عن الكتاب:
عنوانه الأصلي: ?Hommes et virus: une relation durable
المؤلفة: أستريد فابري.
المترجم: عبد الهادي الإدريسي.
عدد الصفحات: 88 صفحة.
تمّ ترجمته ضمن موسوعة “ثمرات من دوحة المعرفة” التي بادرت لها هيئة أبوظبي للسياحة و الثقافة من خلال “مشروع كلمة”.
عن الكتاب:
تتحدّث المؤلفة وهي طبيبة فرنسيّة مُختصة في علم الفيروسات ورئيسة مختبر الأمراض الفيروسية في الشمال الغربي لفرنسا، تتحدث عن هذا العالم المجهريّ الذي لم يتمّ اكتشافه إلا في نهايات القرن التاسع عشر، فقد فسّر الإنسان سابقا تلك الأمراض التي تتسبب فيها الميكروبات تفسيرات ميتافيزيقيّة، ومع تطور العلم بمرور الزّمن، بدأت تظهر تفسيرات للعديد من الأمراض..واكتُشِفت البكتيريا في بداية الأمر، بفضل المجهر الضوئيّ، وتمّ دراسة سلوكها وإنتاج لقاحات ضدها، لكن كانت هناك حالات مرضية بلا تفسير.. ولا بكتيريا، إذ لم يتمّ العثور على كائن مجهريّ ولا أي مادّة سامة من المُمكِن أن تتسبّب في الأمر. وهكذا تمّ نسب كل ذلك إلى كائنات لا تُرى بالمجهر لمدى ضآلتها، سُمِّيت: Virus اشتقاقا من اللفظة اللاتينية: Virulentes؛ أي: السّم.
وقد سهّل اختراع المجهر الإلكترونيّ بعد ذلك دراستها. وتمَّ الاعتماد على مبدأ لويس باستور وروبرت كوخ في إقامة الدليل على وجود علاقة بين ظهور أمراض معديّة مع تواجد ميكروبات لدى المصاب، لكن هذه العلاقة السببيَّة غير مؤكدة قطعا فمشاهدة حدثين متلازمين لا يعني أنهما مرتبطان ببعضهما.
في بدايات الدّراسات في هذا المجال، ظنّ العلماء أن ضرر الفيروسات كامن في العدوى والأمراض النّاجمة عنها.. لكنهم سرعان ما اكتشفوا في السنة الثلاثين من القرن العشرين أن لها وجها آخر من الضرر يتمثل في كونها مسبِّبة للأورام بما أنّها تنفذ إلى نواة الخليّة لتمزج مكوناتها الوراثية مع المكونات الوراثية البشرية، وتمَّ هذا الاكتشاف حين لاحظ الأمريكيّ بايتون روس فيروساََ يتسبَّب في ورم لدى الدجاج سمَّاه على اسمه: “ورم روس”.
ثمّ توالت الاكتشافات وكان على العلماء البدء في تصنيفها لتسهيل دراستها، فوجدوا أن ذلك صعب جدا، لذلك ركزوا على التصنيف انطلاقا من ترتيب جيناتها وعددها.أما تسميتها فهي لا تخضع لأي منطق أو قاعدة، فقد تتعلق بالموقع الجغرافيّ للاكتشاف كفيروس الحمى النزيفيّة الذي يعرف باسم أوميسك في سيبيريا، أو قد تتعلّق بالحروف الأولى من اسم مريض أصيب به كفيروس JC أو قد تتعلق بشكل الفيروس وغير ذلك..
تُعتبر الفيروسات كائنات مختلفة عن الكائنات الحية، فهي لا تعتمد على التكاثر، بل على التناسخ، إذ تغزو الخليّة المُضيفة وتضمّ مكوناتها الوراثيّة إليها لتقوم هذه الأخيرة بإنتاج النسخ المطابقة للنسخة الأم.
