إنَّ إنكار ظاهرة تغيّر المناخ هو صراع بين الحقائق والقِيَم. يُنكر النَّاس أزمات المناخ لأنهم يشعرون فقط بأنها خاطئة. إذ يتضمن الإعتراف بتغيّر المناخ القبول بحقائق معينة. ولكن القلق بشأن تغير المناخ يتضمن ربط هذه الحقائق بقيم. فهو يتضمن بناء جسر بين علم تغيّر المناخ وأسباب واِلتزامات وقناعات الناس المختلفة.
يحدث الإنكار حين يوجهنا تغير المناخ نحو الاِتجاه الخاطئ بدلاً من تشجيعنا على إيقاف الأزمة المناخية. إذ يجعلنا نرفض فكرة وجوده لأن حقائق الاحتباس الحراري العالمي والذي يُعدّ من صنيعة البشر تصطدم بمشاريعنا الشخصية. ومن الممكن أن فكرة تغيّر المناخ تشكل تهديداً لنظرتنا إلى العالم، أو أننا نخشى استجابة المجتمع إلى تغير المناخ حيث الاضطراب الذي يسببه الانتقال إلى الإقتصاد ذي الانبعاثات (الغازية) المنخفضة.
أياً كان فإن تغيّر المناخ يُصبح “حقيقة غير مريحة”، إذ أننا نكبح الحقيقة بدلاً من التعايش مع مخاوفنا والعمل عليها.
إنكار الحقيقة:
كان سيغموند فرويد وابنته آنا من أعظم مؤرّخي الإنكار. وصف سيغموند إنكار الحقيقة هذا كعملية عقلية نشطة بأنّه “طريقةٌ لإدراك ماهو مكبوت”، وهذا الإدراك العابر هو ما يميّز الإنكار عن التجاهل وسوء الفهم أو الإنكار المطلق.
يشمل إنكار تغيّر المناخ إبصار الحقيقة المريعة ولكن الدفاع عن النفس ضده.
يميل علماء النفس المعاصرين إلى الإشارة إلى ذلك بتعبير “الإدراك المتحفّز”. لأن حقائق علم المناخ في صراع مع مُعتقدات وقيم الناس التي تؤثِّر على استيعابهم للحقائق.
الوضع هذا كما وصفه عالم النفس الاجتماعي، جوناثان هايدت، بأنَّ هؤلاء المنكرون لا يفكّرون كالقاضي الذي يزن جميع الأدلة بحياد، بل إنهم يفكرون بطريقة محامي الدفاع الذي يتشبث بتبريراته الخاصة من أجل الدفاع عن فكرة بدائية. لهذا فإنه من غير المرجّح أن ينجح المُنكِرون لأن ملكتهم الفكريّة محفّزة للدفاع عن نفسها من مراجعة معتقداتهم أو ما يؤمنون به.
يستكشف الأدب التجريبي الواسع والمتنامي العوامل التي تقود إلى الإنكار. والشخصية هي إحدى هذه العوامل: إذ أنّ الناس الميالّين إلى التسلسل الهرمي ومن هُم ضد التغييرات على الوضع الراهن أكثرُ عرضة لإنكار تغير المناخ. كما تُظهِر العوامل الديموغرافية تأثيراً. وعالمياً فإن الأشخاص الأقل تعليماً والأكبر عمراً والأكثر تديّناً يميلون إلى إنكار تغيّر المناخ، كما أنّ للجنس والدخل تأثيرٌ أيضاً وإن كان بنسبة أقل.
ولكن سياسات الفرد هي من أقوى العوامل المؤثرة، إذ وجد تجميعٌ دوليّ لدراسات وجودية بأنَّ القيم والأيديولوجيات والولاءات السياسية طغت على العوامل الأُخرى. وإنَّ الإنتماء السياسي هو عاملٌ أساسيّ في المجتمعات الشرقية، مع ناخبين مُحافظين أكثر ميلاً لإنكار تغير المناخ. وعالمياً، فإن اِلتزام فرد ما بالقيم الديمقراطية أم لا في حالة “المنكرون” هو أكثر أهمية.
