نعوم تشومسكي مع تعقيب لحنة أرندت
15 ديسمبر 1967
روبرت ب. سيلفرز: … تحت أيّ ظروف، إن وُجدت، يمكن اعتبار العمل العنيف “مشروعا”؟…
نعوم تشومسكي: شعوري العام هو أن هذا النوع من الأسئلة لا يمكن الإجابة عليه بطريقة ذات معنى عند تجريده من سياق ظروف تاريخية واقعية محددة. أي شخص عاقل يوافق على أن العنف ليس مشروعا إلا إذا كانت نتيجته هي القضاء على شر أكبر قائم. يوجد هناك بالطبع، أناس يذهبون إلى أبعد من هذا بكثير ويقولون أنّه يجب على المرء أن يعارض العنف بشكل عام، بعيدا عن أي نتائج محتملة. أعتقد أن مثل هذا الشخص يؤكد أحد الأمرين: إما أنه يقول أنّ اللجوء إلى العنف غير شرعيّ حتى لو كانت النتيجة هي القضاء على شر أعظم؛ أوأنه لا يمكن -تحت أي ظروف محتملة- أن تكون النتيجة هي القضاء على شر أعظم. الأمر الثاني هو افتراض واقعيّ ومن شبه المؤكد أنه خاطئ. يمكن للمرء أن يتخيل بسهولة ويجد الظروف التي يقضي فيها العنف على شر أعظم. بالنسبة للأول، هو حكم أخلاقي غير قابل للاختزال، يقضي أنه لا ينبغي للمرء أن يلجأ إلى العنف حتى لو كان سيقضي على شر أكبر. ومن الصعب مجادلة هذه الأحكام. لا يسعني إلا أن أقول أنه يبدو لي وكأنه حكم غير أخلاقي.
هناك ميل لافتراض أن الموقف القائم على حكم أخلاقي مطلق يُظهر مبدأ عاليا، بطريقة لا تظهر في موقف يتم اتخاذه بشأن ما يشار إليه باستخفاف على أنه “أسس تكتيكية”. أعتقد أن هذا افتراض مشكوك فيه إلى حد ما. إذا كانت التكتيكات تنطوي على حساب التكلفة البشرية لمختلف الأفعال، فإن الاعتبارات التكتيكية هي في الواقع الاعتبارات الوحيدة التي لها صفة أخلاقية. لذلك لا يمكنني قبول معارضة عامة ومطلقة للعنف، فإن اللجوء إلى العنف وحده غير شرعي ما لم تكن نتائجه هي القضاء على شر أكبر.
مع هذه الصياغة، ينتقل المرء من المناقشة المجردة إلى سياق الظروف التاريخية الواقعية حيث توجد ظلال من العلاقات المعقدة الرمادية والغامضة بين الوسائل والغايات ونتائج أفعال غير قابلة للحساب، وما إلى ذلك. بصياغة الموضوع بهذه المصطلحات، فإن المدافعين عن الالتزام المشروط باللاعنف لديهم حجة قوية جدًا. أعتقد أنهم يستطيعون الإدعاء بقدر كبير من العدالة أنه في جميع الظروف الحقيقية تقريبا هناك طريقة أفضل من اللجوء إلى العنف. اسمحوا لي أن أذكر بعض الأمثلة الواقعية التي قد تلقي بعض الضوء على هذا السؤال. قرأت في صحيفة [نيويورك] تايمز هذا الصباح مقابلة مع جانيت رانكين، التي كانت العضو الوحيد في الكونجرس الذي صوت ضد إعلان الحرب [على اليابان] في 8 ديسمبر 1941، على أنغام جوقة من صافرات الاستهجان والهسهسة. لكن إذا نظرنا إلى الوراء، يمكننا أن نرى أن اليابانيين كانت لدهم مظالم حقيقية للغاية، وأن الولايات المتحدة لديها نصيب كبير من المسؤولية في تلك المظالم في عام 1941. في الواقع، كان لدى اليابان قضية أكثر صحة مما هو معتاد الاعتراف به.