لكن التطابق لا يكون تامًّا بسبب حصول أخطاء في إعادة النسخ، وهذا ما يعطي الفرصة لظهور جيل غير متجانس وكل نسخة تُعتبَر فريدة من نوعها،كما أن هذا الاختلاف جعل من تفسير عملية التطور صعبا نوعا ما.. فقد تطوّرت جميع الكائنات الأكبر انطلاقا من الخلية الحية الأولى التي تسمى اختصارا ب “لوكا” LUCA: Last Universal Common Ancestor
فمن سبق الآخر إلى الوجود؟ الفيروسات أو الخلايا؟
هل كانت الخلية لوكا مصابة بفيروسات أيضا؟ أم أن الفيروسات هي أجزاء من الخارطة الجينيّة انفَلتت من رقابة الخليّة فأصبحت كائنات ضارة مسبِّبَة للمرض؟
أمّا بالنسبة للإنسان، فقد تسللت الفيروسات إلى جسمه منذ فجر تاريخه، بل إن جسمه يحتوي قُرابة عشرة آلاف مليار خليّة، و ما يعادل عشرة أضعافها من البكتيريا، وفي هذه الخلايا كلها توجد فيروسات..وهذا ما لخّصه عالم الأحياء جون هيريك حين قال أنّنا نمثّل أقليّة داخل أجسامنا..
ما يجعل هذه الكائنات مختلفة عن بقية الكائنات الاخرى هو افتقارها إلى ريبوزومات.. وهي وحدات لبناء البروتين، وهنا نعود إلى سؤال محيّر: ما الذي يجعلها كائنات حيّة؟ و ما هي الحياة أصلا؟ فهي تبدأ نشاطها حين تدخل الخليّة.. أما خارجها فهي راكدة شبه ميتة تماما كالبذور النباتية..
تلعب الفيروسات دورا هاما في عملية التطوّر البيولوجيّ للكائنات على مرّ العصور لأنها تتحكم في جينات الخلايا المضيفة و تعطيها خصائص جديدة..
و يبدأ الغزو الفيروسيّ للخليّة انطلاقا من تكامل بروتيناته الغشائيّة مع تلك الخاصّة بالخليّة المضيفة.. لكن هذا لا يعني عدم وجود مقاومة داخليّة، غير أنه يبقى ضامرا فيما يعرف بظاهرة الخسوف حين يبدأ في التخلي عن بروتيناته الغشائيّة فيبدو وكأنه جزء من الخلية.. كما أنّه يحاول التغيير من شكله كي لا يتمّ مهاجمته من طرف الجهاز المناعي، وفي بعض الأحيان تغادر أجسامنا لتهاجم فصائل أخرى، وهو ما يعرف باجتياح الحاجز ما بين الفصائل، كحال فيروس أنفلونزا الطّيور الذي انتقل إلى البشر.
لكن مصير الفيروسات القاتلة هو أن أغلبها يتأقلم مع الجسم رويداََ رويداََ فتصبح أقل ضرراََ، لكنّها تحتاج ردحاََ من الزمن يبدو كالأبد قياساََ مع أعمارنا البشريّة.
من الناحية العلاجية، يتم الاعتماد على التلقيح أو مضادات الفيروسات، هذه الأخيرة التي مازالت قيد التطوير..
وقد انبهر الانسان بقدرات الفيروسات فحاول استخدامها لصالحه.. سواء لأغراض “شريرة” وهو حال الاسلحة البيولوجية، أو لأغراض طبية كاستعمال الفيروسات “آكلات البكتيريا” للقضاء على البكتيريا التي طورت مقاومة ضد المضادات الحيوية، أو استعمالها في العلاج الجيني للعديد من الأمراض الوراثية..
التقييم: 4 نجوم من 5.
السبب: استطاعت المؤلفة رغم عدد صفحات الكتاب القليلة إيصال الكثير من المعلومات بشكلِِ مبسّط لقارئِِ عاديّ لا يعرف عالم البيولوجيا والميكروبات.
يبقى هناك عيب واحد هو أنها لم تخصص صفحة للمصادر التي اعتمدت عليها ما يجعل الكتاب مصدرا هشا للباحث عن معلومات أخرى، أو لمن يحاول التحقق من صحتها.
تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي ومنال بوخزنة.
مراجعة الإعداد: عمر دريوش.