مراجعة كتاب مستقبل العقل ل “ميشيو كاكو”

بطاقة فنية عن الكتاب

عنوان الكتاب: مستقبل العقل: الاجتهاد العلمي لفهم العقل وتطويره وتقويته. 

الكاتب: ميشيو كاكو

المترجم: سعد الدين خرفان

العدد: 447 من سلسلة عالم المعرفة

دار النشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 

تاريخ النشر: أبريل 2017 (النسخة المترجمة)، 25 فبراير 2014 (النسخة الاصلية)

عدد الصفحات: 429 ص.

عن الكاتب:

الدكتور ميتشيو كاكو (Michio Kaku) عالم فيزياء نظريَّة، وعالِم مستقبليات، ومتحدث علمي مشهور. وقد استضاف عددًا من البرامج الإذاعية والتلفزيونية خاصة على الـبي بي سي، وقناة ديسكوفري، وقناة هيستوري، وقناة ساينس. (1) جدير بالذكر أيضًا أنه قد شارك في تأسيس نظريَّة حقل الأوتار (فرع من نظريَّة الأوتار)، كما يقوم كاكو بإلقاء المحاضرات. ويعترف العديد من الأشخاص المعتادين على مشاهدة أعماله بفضل الإنترنت في ذلك؛ فهو كثير الظهور على قناة بيغ ثينك (Big Think) على اليوتيوب، كما أنه يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لينقل عالم الفيزياء المعقد إلى العامة بطريقةٍ تعليميَّة وترفيهيَّة. (2) من بين مؤلفاته نذكر: الحيز الفائق، عوالم موازية، فيزياء المستحيل، والكتاب الذي نتناوله في مراجعتنا هاته والذي يحمل عنوان “مستقبل العقل: الاجتهاد العلمي لفهم العقل وتطويره وتقويته.” 

عن المترجم:

سعد الدين خرفان. من مواليد حمص – سورية 1946، حاصل على بكالوريوس شرف في الهندسة الكيميائية من جامعة ليدز 1969، وماجستير في البتروكيمياء من جامعة مانشستر 1970، وكذلك دكتوراة في هندسة المفاعلات من جامعة نيوكاسل 1976.

له عدة مؤلفات في الهندسة الكيميائية والحاسوب والإدارة والبيئة والطاقة، والعديد من البحوث والدراسات في المجلات العلمية المتخصصة.

عن الكتاب:

يعتبر موضوع العقل البشري أكثر المواضيع التي حيرت ولا تزال تحير الإنسان. إنه السر الغامض الذي يسعى العلماء لفهمه وفك طلاسمه. إن  العقل هو “الأعقد في النظام الشمسي” على حسب ميشيو كاكو، مؤلف كتاب “مستقبل العقل: الاجتهاد العلمي لفهم العقل وتطويره وتقويته”، هذا الكتاب الذي تمت ترجمته وصدر عن سلسلة عالم المعرفة في الكويت في أبريل 2017 ‏ (العدد 447) للمترجم الدكتور: سعد الدين خرفان.

استهلّ “كاكو” كتابه الرائع “مستقبل العقل” بتبسيط لتركيب الدماغ، في محاولة للكشف عن أسراره من خلال توضيح وظيفة وأهمية كل جزء منه. ويهدف من هذا التبسيط إلى التأكد من امتلاك القارئ لقاعدة انطلاق في رحلته إلى أغوار العقل البشري واستكشاف أسراره وعمقها.

لطالما شكل الوعي البشري نقطة استفهام، واختلفت التيارات (الفكرية الفلسفية والنفسية) حول تعريفه وكيفية الكشف عنه. فمن الفلاسفة من يدّعي أنّ الوعي لا يمكن تفسيره على الإطلاق لأن الشيء لا يمكنه أن يفسر نفسه (ص. 59). ويقول عالم النفس في جامعة هارفارد ستيفن بينكر: (لا يمكننا رؤية الأشعة  فوق البنفسجية، ولا يمكننا عقلياً تدوير جسم في البعد الرابع، وربما لا يمكننا حل مسائل مثل الإرادة الحرة والقدرة على الإحساس)(ص. 59).

في كتابه هذا، قدم ميشيو مجموعة من الحوادث البيولوجية التي تكون في دماغنا والتي تجعل من الوعي شيئاً ملحوظاً، وبالتالي تجعل منه أمراً بيولوجياً أيضاً وليس عملية ميتافيزيقية روحانية بحتة كما كان يعتقد سابقاً. هذه الحقيقة العملية تعتبر من أكثر الاكتشافات العلمية الرهيبة والتي أبهرت الجميع في المجتمع العلمي والفكري في القرن العشرين والحادي والعشرين. كما يجيب كاكو على السؤال: هل يختلف الوعي الإنساني عن الوعي الحيواني؟ فيخبرنا أنه بالرغم من نقاط التشابه، إلا انّ الوعي الإنساني يتميز بفهمه وإدراكه لفكرة المستقبل، عكس الحيوانات التي تتفاعل مع محيطها بغريزتها. 