في 6 نوفمبر 1941، قبل شهر واحد فقط من بيرل هاربور [غارة جوية مباغتة نفذتها البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 ديسمبر 1941 على الأسطول الأمريكي القابع في المحيط الهادئ في قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي]، عرضت اليابان القضاء على العامل الرئيسي الذي أدى بالفعل إلى حرب المحيط الهادئ، ألا وهو سياسة “الباب المغلق” في الصين. لكنهم فعلوا ذلك بتحفظ واحد: أنهم سيوافقون على إلغاء الباب المغلق في الصين، وهو ما كنا نطالب به، فقط إذا تم تطبيق نفس المبدأ في جميع أنحاء العالم – أي إذا تم تطبيقه أيضا في، على سبيل المثال، أمريكا اللاتينية، ودول السيادة البريطانية، وما إلى ذلك. بالطبع، كان هذا يعتبر سخيفا للغاية لدرجة أنه لا يمكن حتى الحصول على رد عليه. وإجابة وزير الخارجية كورديل هال ببساطة طلبت مرة أخرى أن يفتحوا الباب المغلق في الصين ولم يتنازل حتى عن ذكر هذه الشروط السخيفة التي أضافوها. الآن كان هذه الشروط هي الجوهر وقد تم التقاتل عليها على مدار السنوات العشر السابقة.
وكان أحد العوامل التي أدت إلى هجوم بيرل هاربور والحرب. بالطبع، كان من المستحيل سياسيا بعد بيرل هاربور على الولايات المتحدة ألا تعلن الحرب، نحن نعلم مدى صعوبة كبح جماح الرد، حتى عندما تعلم أن الذنب موزع. لكننا نتحدث عمّا هو شرعي وما هو أخلاقي، وليس ما هو رد فعل طبيعي. والمدافعون عن اللاعنف يقولون حقا أننا يجب أن نحاول رفع أنفسنا إلى هذا المستوى الثقافي والأخلاقي، كأفراد وكمجتمع، بحيث يمكننا التحكم في رد الفعل هذا.
ماذا كانت عواقب الرد وماذا كان دورنا في خلق الوضع الذي وقع فيه العنف؟ في الثامن من ديسمبر، رددنا الضربة بشكل أعمى تماما، وبدون تفكير، ولست متأكدّا على الإطلاق من أن العالم أصبح أفضل الآن. إنه لأمر مدهش للغاية قراءة الرأي المخالف في محكمة طوكيو للقاضي الهندي الوحيد الذي سُمح له بالمشاركة، والذي اعترض على الإجراءات برمتها، واستنتج نفسه أن الأعمال الوحيدة في حرب المحيط الهادئ التي تتوافق بأي شكل من الأشكال مع الفظائع النازية كانت إلقاء القنبلتين الذريتين على المدينتينن اليابانيتين. تنبأ آي جي موست في الشهر الثاني من عام 1941 بأننا سوف نتبنى أسوأ سمات خصومنا، موضوع كراهيتنا، وأننا سنحل محل اليابان كغازٍ أكثر شراسة. وأعتقد أنه من الصعب للغاية إنكار عدالة هذا التوقع. لذا، حتى بعد بيرل هاربور، سأقبل الدعوة إلى اللاعنف، ليس كمبدأ أخلاقي مطلق، ولكن كما يمكن تبريره في تلك الظروف التاريخية الخاصة. باختصار، ربما كانت هناك بدائل لحرب المحيط الهادئ.
حالة ثانية، والتي أعتقد أنها الحالة التي تدور في أذهان الجميع، فيتنام، تثير أسئلة مثيرة للاهتمام وصعبة في هذا الصدد. لن أناقش الوضع بعد فيفري 1965 بل الفترة التي سبقته. من 1954 إلى 1957 كان هناك إرهاب واسع النطاق من قبل حكومة سايغون، والسبب بسيط للغاية، لم يكن مجرد إرهاب أعمى ووحشي. كان السبب -هذه نظرية باتنجر(Joseph Buttinger) وأعتقد أنها دقيقة- أن أي مؤسسات ديمقراطية كان من الممكن إنشاؤها كان محتملا أن يستولي عليها الفيت مينه [تحالف المجموعات الشيوعية والقومية التي عارضت الفرنسيين واليابانين أثناء الحرب العالمية الثانية في فيتنام]، وبالتالي كان من المستحيل على نظام سايغون السماح بأي نوع من التعبير الديمقراطي. كان من الضروري اللجوء إلى العنف والإرهاب.
ثم، في الفترة من 1957 إلى 1965، كان هناك نوعان من ممارسة العنف تقريبا. عنف ضد الجماهير قامت به حكومتي سايغون والولايات المتحدة. يقدّر برنارد فُلّ سقوط حوالي 160 ألف قتيلا خلال تلك الفترة. وكان هناك أيضا عنف انتقائي، إرهاب انتقائي نفذته الفيت كونغ (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام) كجزء من برنامج سياسي نجح في كسب تأييد جزء كبير من السكان. خلال كلتا الفترتين، كان الأمريكيون يميلون إلى قبول العنف الذي مارسته الولايات المتحدة وحكومة سايغون والتغاضي عنه، محتفظين بسخطهم على إرهاب الفيت كونغ المحدود.
