يتواصل البشر فيما بينهم مستعملين مجموعة رائعة من اللّغات كل واحدة تختلف عن الأخرى بطرقٍ غير معدودة، هل اللّغة التي نتحدّث بها تشكل الطّريقة التي من خلالها نرى العالم؟ الطريقة التي نفكّر بها والتي نعيش بها حياتنا؟ هل الأشخاص الذين يتحدّثون بلغات مختلفة يفكّرون بطريقةٍ مختلفةٍ فقط لأنّهم يستعملون لغاتٍ مختلفة؟ هل تعلُّم لغةٍ جديدةٍ يغيّر من طريقة تفكيرك؟ هل متعددو اللّغات يفكّرون بطريقة مختلفةٍ عندما يتحدّثون بلغاتٍ متعددة؟
هذه الأسئلة تلمس تقريباً أهمّ الخلافات المتعلّقة بدراسة الذّهن التي تلقى اهتماماً عالياً من قبل المتفلسفين الدّارسين لعلوم الإنسان، اللّغات وعلماء النّفس ولديها تورّط مهم في السّياسة، القانون والدّين على الرّغم من الاهتمام الدّائم والنّقاش، القليل من العمل التّجريبي تمّ القيام به على هذه الأسئلة إلى غاية أمدٍ قريب ولمدّة طويلة. فكرة أنّ اللّغة بإمكانها أن تشكّل الفكر اُعتبرت غير قابلةٍ للتّجريب وغالباً خاطئة. الأبحاث في مخبر بجامعة ستانفورد و MIT ساعدت في إعادة فتح المجال لهذا السؤال، لقد جمعنا المعلومات، المعطيات من مختلف أنحاء العالم، الصين، اليونان،الشيلي، أندونيسيا، روسيا و السّكان الأصليين في أستراليا، فعلاً الأشخاص الذين يتكلّمون بطريقة مختلفة يفكّرون بطريقةٍ مختلفة حتّى ثغرات قواعد النّحو و الصرف يمكنُها أن تؤثّر بعمق حول كيف نرى العالم، اللّغة هي قدرةٌ بشريّة خاصّة أساسيّة لتجربتنا الإنسانيّة، تقدير دورها في بناء حياتنا العقليّة لتقرّبنا بخطوة أكثر لفهم الطبيعة البشريّة .
غالباً أبدأ محاضراتي بطرح السّؤال التّالي: ما هي الوظيفة الحسيّة التي تكره أن تخسرها؟ أغلبيتهم يختارُون حاسّة البصر بعضهم يختار حاسّة السّمع في بعض الأحيان ربّما يضيف أحدٌ بسطحيّة حس الفكاهة أوالموضة ولا يحدث أبداً أن يختار أحدهم بعشوائيّة أن يقول” اللّغة ” هي ما يكره أن يفقد إلّا أنّه في حالة فقد_ أو الولادة بدونه_ البصر، السّمع، يمكن أن يكون لديك وجود اجتماعي شبه طبيعي يمكن أن يكون لديك أصدقاء، أن تتعلّم، تكون لديك حرفة (مهنة) أن تؤسس عائلة، ولكن كيف ستكون حياتك إذا لم تتعلّم لغة ما؟ هل يمكن أن يكون لديك أصدقاء؟ أن تتعلّم؟ أن تعمل؟ أن تبنِي عائلة؟
اللّغة أساسيّة في تجربتنا إلى درجة أنّه لا يمكن تخيّل حياة من دونها ولكن هل اللّغات مجرد وسائل للتّعبير عن أفكارنا أو هل فعلاً تشكل فكرنا؟
أغلب الأسئلة حول إذا ما كانت اللّغة تشكل فكرنا وكيف؟ تبدأ من ملاحظة بسيطة إذ أنّ اللّغات تختلف عن بعضها البعض و بالطّبع كثيراً، فلنأخذ مثالاً نظريّا، فلنفترض أنّك تريد أن تقول” بوش قرأ آخر كتاب لتشومسكي” ولنركّز فقط على الفعل “قرأ ” “READ” بالإنجليزيّة ينطق” red” وليس”reed” فيجب أن تشدّ الفعل وأن تصرّفه، في اللّغة الأندونيسية لا تحتاج إلى ذلك_في الحقيقة لا تستطيع_ تغيير الفعل لتظهر الصرف.
