شعيب حبيلة.

المصدر: Why is Literary Translation a Challenge

كاتب

الصورة الافتراضية
BOUSDJIRA Amira
المقالات: 0