من ناحيتي، بالطبع، ليس هناك شك في موضوع تبرير الإرهاب الذي مارسته الولايات المتحدة وحكومة سايغون. ولكن ماذا عن السؤال الأصعب وهو الإرهاب الذي مارسته جبهة التحرير الوطني؟ هل هذا عمل سياسي مشروع؟ أسهل رد فعل هو أن نقول أن كل أشكال العنف بغيضة، وأن كلا الجانبين مذنبان، والوقوف بعيدا عن الآخرين للاحتفاظ بالنقاء الأخلاقي وإدانة كليهما. هذا هو الرد الأسهل وفي هذه الحالة أعتقد أنه مبرر أيضا. ولكن، لأسباب معقدة للغاية، هناك حجج حقيقية أيضا لصالح إرهاب الفيت كونغ، الحجج التي لا يمكن رفضها باستخفاف، على الرغم من أنني لا أعتقد أنّها صحيحة. إحدى الحجج هي أن هذا الإرهاب الانتقائي – قتل مسؤولين معينين وإخافة آخرين- كان يميل إلى إنقاذ السكان من إرهاب حكومي أكثر تطرفا، وهو الإرهاب المستمرّ الذي يحدث عندما يمكن لمسؤول فاسد أن يفعل أشياء تقع في نطاق سلطته في المقاطعة التي يتحكم فيها.
ثم هناك النوع الثاني من المحاججة أيضا… والذي أعتقد أنه لا يمكن التغاضي عنه بسهولة تامة. إنها مسألة واقعية حول ما إذا كان العمل العنيف يحرر المواطن من عقدة النقص لديه ويسمح له بالدخول في الحياة السياسية. أنا بنفسي أود أن أصدق أن الأمر ليس كذلك. أو على الأقل، أود أن أصدق أن رد الفعل اللاعنفي يمكن أن يحقق نفس النتيجة. لكن ليس من السهل تقديم دليل على ذلك؛ يمكن للمرء أن يجادل بقبول هذا الرأي على أساس الإيمان فقط. وضرورة تحرير الفلاح من هذا الدور السلبي ليس موضع تساؤل. نحن نعلم جيدا أنه في بلدان مثل كوريا الشمالية وفيتنام الجنوبية والعديد من البلدان الأخرى، كان من الضروري حث الفلاحين على إدراك أنهم قادرون على الاستيلاء على الأرض. كان من الضروري كسر قيود السلبية التي تجعلهم غير قادرين تمامًا على العمل السياسي. وإذا دفع العنف الفلاحين إلى النقطة التي يمكنهم فيها التغلب على نوع العبودية الدائمة من النوع الموجود، على سبيل المثال، في الفلبين، فعندئذ أعتقد أن هناك حجة قوية جدا لذلك.
من الأمور الجانبية المثيرة للاهتمام لهذه القضية في حالة الفيتنام هي دراسة حديثة لمؤسسة راند تدّعي أن المناطق التي تكون فيها السيطرة الأمريكية أكثر صرامة هي المناطق التي كان فيها أقل اضطراب للنظام الاجتماعي الإقطاعي القديم، حيث يكون الفلاحون مطيعين، ولا يثيرون قضايا سياسية، حيث لا يتسببون في أي مشاكل ويبدؤون في التصرف على نحو سياسيّ – وهو ما يعني في فيتنام أنه التصرف على شاكلة أعضاء الفيت كونغ، على ما يبدو.
هناك أيضا حجة ثالثة لصالح العنف، والتي تبدو في الظاهر بغيضة جدا، لكنني أخشى أن يكون لها وجهة نظر، من وجهة نظر مجموعات العصابات الثورية. هذه هي الفكرة القائلة بأن العنف، لنقل من قبل الفيت كونغ، سيؤدي إلى الانتقام، وغالبا ما يكون رد الفعل مبالغا فيه، والانتقام سيُكسب أتباعا للفيت كونغ. بالطبع، هذا ما يحدث في الواقع. في العام الأول للقصف الأمريكي المكثف لفيتنام الجنوبية، زاد عدد المجندين في فيت كونغ بشكل هائل، ثلاث مرات على الأقل.