في الرّوسية تحتاج أن تغيّر الفعل لتظهر الزّمن والجنس فإذا كانت لورا بوش التي قامت بالقراءة ستستعمل صيغة مختلفة للفعل فباللّغة الرّوسية يتوجّب عليك ذكر معلومات حول المتمِم فإذا قرأ جورج جزءاً من الكتاب فقط ستستخدم صيغةً مغايرة عن تلك المستعملة في حالة إذا ما اطّلع على كل محتواه أمّا في اللّغة التّركيّة فيجب عليك إضافة في الفعل كيف تحصلت على هذه المعلومة.
فإذا شاهدت هذا الحدث غير المعتاد بعينيك ستستعمل صيغةً واحدة للفعل ولكن إذا سمعت أو قرأت فقط عنه أو استنتجته من قول بوش فإنّك تستعمل صيغة مغايرة.
بالطّبع اللّغات تتطلب شروطا معينة من قبل متحدثيها، هل هذا يعني أن المتحدثين يفكرون باختلاف حول العالم؟
هل متحدثو الإنجليزيّة، الإندونيسيّة، الروسيّة،التركيّة ينتهي بهم المطاف إلى حضور، تقسيم و تذكّر تجربتهم بطريقة مختلفة فقط لتحدّثهم بلغات مختلفة؟ بالنّسبة لبعض الباحثين الإجابة عن هذه الأسئلة كانت نعم واضحة، فقط اُنظر إلى طريقة كلام النّاس، ربّما قد يقولون بالتّأكيد متحدثو اللّغات المختلفة يجب أن يظهِروا اختلافات صادمة لنواحي العالم من أن يتمكّنوا من استخدام لغتهم بطريقة صحيحة.
الدّارسون على الجانب المعاكس للنّقاش لا يرون أنّ الاختلاف في طريقة كلام النّاس مقنعة كل وسائل نطقنا ضئيلة، تتضمّن جزءاً بسيطاً من المعلومة المتوفّرة.
ليس لأنّ متحدثي الإنجليزيّة لا يتضمّن حديثهم معلومات مثل متحدثي الرّوسيّة والتّركيّة لا يعني أنّ النّاطقين ينتبهون إلى نفس التّفاصيل، كل ما يعنيه هو أنّهم لا يتحدّثون عنها فمن المحتمل أنّ الجميع يفكّر بنفس الطّريقة، ويلاحظ نفس الأشياء إلاّ أنّهم يتحدّثون بطريقة مختلفة.
المصدّقون باختلاف تداخل اللّغات يأخذون بعين الاعتبار أنّ الجميع لا يلقي الانتباه إلى جميع التّفاصيل، إذا فعل الجميع سيعتقد أنّه من السّهل تعلم تكلّم لغات أخرى . لسوء الحظ تعلم لغة جديدة خاصة تلك التي ليست قريبة أو مرتبطة باللّغات التي تعرفها ليس بالأمر السّهل، حيث يبدو أنّه يتطلب الانتباه إلى مجموعة جديدة من الفوارق، إذا كان التّفريق بين أوضاع الوجود بالإسبانيّة، الحتميات بالتّركية أوالشكل بالرّوسيّة، تعلم هذه اللغات يتطلب أكثر من مجرّد تعلّم المفردات بل إنّه يتطلّب الانتباه إلى الأشياء الصّائبة في العالم لتكون لديك المعلومة الصحيحة لتضمّها في قولك مثل هذا الجدال البديهي”حول إذا ما كانت اللّغة تشكل الفكر” دخل في حلقات مفرغةٍ لقرون فالبعض يبرّر أنّه من المستحيل للغة بأن تشكّل الفكر وآخرون يرون أنّه من غير المعقول أن اللّغة لا تشكل الفكر.
مؤخراً مجموعتي وآخرون وجدوا طرق تجريبيّة لاختبار بعض الأسئلة المفتاحيّة للجدال القديم بنتائج مدهشة
لذلك بدل الجدال حول ما هو صحيح وما ليس كذلك لنكتشف ما هو صحيح فعلاً.
