في حق المعرفة: ما مشروعية مجانية الحصول على المعرفة؟

في سنة 2015 قامت دار نشر “إلزيفير” (Elsevier) -وهي من رواد الناشرين في مجال الأبحاث العلمية- برفعِ قضية انتهاك للحقوق ضد موقعي Sci-Hub و LibGen -وهما من رواد الناشرين لأي محتوى معرفي في الأنترنت بغض النظر عن وجود حقوق النشر من عدمها- ومطالبةِ الموقِعَين بملايين الدولارات كتعويضات للخسائر التي تسببا بها للشركة.

ردُّ الموقعين كان واضحا منذ نشأتهما:

نحن نناضل ضد عدم تكافؤ الفرص في الحصول على المعرفة، يجب أن تكون المعرفة العلمية متاحةً لكلِّ فرد بغض النظر عن دخله وحالته الاجتماعية وموقعه الجغرافي وما إلى ذلك.

قد تضعنا قضية كهذه أمام تساؤل مهم؛ هل يجب أن تكون المعرفة مجانيّةً بغض النظر عن التكاليف التي تدفعها بعض المؤسسات في سبيل الوصول إليها؟ هل يوجد حقا ما يسمى ب”الملكية الفكرية”؟ أم أن المعرفة في أصلها مشتركة، وما تملكه أنت من أفكار يجب أن تشاركه مع الأفراد الآخرين؟

لِدُور النشر تكاليفُها، فكيف ننشر المعرفة مجانا؟

تمر عملية النشر (سواء كانت لكتاب أو لبحث علمي) بمحطات كثيرة، يكون أولها هو التدقيق اللغوي للعمل، ويكون هذا الجزء متمثلا في خلو العمل من الأخطاء اللغوية والنحوية وكذا وضوح معالم اللغة للقارئ. ثم التدقيق العلمي، ويتمثل في التأكد من صحة المعلومات المذكورة والتأكد من صحة المصادر المرفقة في العمل، كما تعتبر هذه العملية أطولَ عمليّةٍ في النشر. ثم عملية الطباعة والتسويق والتوزيع، وهي عملية تستطيع فقط دار النشر القيام بها، حيث تقوم بالتعريف بالكتاب ومحتواه وتتأكد من وجوده في أغلب الأماكن.

أغلب هذه الخطوات مكلفة وتأخذ دور النشر على عاتقها المخاطرة بعدم نجاح العمل أي الخسارة التّامة فيه، وبالتالي فالمطالبة بمجانية المعرفة في أعمال كهذه هو أمر غير مقبول اقتصاديا. في تصريح للمتحدث الرسمي لدار “إلزيفير”: “من يعتقد أن المعلومات يجب أن تكون دون تكاليف فبإمكانه التوجه لويكيبيديا“.  كما أن الأعمال التي كانت مجانية تماما (أي اعتمدت على نفسها دون المرور بدور النشر) لم تحصل على الشهرة الكافية ولم تصل لعدد القراء المرجو بالرغم من مجانيّتها، ومنه فمن الصعب تجاهل دَور الناشر في وصول المعرفة لعدد كبير من الأفراد، وبالتالي فمن المجحف مطالبتها بمجانية المعرفة بعد كل التكاليف الاقتصادية.

قال يوسف الصامت بوحايك للنقطة الزرقاء حول كتابه “رجل القش“:

نشرت كتيِّبًا يجمع المغالطات المنطقية مجانا، وتقريبا لم يسمع به أحد عدا المئات من قائمة الفيسبوك. ثم اقترح علي صديقٌ إعادة كتابته بطريقة أوسع وأشمل لنشره احترافيا، والفارق في الانتشار لا يقارن.

وأضاف محدِّثُنا:

يعني باختصار، النشر عبر دار نشر، بغض النظر عمّا إذا كانت ستأخذ الأرباح أم لا، سيعطي العملَ دفعة انتشار لا تقارن. نظرا لقدرة دار النشر على التوزيع بطرق مختلفة من شبه المستحيل الوصول إليها بمجرد النشر الفردي على الأنترنت.

المعرفة تراكمية، المعرفة حق، المعرفة مجانية:

يرى أغلب الأفراد –إذا لم يكن الجميع- أن المعرفة الحالية هي نتيجة لمعارفنا السابقة والتي ساهم فيها كل فرد كان قبلنا، وأنه من غير الممكن الوصول لنتيجة معينة دون المرور بالنتائج السابقة والتي نعتبرها خاطئة حاليا. أي أن المعرفةَ بناءٌ، وكل مستوى يبنى بالضرورة على المستوى الذي قبله، ومن غير الممكن في أغلب الحالات تخطي مستوى معرفي معين من أجل الوصول لآخر أعلى منه.

فما نعرفه حاليا عن الجاذبية بفضل أينشتاين يعود إلى ما اكتشفه نيوتن، وما اكتشفه نيوتن حينها يعود إلى أعمال غاليلي، وأعمال غاليلي تعود إلى أفكار الفلاسفة اليونايين ما قبل الميلاد. وإذا ما حصلنا على معرفة إضافية حول الجاذبية مستقبلا، فستكون قد بنيت على معارف هؤلاء.

 يقول أحد أبرز العلماء في التاريخ البشري إسحاق نيوتن ملخّصا هذه الفكرة: “لئن رأيت أبعد من غيري فذلك لأنني وقفت على أكتاف العمالقة من قبلي“.

جميعنا يدين لمعرفته الحالية وأفكاره الجديدة إلى الأفكار السّابقة، وبالتالي فلا يملك أيُّ فرد الحقَّ في المطالبة بمقابل نظير أفكاره –وهو الذي أخذ الأفكار السابقة دون مقابل-، ولا يوجد ما يسمى “ملكية فكرية”، فهي جزء من تسلسل الأفكار عبر التاريخ البشري. ولكي تستمر سلسلة المعرفة البشرية في الانتشار والتوسع يجب أن تتوفر المعرفة مجانا لكل الأفراد، دون عوائق أو حدود. حقٌّ مشتركٌ لكل البشر.

في النهاية، يجد الفرد نفسه بين رأي يساهم في انتشار المعرفة عبر العالم بمقابل مادي يعتبره الكثيرون مكلفا وليس في المتناول، فحتى جامعة هارفرد أحد أعرق وأغنى الجامعة على مستوى العالم ترى أن الكثير من الأعمال مكلفة ومن الصعب توفيرُها للأكاديميين. وبين رأي يسعى لجعل المعرفة مجانية مهما كانت مكلفة وبالتالي المساهمة في نقص انتشارها لعدم وجود مسوق للأعمال وعدم وصول هذه المعرفة للكثيرين. فهل من حلول لتوفير المعرفة مجانا أو بأسعار في المتناول مع الإبقاء على جزئية التسويق التي تساهم جديا في انتشار المعرفة عبر العالم؟

تدقيق لغوي: كرنيف ربيحة.

كاتب

الصورة الافتراضية
KOUADRI BOUDJELTHIA Idris
المقالات: 0