وهذا يسلّط الضوء على جانب آخر من القصة. يمكن لعلماء النفس المشاركة لشرح سياسة فردٍ ما، لكن لا يمكن لعلم النفس وحده شرحها كلية، والأمر نفسه بالنسبة للإنكار.
سياسة الإنكار:
أشار المتخصص بعلم الاجتماع ستانلي كوين، في دراسته القديمة عن الإنكار، بأنه يوجد فارق كبير بين الإنكار الشخصي والنفسي وبين الإنكار المؤسّسي والمنظم. يشمل الأول الأشخاص الذين يُنكرون الحقائق لأنفسهم، بينما الآخر يشمل إنكار الحقائق للآخرين حتى عندما يكون “تجار الشك” هؤلاء على علم بالحقيقة جيداً.
إنّه لمن المؤكد جداً بأن شركات الوقود الأحفوري قد علمت بشأن تغير المناخ من مدة طويلة ومع ذلك سعت إلى إحباط إدراك العامة على نطاق أوسع.
وجد تحليل استيعابي لوثائق من شركة ExxonMobil بأنها ومنذ عام 1977 قد اعترفت داخلياً بتغيّر المُناخ عبر منشورات علمائها حتى عندما كانت تروّج للشك في الأمر علناً عبر الإعلانات المدفوعة. ولقد استثمرت صناعة الوقود الأحفوري بشكل كبير في المؤسسات المُحافظة ومؤسّسات الفكر والتي تشجع علماء مضاربين ومواضيع علمية محل جدل. وهذا كلّه يهيّء سمادا غنيّا للإنكار الشخصي.
عندما يكون إدراك الفرد المتحفّز متصيّدا للأعذار، فإن هناك صناعة جاهزة لتزويده بها. كما أنَّ مواقع التواصل الاجتماعي توفّر المزيد من الفرص لنشر المعلومات المضللة. على سبيل المثال، وجد تحليل جديد لعمليات بحث مجهولة المصدر على موقع يوتيوب بأنّ الفيديوهات التي لا تدعم الإجماع العلمي حول تغيّر المناخ قد فاقت الفيديوهات التي تدعمه.
إبطال الإنكار:
الخلاصة، إن الإنكار هو معرفة مكبوتة. وبالنسبة لتغيّر المناخ فإن هذا الكبت يقع على مستوى نفسي واجتماعي، والثاني يغذّي الأول.
إنّ هذا السيناريو كئيب لكنه ينير الطريق للإمام. ويذكّرنا من جانب آخر بأن المُنكرين قادرين على الاعتراف بالعلم -يعترفون حقاً في مستوى ما- بالرغم من أنهم يُصارعون من أجل تبني الآثار العملية والأخلاقية. وبالتالي فإن تبادل الآراء حول المناخ يمكن أن يكون جيداً لاجتذاب المزيد من القيم المتنوّعة، خاصة تلك التي يتبناها المنكرون أنفسهم.
لقد أظهرت تجارب بأنه إذا أُعيدت صياغة مَخاطر وحقائق تغيّر المُناخ كفرص من أجل بناء علاقة المجتمع وتنمية مجتمعية يمكّن للمنكرين بالتالي تغيير آرائهم.
كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فهم يُنشدون قيم محافظة مثل الوطنية وطاعة السلطة والدفاع عن نقاء الطبيعة إذ يمكنهم تشجيع المُحافظين لدعم الأعمال المُناصرة للبيئة.
ومن جانبٍ آخر، لن يقتنع جميع المنكرين، فبعضهم يُقلِّل من شأن تغير المناخ ويشكِّك فيه على وجه الخصوص لأنهم يعلمون بأن الانتقال إلى الصناعات ذات الانبعاثات المنخفضة ستؤثّر سلباً على اهتماماتهم. وبذلك فإن سيل من الحقائق لن يحيدهم عن طريقهم.
والأمر الذي سيصنع فارقاً هو قوة البشر -عبر القوانين، والتخلص من الاستثمارات، وخيار المستهلك، والاحتجاج العام-.
تؤكد دراسة عامة على أن المنكرون حول العالم هم أقلية. والأغلبية المتخوّفة ليست بحاجة للفوز على الآخرين من أجل التغلب على تغير المناخ .
المصدر: هنا
تدقيق لغوي: عمر دريش