اتبعني إلى بورمبوراو مجتمع صغير من السّكان الأصليين في غرب حافة كاب يورك بشمال أستراليا، أتيت إلى هنا بسبب طريقة السّكان المحليين”كيوك ثايور” يتكلّمون حول الفضاء بدل قول كلمات مثل “يمين، يسار،أمام، الخلف” مثل المستعمل عادةً بالإنجليزية. تعريف المحيط بالنّسبة لملاحظ، الـ ” كيوك ثايور” مثل العديد من مجموعات السّكان الأصليين يستعملون عبارات الكاردينال للاتجاهات شمال، جنوب، شرق، غرب، لتحديد المكان.
1– هذا قائم على جميع المستويات، و الذي معناه يجب أن تقول عبارات مثل “هناك نملة على جنوب شرق قدمك ” أو حرّك الكأس لشمال الغرب قليلاً “أحد النّتائج الواضحة هو أنّه يجب أن تبقى واعٍ بموقعك/ توجهك على طول الوقت وإلاّ لا يمكنك أن تتحدّث بطريقة صحيحة، التحيّة المعتادة عند ” كيوك ثايور” هي “أين أنت ذاهب” و الإجابة يجب أن تكون من هذا القبيل “جنوب غرب جنوب في وسط المسافة” إذا كنت لا تعرف أيّ طريق أنت تواجه فإنّك لن تتجاوز مرحباً.
النّتيجة فرق شاسع في قدرة التحديد و المعرفة الفضائيّة بين متحدثي اللغات المعتمدين أوليا على إطار مرجع كليّاً مثل “كيوك ثايور” واللغات التي تعتمد على مراجع نسبية الإطار مثل الإنجليزيّة.
2- بصيغة أبسط متحدثو اللّغات مثل كيوك ثايور أفضل من متحدثي الإنجليزيّة في البقاء موجّهين واتباع مسارهم فيما يخصّ موقعهم حتّى في أرضٍ غير مألوفة وداخل أبنية جديدة والذي يمنحهم هذه القدرة هو كونهم مجبرين من خلال لغتهم أن يكون انتباههم مدرّب بهذه الطّريقة يحضرهم لتأدية خصائص البحث بخاصية تتجاوز القدرة البشريّة العاديّة .
لأنّ الفضاء هو مجال أساسي للأفكار، الاختلافات في كيفيّة تفكير الأشخاص حول الفضاء لا تنتهي هناك يعتمد الأشخاص على معرفتهم الموقعيّة لبناء معارف أخرى أكثر تعقيداً و تمثيلات/ تصوير تجريدية .
تجسيد أشياء مماثلة كالوقت، العدد، النوتة الموسيقيّة، علاقات القرابة، الأخلاق والمشاعر، أظهرت أنّها تعتمد على كيفيّة تفكيرنا حول الفضاء، إذن إذا كان الكيوك ثايور يفكّرون باختلاف حول الفضاء هل يفكّرون بطريقةٍ مختلفة حول أمور أخرى مثل الزّمن؟
هذا ما جئنا من أجله أنا ومساعدي ” أليس غابي” لبرومبارو لاستكشافه.
لاختبار هذه الفكرة قدّمنا لبعض الأفراد مجموعة من الصور التي توضّح نوع من التّطور/التّقدم الزّمني (صور لرجل يتقدّم في السّن، تمساح ينمو، أوموزة تأكل) مهمتهم كانت تتمثّل في ترتيب الصور المختلطة بالتّرتيب الزّمني الصّحيح، اختبرنا كل فرد في ظرفين منفصلين، في كلّ مرّة يواجه الشّخص اتجاه كارديناليا مختلفاً، إذا سألت متحدثي الإنجليزيّة للقيام بهذا سيُرتبون الصور من اليسار إلى اليمين، مظهرين أنّ اتجاه الكتابة في اللّغة يلعب دوراً
3– إذن ماذا عن كيوك ثايور الذين يستخدمون كلمات مثل “يسار، يمين ” ما الذي سيقومون به؟
أل كيوك ثايور لم يرتبوا الأوراق غالباً من اليسار إلى اليمين أكثر من اليمين إلى اليسار، و ليس أبعد أوأقرب من الجسد، و لكن ترتيبهم لم يكن عشوائيّا، كان هنالك نمط فقط مختلف عن متحدثي الإنجليزيّة، بدل التّرتيب الزّمني من اليسار إلى اليمين رتّبوا البطاقات من الشرق إلى الغرب عندما تم وضعهم بمواجهة الجنوب، الصور اتّجهت من اليسار إلى اليمين، عندما واجهوا الشّمال البطاقات اتجهت من اليمين إلى اليسار، عندما كانوا باتّجاه الشّرق البطاقات كانت أقرب نحو الجسد وكان هذا صحيحا بالرّغم من أنّنا لم نخبر الأشخاص الاتّجاه الذي كانوا يواجهونه ال كيوك ثايور عرفوا ذلك أصلاً في بعض الأحيان أفضل منّي إلاّ أنّهم بعفوية استعملوا هذا التّوجيه الفضائِي لبناء تمثيلهم الزّمني.