مع كل هذه الحجج المؤيدة لهذا النوع من العنف، ما زلت أعتقد أن هناك أسبابا جيدة لرفضه. يبدو لي، من القليل الذي نعرفه عن مثل هذه الأمور، أن المجتمع الجديد ينبثق من الإجراءات التي تم اتخاذها من أجل تشكيله، وأن المؤسسات والأيديولوجية التي يطوّرها ليست مستقلة عن تلك الإجراءات؛ في الواقع، قد تكون هي التي لوّنهم، وشكّلتهم بعدة طرق. ويمكن للمرء أن يتوقع أن الأفعال السخيفة والشريرة، بغض النظر عن نواياها، ستؤدي حتما إلى تشويه جودة الغايات التي يتم تحقيقها. الآن، مرة أخرى، هذا جزئيا مجرد مسألة إيمان. لكني أعتقد أن هناك بعض الأدلة على الأقل على أن النتائج الأفضل تأتي من الوسائل الأفضل.
على سبيل المثال، تشير الدراسات التفصيلية لنجاح الفيت الكونغ، كتلك التي أجراها دوغلاس بايك بوضوح تام إلى أن أساس النجاح، الذي كان هائلا، لم يكن الإرهاب الانتقائي، بل التنظيم الفعّال الذي جذب الناس إلى تنظيمات مفيدة، تنظيمات دخلوها بدافع المصلحة الذاتية، والتي سيطروا عليها إلى حد كبير، والتي بدأت تتشابك وتغطي الريف بأكمله. تظهر دراسات أخرى أيضا أن جاذبية برامجهم لفيتنام الريفية هي التي أدّت إلى نجاحات الجبهة الوطنية للتحرير، والتي أدت بحلول عام 1965 إلى انتصارهم. أعتقد أن مسار العمل الجماعي في الصين والاتحاد السوفيتي يمكن أن يكون مفيدا في هذا الصدد أيضا. من الواضح، كما أعتقد، أن التركيز على استخدام الإرهاب والعنف في الصين كان أقل بكثير مما كان عليه في الاتحاد السوفيتي وأن النجاح كان أكبر بكثير في تحقيق مجتمع عادل. وأعتقد أن المثال الأكثر إقناعا -المثال الذي لا يُعرف عنه ما يكفي والذي لا يتم الاهتمام به بشكل كافٍ -هو النجاح الأناركي في إسبانيا عام 1936، والذي كان ناجحا على الأقل لمدة عام أو عامين في تطوير مجتمع جماعي مع المشاركة الجماهيرية ودرجة عالية جدا من المساواة وحتى النجاح الاقتصادي. نجاحاته، التي كانت عظيمة، يمكن أن تُعزى إلى التنظيم والبرنامج، وليس إلى العنف الذي حدث، على ما أعتقد.
يبدو أن هذه الأمثلة تشير إلى وجود علاقة بين غياب الإرهاب ودرجة التنظيم والبرامج الهادفة والعفوية من جهة والنجاح في تحقيق مجتمع عادل من جهة أخرى. هذا نوع من التصوّر اللوكسمبورجي والأناركي، أن المجتمع العادل لا يمكن حقًا أن يُفرض على الجماهير ولكن يجب أن ينشأ من جهودهم العفوية، مسترشدين ببصيرتهم النامية. أعتقد أن هذا مفهوم صحيح وله بعض الدعم من التاريخ الحديث. الحالة الأخيرة التي أود أن أشير إليها هي الحركة المناهضة للحرب في الولايات المتحدة، حيث أعتقد أن حجة اللاعنف ساحقة – لدرجة أنني لا أعتقد أنني بحاجة إلى مناقشتها هنا.
قبل يومين كنت أحاول يائسًا إلى حد ما التفكير في شيء منير قد أقوله حول هذا الموضوع، وقررت العودة إلى بعض مقالات تولستوي عن العصيان المدني. لست متأكدا من أنني وجدت أي شيء عميق جدا هناك، لكنني فوجئت باكتشاف ملاحظة تفاؤل لم أكن أتوقعها، وبما أن هذا كنز نادر هذه الأيام، أود أن أقتبس بعضا من الملاحظات فقط للتخفيف من الكآبة السائدة. لديه مقال مثير للاهتمام كتب عام 1897 بعنوان “بداية النهاية” [ضحك من الجمهور] أشار فيه إلى أنه حتى وقت قريب لم يكن بإمكان البشر تخيّل مجتمع خالٍ من العبودية. وبالمثل، لا يمكن تصور حياة الإنسان بدون حرب.”… لقد مرت مائة عام منذ أول تعبير واضح عن فكرة أن الجنس البشري يمكن أن يعيش بدون نظام العبودية؛ ولم يعد هناك عبودية في الدول المسيحية. ولن تمر مائة عام أخرى بعد التصريح الواضح بفكرة أن الجنس البشري يمكن أن يعيش بدون حرب، قبل أن تتوقف الحروب. من المحتمل جدا أن تبقى أشكال من العنف المسلح، تماما كما بقي العمل المأجور بعد إلغاء العبودية، ولكن على الأقل ستُلغى الحروب والجيوش بشكلها الفظيع والبغيض للعقل والحس الأخلاقي، كما هي الآن.
