في إحدى مجموعات نوادي الكتب للأطباء، طلب عضو اقتراحات لروايات تاريخية لفهمٍ أفضل لتاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأفغانستان، ولفت المنشور انتباهي ككاتبة أفغانية-أمريكية. اقترح شخص ما رواية الاستلقاء مع الأسود، لكين فوليت، لم يكن مألوفا لدي لكنه جذبني، فقمت بتحميل الكتاب صوتيا.
وبما أن الكتاب قد نُشر في الثمانينات، فقد أخذني بالزمن مجدّدًا إلى طفولتي. لا، لم يتمّ نقلي إلى قرية نائية تقع في جبال مسننة، بل أخذتني قصة فوليت عن التجسس وضغوطات الحرب الباردة إلى غرفة معيشتنا ذات الحوائط الخشبية في إحدى ضواحي ولاية نيو جرسي، مع وجود جهاز تلفزيون مشتغل في الزاوية.
في هذه الغرفة، أخذت التصورات التي كانت متاحة فقط عن أفغانستان في ذلك الوقت؛ كانت أفغانستان تظهر على الشاشة بشكل نادر وكان أبي لا يُضيّع أي جهد لتسجيل هذه الفرص على أشرطة فديو. في العديد من المرات التي لا يمكنني عدها، شاهدنا رامبو الذي يعبر سهول أفغانستان على ظهر حصان أسود ليأتي لمساعدة المجاهدين. كانت لدينا أيضاً حلقة من ماكجيفر*، الذي كان يركن إلى الابتكار أكثر من الذخيرة. أفاد بيتر جينينغز ومقدمو الأخبار المسائية الآخرون عن صور مماثلة ولكن أكثر خطورة لبلد يحوم في الغبار، بالإضافة إلى وجوه أناس تحجبها سُحب من دخان المدفعية.
في قصة فوليت، كان من بين العديد من اللحظات المحزنة إشاراته المتكررة إلى الطريقة التي كان يلبس ويتصرف بها الأفغان. تماما مثل شاشة التلفزيون في الضواحي في طفولتي، صَوّر الكِتاب الأفغانَ على أنهم محاربون ملتحون يقاتلون الروس في قمم الجبال. كانت النساء تعد غريبات حيث أنهن كن غير مرئيات. اعتمدت هذه القصص بشكل كبير على الصور النمطية عن الثقافات القبلية (التي هي في نظرهم ”بدائية”). بعبارة أخرى، هذه الحكايات لم تكن عن الأفغانيين، بل كانت عبارة عن لوحة يمكن على أساسها أن يعرض القارئ أو المشاهد الأبيض أفكاره الخاصة عن الأفغان على الشاشة.
في أعقاب 11سبتمبر، التفتت نظرات العالم أجمعه إلى أفغانستان، وبالأخص، إلى النساء الأفغانيات. كانت صورة البرقع في كل مكان وقد حولت أجيالاً من القصص إلى قصة اضطهاد، فقد تم تدمير النساء. في الوقت نفسِه، كنت محاطة بنساء أفغانيات ذوات شخصيات وتواريخ بثت الحياة في الأعياد والحفلات.
في 2009، بدأت بكتابة قصص من النوع الذي كنت أتوق لإيجاده في المكتبات ومحلات بيع الكتب. عزمت على أن أعبّر عن نقطة احتكاك عالمية –تكافح النساء من أجل القوة داخل المنزل، من أجل الإرادة الحرة داخل رأسها، ومن أجل مكان في التاريخ– لكن في سياق أفغاني.
لكتابة هذه القصص بكل موثوقية تعني أن تكتب بتخلٍّ؛ فأنا أكتب شخصيات حاملة لصفات رأيتها في الأجسام الحية: معيوبة، غير متسقة، متسامحة، ملهمة، مُدمرة، إنسانية. أستجمع القصص المحببة لي، التي رويت وأُعيدت روايتُها في عائلتنا؛ طيفٌ من التجارب العظيمة والمدمرة. الوقت الذي سرق فيه عمي الخبيث أفضل قطع اللحم من طبق التقديم، اليوم الذي غادرت فيه عمتي كلية الطب لدراسة العلوم الإنسانية، طعم البرتقال المتألق من جلال أباد في الشتاء، الوقت الذي فُقد فيه العديد من أفراد الأسرة في جولة من الاعتقالات والقتل السياسيين، الساعات التي تقضيها النساء الجائعات في طهي الأطباق الشهية في شهر رمضان…
لكنّي لم أدرك أمرا إلا بعد أن وصلت كتبي إلى الجمهور؛ فقد أدركت مخاطر أن أكون كاتبًا ملوّنًا أحارب ضد الروايات الخاطئة عن ثقافتي.