أفكار النّاس حول الزّمان تختلف عبر اللّغات بأساليب مغايرة، على سبيل المثال متحدثو الإنجليزيّة يميلون إلى استخدام تشبيه مكاني أفقي “الأفضل في مقدمتنا، الأسوأ وراءنا”.
أمّا متحدثو المندرين الصينيّة يستعملون تشبيه عمودي” لقول الشهر القادم: أسفل الشهر، الشهر الماضي: الشهر الأعلى، إذاً هل متحدثو المندرين الصينيّة يفكّرون حول الزّمن بطريقةٍ عموديّة أكثر من متحدثي الإنجليزيّة؟
4- حتّى نواحي من الإدراك الزّمني يمكن لها أن تتأثّر باللّغة، مثلاً متحدثو الإنجليزيّة يفضّلون وصف المدّة من ناحية المدى”كان الحديث قصيراً” الاجتماع لم يكن طويلاً “أمّا متحدثو الإسبانيّة واليونانيّة يفضّلون وصف الزّمن من ناحية “الكميّة” كثير، كبير، صغير، بدلاً من قصير، طويل.
بحثنا في القدرات الإدراكيّة الأساسيّة مثل تقدير المدّة يظهر أنّ متحدثي اللّغات المختلفة يختلفون بطرق متوقعة / مسبّقة من خلال نمط التّشبيهات التّصويرية في لغتهم مثلاً إذا طُلب تقدير المدّة متحدثي الإنجليزية أغلبهم من المحتمل أن يرتبكوا حول مسافة المعلومة مقدرين أنّ خط ذو طول أكثر يبقى على شاشة الاختبار لمدّة أطول من الزّمن أمّا متحدثو اليونانية فمن المحتمل أن يحتاروا حول الكمية و مقدرين أن حاوية مملوءة تبقى مدة أطول على الشاشة
5- سؤال مهم في هذه المرحلة: هل هذه الاختلافات سببها اللّغة أو جانب آخر من الثّقافة؟ بالطّبع حياة متحدثي اللّغة الإنجليزيّة،المندرين الصينيّة، اليونانيّة، الإسبانيّة وكيووك ثايور تختلف من عدّة نواحي.
كيف نعرف أنّ اللّغة بحد ذاتها تخلق هذه الاختلافات في الأفكار و ليس من نواحي أخرى من ثقافتهم الخاّصة؟
من الطّرق للإجابة على هذا السؤال هي أن تعلم النّاس طرق جديدة في الحديث وأن ترى إن كان يغير أسلوبهم في التّفكير.
في مختبرنا علمنا متحدثي الإنجليزيّة طرق مختلفة للتّكلم عن الزّمن، في مثل هذه الدّراسة علموا استعمال تشبيه بالمقاس (مثل اليونانيّة) لوصف المدّة (مثال: الفلم أكثر عرضاً) أو وصف عمودي مثل المندرين الصينيّة لوصف ترتيب الأحداث.
ما إن تعلم متحدثو الإنجليزيّة التّكلم عن الزّمن بهذه الطرق أداءهم الإدراكي صار مثل اليونانيّة والمندرين الصينيّة، وهذا يقترح أنّ النّمط في اللّغة يمكن له أن يلعب دوراً أساسيّاً في بناء كيفية تفكيرنا.
6- بعبارات أوضح هذا معناه عندما تتعلّم لغة جديدة، أنت لا تتعلّم فقط طريقةً جديدة في الكلام ولكن دون قصد تتعلّم طريقة جديدةً في التّفكير فيما يتجاوز التّجريد وميادين معقّدة في الفكر مثل الفضاء والزّمن. اللّغات تتدخل أيضاً في نواحي أساسيّة من الإدراك البصري مثل قدرتنا على تمييز الألوان، اللّغات المختلفة تقسم استمرارية الألوان بطريقة مختلفة، البعض يقومون بعدّة تمييزات بين الألوان أكثر من أخرى والحدود لا تحذف بين اللّغات.