 بعدها يأخذنا في رحلة ممتعة لما قد يكون مستقبلاً للعقل وللجنس البشري؛ فيقدم الدكتور مجموعة من الإنجازات العلمية التي توصلت إليها المختبرات، والتي عنت بدراسة الدماغ منذ ثمانينات القرن الماضي. فبفضل المسوحات الدماغية المتطورة جداً التي صممها الفزيائيون، خاصة باستعمال تقنية الرنين المغناطيسي وكذلك آلة التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، تمكن العلماء من تسجيل الذكريات، وقراءة الأفكار، ومن التخاطر عن بعد وتصوير الأحلام والتحريك بالدماغ، كما سهلت فهم الأمراض العقلية من خلال تقسيميها إلى مجموعتين رئيسيتين: اضطرابات عقلية تتعلق بإصابة في الدماغ كالبركنسون والزهايمر، واضطرابات عقلية تنشأ نتيجة ربط غير صحيح ضمن الدماغ كالفصام والصرع (ص. 258). هذا الإنجاز كان في ماض غير بعيد أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع. كما يتوقع كاكو أن تتطور تقنيات المسوحات الدماغية وتتمكن من تقديم نتائج أكثر دقة في المستقبل. 

تناول الدكتور كاكو موضوع الذكاء، وتساءل عن إمكانية تطوير ذكائنا. لفت كاكو إلى نقطة مهمة وهي أن الذكاء يمكن أن يتطور بالتعلم والتدريب. كما انتقد اختبارات IQ  المنتشرة، موضحاً أنها محدودة وتقيس شكلا معيناً من الذكاء مما يلغي الأنواع  الأخرى. وخلص إلى أن هناك نقص في وسائل قياس الذكاء البشري.

قدم كاكو بعض النتائج التي توصل إليها علم الاعصاب، فباستخدام تقنية الرنين المغناطيسي، تمكن العلماء والباحثون من تفحص الدماغ لبعض الأشخاص الأذكياء وتتبع نشاطه. لكن ميشيو أكد على أنه يلزم تكاثف للجهود بين علماء الاعصاب والفيزيائيين والقيام بدراسات وتجارب أكثر حتى يصلوا إلى نتائج مرضية في المستقبل. فمن يدري، قد نصل في المستقبل إلى اختراع “حبة ذكية” يمكنها أن تدفع بقدرتنا الإدراكية إلى أعلى مستوى، وربما سنتمكن من تحميل مخزون عقولنا إلى حاسوب، وإرسال أفكارنا وعواطفنا حول العالم على “شبكة دماغية”، واستخدام عقولنا للتحكم في الحواسب والإنساليات، ومشاركة أحلامنا مع غيرنا وحفظها في ذاكرة وميضية USB، وربما حتى إرسال وعينا ومعارفنا عبر الكون. 

كما كان للذكاء الاصطناعي نصيب من الكتاب، فأشار كاكو إلى تطور الذكاء الاصطناعي والاختلاف بينه وبين تطور الدماغ البشري. كما قدم أمثلة لنجاح الذكاء الاصطناعي “ديب بلو” وتفوقه على بطل العالم في الشطرنج غاري كاسباروف عام 1997 م. لكن بالرغم من الفقزة التي يشهدها الذكاء الاصطناعي، لا يزال محدوداً في قدراته ويفتقد للعواطف والوعي.  

اطلاع ميشيو كاكو المذهل على مختلف العلوم التجريبية (علم الأعصاب والفيزياء وعلم الاحياء والكيمياء) وكذا العلوم الإنسانية (الفلسفة، وعلم النفس، والتاريخ، والأديان) وبراعته فيها ساعده على المزج بينها بطريقة سلسة، اعتمد خلالها على أسلوب سهل ممتنع، يخاطب من خلاله المتخصص وأي شخص محب للعلم والاستكشاف. كان هناك انسجام وسهولة في الربط بين مختلف الفصول، مكنته من تقديم ما توصل إليه العلم بخصوص موضوع العقل و كذا نظرته الثاقبة إلى التطورات التي يتوقع أنها ستكون في المستقبل.

يسافر بنا كتاب “مستقبل العقل” في عالم العلم المدهش، موضحاً أن ما قد يكون اليوم سحراً وخيالاً  قد يكون واقعاً غداً.

كتاب “مستقبل العقل” يعتبر مؤلفاً استثنائياً مثيراً لكل شخص مهتم بالغور في حدود علم أعصاب الدماغ، فهو سيضمن شعوراً بالسعادة والرضا بعد كل فصل تنهيه بالقراءة؛ لبعده عن الجفاف العلمي، وستتشوق أكثر لمعرفة المزيد عن العقل البشري.

سؤالنا الآن: هل ستتحقق توقعات ميشيو كاكو بخصوص مستقبل العقل؟ الأيام والعلم وحدهما كفيلان بالإجابة على هذا السؤال.

 

تدقيق لغوي: آية الشاعر

تعديل الصورة: 

كاتب

الصورة الافتراضية
Rima Outmoune
المقالات: 0