في بعض الأحيان، أصبحت قصصي خطافات يعلق فيها القراء أفكارهم المسبقة. في روايتي الأولى، شغلت زوجة أحد أمراء الحرب مقعدًا في البرلمان، مستفيدة من متطلبات الحصة النسائية وتحولت إلى دمية من قِبَل زوجها. تلتقي ببرلمانيات أخريات، شخصيات قمت بتصميمها على غرار نساء حقيقيات، وهن من أكثر السّاسة حماسا وشجاعة على الأرض. لقد ذكرت هؤلاء النساء في القصة عن عمد، لأنهن غير مرئيات إلى حد كبير. ومع ذلك، في عديد النقاشات في نوادي الكتاب التي لا أستطيع أن أحصيها، هز الناس رؤوسهم عن مدى فظاعة أن يتم التحكم في السياسيات من قبل سادة الدمى الذكور.
لا يمكن لشخصية واحدة تمثيل مجموعة من الناس ومع ذلك يوجد الكثير لاستخلاصه من الشخصيات الفردية. (أشك في أن باولا هوكينز قد قلقت بشأن الافتراضات التي قد يتخدها الناس بشأن الراكبات النساء بينما كانت تكتب روايتها فتاة القطار).
تلقيت العديد من الأسئلة المفاجئة. كلّا، زواجي لم يكن مدبَّرًا، وحماتي لا ترعبني. بالإضافة إلى أنني لم أتلقّّ تهديدات من رجال أفغانيين غاضبين. أنا لا أمانع طرح هذه الأسئلة، فأنا أستخلص منها أين توجد الثغرات وكيف يمكنني البدء بملئها في قصة أخرى.
كانت رواية شُعل مثل النجوم مستوحاةً من الدهشة التي تلقيتها عندما تحدثت عن أمي المتخرجة من جامعة كابول بشهادة هندسة، أو عندما تحدثت عن الوجود الأمريكي في أفغانستان في الستينيات والسبعينات.
في عام 2009، عثرت على مقال صحفي عن انقلاب عام 1978وغموض مكان دفن الرئيس وعائلته. أبقيت المقالة مثبتة في لوحة الأفكار، وعدت إليها بعد عامين. في أواخر السبعينيات، استضافت كابول زوارا من جميع أنحاء العالم. مكان شباب والدي، المدينة التي تعج بالموسيقى وعروض الأزياء.
كانت التفاصيل مذهلةً. في المقابلات الصحفية، كان ضباط الخارجية الأمريكية المتمركزون في كابول في أواخر السبعينات يسمونها وظيفة الحزب. استضافوا حفلات كوكتيل مع حشد دولي. قدمت إرشادات السفر للهيبيين الذين يستهلكون طاقاتهم في التجوال حول كيفية تجنب احتيال الجمال عند عبور الصحراء وقدموا نصائح أخرى لا تقدر بثمن مثل، “اثمل كما شئت ولكن لا تجعل الأمر علنيًّا”.
بدأت انتف الشخصيات. كان لمسودتي الأولى لرواية شعل مثل النجوم راويان: سيتارا، فتاة أفغانية ناجية من انقلاب خطير، وضابطة خارجية أمريكية شهدت أحداثا في كابول من خلال عدستها الأمريكية. مثل القارئ في مجموعة الفيسبوك، كنت أريد رؤية كتاب يكشف تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وأفغانستان. كنت أرغب في توسيع السرد ليس فقط عن النساء الأفغانيات، بل أيضا عن العلاقة بين الأمريكيين وأفغانستان. كان هناك الكثير من الأمور التي يجب تحليلها، كالاستعمار والآثار المنهوبة وظهور العالم الثالث من خلال الحرب الباردة.
من خلال العديد من الفصول، أدركت أنني لم أكن أحاول إزالة الصور النمطية عن النساء الأفغانيات فقط. تجسد رواية رامبو المجاز الأمريكي للمنقذ. في وقت كانت فيه الولايات المتحدة تخطط للخروج من أطول حروبها، شعرت بأهمية إعادة النظر في الأيام الأولى للعلاقة بين الولايات المتحدة وأفغانستان. أما رواية شعل مثل النجوم فتهدف إلى إعادة صدى تلك الديناميكية المعقدة في كل شكل مصغر.
لن تزول الصور النمطية بكتاب واحد، بل بتوسيع مجموع القصص الأفغانية وإدراج الأصوات الأصيلة. الأمر الذي يجعلنا أقرب إلى إعادة المرأة الأفغانية إلى مقامها الكامل وإزالة استعمار التاريخ الأفغاني.
هوامش:
-ماكجيفر (بالإنجليزية: MacGyver): هو مسلسل تلفزيوني أمريكي أكشن ومغامرة أنشأه لي ديفيد زلوتوف وبطولة ريتشارد دين أندرسون. تتبع السلسلة مغامرات أنجوس ماكجيفر، وهو عميل سري مسلح ببراعة علمية ملحوظة لحل أي مشكلة تقريبًا في هذا المجال باستخدام مواد عادية في متناول اليد.