لاختبار إذا ما كانت الاختلافات في لغة الألوان تؤدّي إلى اختلافٍ في إدراك الألوان قمنا بالمقارنة بين متحدثي اللّغة الإنجليزيّة والرّوسيّة في قدرتهم على التّمييز بين درجات الأزرق /طيف لا توجد كلمة واحدة تشمل “الأزرق” مثلما هو الحال بالإنجليزيّة حيث يجب على متحدثيها التّمييز بين الأزرق الفاتح “goluboy” والأزرق الغامق”siniy”، هل هذا يعني أنّ الأزرق الفاتح و الغامق يختلفان بالنّسبة لمتحدثي الرّوسيّة؟ بالطبع، المعطيات تقول كذلك، متحدثو الرّوسيّة أسرع في التّمييز بين طيفين للون الأزرق والذين يكون لهما مسمّيات مختلفة بالرّوسيّة مقارنةً إذا ما كان الاثنان يقعان في نفس الفئة.
بالنّسبة لمتحدثي الإنجليزيّة كل أطياف الأزرق توصف باستعمال نفس الكلمة ولا توجد مفارقات في زمن التّفاعل.
بالإضافة إلى ذلك اختفت الأفضليّة في الرّوسيّة عندما طلب من الأفراد أن يقوموا بتأدية فعل تتداخل فيه المهمّة (تلاوة عدد من الأرقام) خلال القيام بمهمّة الحكم على اللّون ولكن عندما طلب القيام بمهمّة موازية الصّعوبة وجوديّة في تداخل المهمّة (حفظ نمط من رواية في الذّاكرة) اختفاء الخاصيّة عند تأدية فعل، قولي يُظهر أن اللّغة طبيعيّاً تتدخل في أساسيات القرار الإدراكي الحسّي و هذا ما تخلقه اللّغة في حد ذاتها من اختلاف في الإدراك بين متحدثي الإنجليزيّة والرّوسيّة.
عندما يُحجب على متحدثي الرّوسية المنفذ العادي عن طريق مهمّة تداخل قولي الاختلافات بين متحدثي اللّغتين تختفي حتى ما قد يبدو تافه من النّاحية اللّغوية يمكن أن يكون له آثار عميقة في اللاّوعي حول كيف نرى العالم.
لنأخذ بعين الاعتبار النّوع في النّحو في الإسبانيّة وباقي اللّغات الرّومانسيّة، الأسامي تكون إمّا مذكّرة أو مؤنّثة، أما في العديد من الأسماء الأخرى مقسّمة إلى عدّة أنواع (أو طبقات) في لغة السّكان الأصليين بأستراليا لديها حوالي 16 نوع تضمن أقسام لأنواع أسلحة الصيد، الأنياب، الأشياء اللاّمعة أو كما قيل في جملة اللّغوي الشهير جورج لاكوف” النّساء، النّار وأشياء خطيرة”.