“العلامات على اقتراب نهاية هذا الزمن كثيرة. هذه العلامات هي مثل الموقف العاجز للحكومات التي تزيد أكثر فأكثر من تسليح نفسها؛ تكاثر الضرائب، وسخط الأمم، والدرجة القصوى من الكفاءة التي تصنع بها الأسلحة الفتاكة، وأنشطة المؤتمرات ومجتمعات السلام؛ ولكن قبل كل شيء رفض الأفراد أداء الخدمة العسكرية. هذا الرفض هو مفتاح حل السؤال”.
نعيش في مجتمع هو الأكثر عدوانية في العالم، ونعيش في ظروف حرية لا مثيل لها تقريبا. لذلك لدينا الفرصة للقضاء على جزء كبير من العنف غير المشروع الذي ابتليت به حياتنا والذي يدمر حياة العديد ممن هم أقل حظًا بكثير. أعتقد أنه ليس لدينا خيار على الإطلاق سوى مواجهة التحدي المتضمن في تنبؤات تولستوي هذه. إذا لم نواجه هذا التحدي، فسنساعد في إحداث حالة مختلفة تماما والتي تنبأ بها أينشتاين، الذي سئل ذات مرة عن رأيه حول طبيعة الحرب العالمية الثالثة وأجاب أنه ليس لديه ما يقوله حول هذا الموضوع ، لكنه كان متأكدًا تمامًا من أن الحرب العالمية الرابعة ستخاض بالهراوات والحجارة.
حنة أرندت: … أتفق تماما مع تأكيد السيد تشومسكي على أن طبيعة المجتمعات الجديدة تتأثر بطبيعة الأفعال التي أدت إلى ظهورها. وتجاربنا مع مثل هذه المجتمعات الجديدة، بالطبع، ليست مشجعة بأي حال من الأحوال. سيكون ضربا من خداع النفس حقا إذا ما نظرنا إليهم بعيون متحمسة، أتعاطف معها ولكني أخشى أنها ببساطة لا ترى الحقيقة. أما بالنسبة لإرهاب الفيتكونغ، فلا يمكننا أن نتفق معه، مثلما لم نقدر على الاتفاق مع إرهاب جيش التحرير الوطني في الجزائر. الأشخاص الذين وافقوا على هذا الإرهاب وكانوا فقط ضد الإرهاب الفرنسي المضاد، بالطبع، كانوا يطبقون معايير مزدوجة…
… لدي انطباع بأن العديد من الأشخاص اليوم -على الأقل عدد من الأشخاص مما يسمى باليسار الجديد- الذين يعارضون تدخل بلدنا في فيتنام (كما أعارضه أنا أيضا) يريدون منا أن نتدخل، فقط لصالح الجانب الآخر. وعلى الرغم من أنني لا أعتقد أن هذا سيكون مروعا مثل ما نقوم به الآن، إلا أنني أعتقد بالتأكيد أنه خاطئ بالفعل…
… المواقف السياسية الأمريكية معروفة في جميع أنحاء العالم بأنها “أخلاقية”. في هذا البلد يبدو أننا غير مدركين لخطورة هذا اللوم. تميل المواقف الأخلاقية في السياسة إلى تقديم مبررات أخلاقية للجرائم، بصرف النظر عن قيادة مشاريع مثالية-زائفة والتي من الواضح أنها تضر بمن يكونوا من المفروض المستفيدين….
رد نعوم تشومسكي على بعض أسئة الحضور، وكان آخر ما قاله: لتلخيص الأمر برمته، إذا كان من الممكن إثبات أن العنف يؤدي إلى الإطاحة بالقمع الدائم للحياة البشرية -والذي يحصل الآن في أجزاء شاسعة من العالم- ، فسيكون ذلك مبررًا للعنف. لكن هذا لم يظهر إطلاقا من وجهة نظري.