الذي يعنيه بالنّسبة للّغة أن يكون لها نوع نحوي هو أنّ الكلمات ذات الأنواع المختلفة تعامل من النّاحية النّحوية بأسلوب مختلف أمّا تلك التي تنتمي إلى نفس النّوع تعامل بنفس المنهج من النّاحية النّحوية، اللّغات يمكن لها أن تتطلّب من المتحدّث التّغيير في الضّمائر، الصّفات، نهايات الأفعال، والعدد، وما إلى ذلك حسب جنس الاسم، على سبيل المثال أن تقول “كان الكرسي الخاصّ بي قديماً” بالرّوسية ” moy stul bil stariy ” عليك جعل كل كلمة تتوافق مع جنس الكرسي والذي هو مذّكر بالرّوسية و هذا ما تقوم به عند التّحدث عن ذكر بيولوجي مثل قول “كان جدّي كبيراً في السّن”، فلو بدل الحديث عن كرسي كنت تتحدّث عن سرير krovat مؤنّث بالروسية، أو عن جدّتك كنت ستستعمل صيغة المؤنّث في كامل الجملة، هل استعمال صيغة مذكّر للكرسي والمؤنث للسّرير يجعل متحدّثي الرّوسية يفكّرون في الكراسي مثل الرّجال والأسرّة مثل النّساء؟ على ما يبدو فعلاً، في اإحدى الدّراسات طلبنا من متحدثي الألمانيّة والإسبانيّة أن يصِفوا أشياءً لديها جنس متخالف الوصف، الذي قدّموه اختلف من ناحية نحويّة متوقعة، على سبيل المثال كلمة “مفتاح” والذي هو مذكّر بالألمانيّة ومؤنّث بالإسبانيّة، متحدثو الألمانيّة استخدموا كلمات مثل “صلب” “ثقيل” “مسنن” “حديدي ” “مفيد “، أمّا الإسبانيّة “ذهبي” “معقد” “صغير” “جميل” “مشع”، لوصف جسر والذي هو مؤنّث بالألمانيّة ومذكّر بالإسبانيّة، متكلمو الألمانيّة قالوا “جميل” “أنيق” “حساس” “مسالم” و “مرهف” أمّا بالإسبانيّة، “كبير ” “خطير” “طويل” “قوي” “متين” “شاهق” كان هذا فعليّاً بالرّغم من أنّ كل الاختبار تم القيام به باللّغة الإنجليزيّة لغة لا تحدّد النّوع في النّحو للأشياء، ظهر نفس نمط النّتيجة في مهمّة ليس لها علاقة بتاتاً باللّغة (مثل تقييم التّشابه بين الصور) ويمكننا تبيين أنّ مظهر اللّغة في حدّ ذاته هو الذي يشكّل كيف يفكّر الأفراد، تعليم متحدثي اللّغة نظام نحو جديد يؤثّر على التّمثيل العقلي للأشياء بنفس الطّريقة على الألمان والإسبان على ما يبدو حتّى التّفاصيل البسيطة التي تبدو عشوائيّة للجنس أو الاسم في القواعد، يمكن لها أن تؤثّر على أفكار النّاس في مواضيع فعليّة في العالم.
7- في الحقيقة لا تحتاج أن تذهب إلى مختبرٍ لترى تأثيرات اللّغة، عليك أن تراها بعينيك في معرض فنّي، اُنظر إلى بعض الأمثلة مشهورة التّجسيد في الفن، لاحظ الوحدات التّجريدية مثل: الموت، الخطيئة، النّصر أو الزّمن، تتّخذ أشكالاً بشريّة كيف يختار الفنّان إذا ما كان الموت أو الزّمن أن يرسم على شكل ذكر أو أنثى؟ على ما يبدو 85 من مثيل هذه التجسيدات، إذا ما كان شكل ذكر أم أنثى الذي يستعمل متوقّع حسب قواعد اللّغة الأصليّة للفنّان على سبيل المثال الرّسامون الألمان أكثر من المحتمل أن يرسموا الموت على هيئة رجل أمّا الرّوس يجسدونه على شكل امرأة
حقيقية حتّى المميّزات البسيطة للقواعد يمكن لها أن تؤثّر على تفكيرنا، هي حقيقة عميقة، مثل هذه المميّزات منتشرة في اللّغة، النّوع مثلاً يرتبط بكل الأسماء، هذا معناه أنّه يؤثّر على طريقة تفكير النّاس حول كل شيء، هذا يمثل الكثير من الأشياء.
لقد شرحت أنّ اللّغة تشكل طريقة تفكيرنا حول الفضاء، الزّمن، الألوان والأشياء. دراسات أخرى وجدت تأثير اللّغة على قدرة النّاس في تحليل الأحداث، المنطق وراء السبب، اتباع الأرقام ، فهم المواد المادّية، إدراك و عيش المشاعر، المنطق حول أفكار الآخرين، اختيار المخاطرة، وحتّى اختيار المهنة والشّريك.
8- مجموعة معا، هذه النّتائج تظهر أنّ المناهج اللّغوية متجذّرة في المجالات الأساسيّة للفكر، من غير وعي تشكلنا من أدق مكوّن لإداركنا وتفكيرنا إلى أسمى المفاهيم التّجريديّة وأهم القرارات المصيريّة، اللّغة هي مركز تجربتنا البشريّة واللّغات التي نتكلمها بعمق تشكل كيفية تفكيرنا، الطّريقة التي نرى بها العالم، والطريقة التي نعيش بها حياتنا.
المصدر: هنا
تدقيق لغوي: ميادة بوسيف