ملخص كتاب الفردوس الأرضي لعبد الوهاب المسيري (ج2)

الجزء الأول من الملخص: هنا

الباب الثالث: الإنسان بين الأشياء والبراءة الأولى:

إنّ لكل فرد بصر وبصيرة، ولما كان هذا الفرد لا يقنع بما يراه بصره فقط (السطحي) ولا يرضى بالواقع كما هو فإنه يحلم، ويجسّد الحلم بالفردوس ذروة كل الحلم، فإذا حلمت بفردوس يتمثل في مرسيدس هنا والآن فهذه هي ذاتك في اقصى اتساع لها ، وإذا حلمت بمجتمع فيه بشر أسوياء فيهم شيء من البراءة الأولى فهذه هي ذاتك أيضاً في لحظة الكشف.

ذهب مالكولم إكس إلى مكة للحج وذهب بودورتز إلى مانهاتن، وحقق كل منهما فردوسه ونوعا من النجاح الذي كان يطمح إليه، فما هو هذا النجاح؟

1- فردوس بودوتز المتشيّء:

1.1- العقد الاجتماعي الأمريكي/الصهيوني:

عرفت الولايات المتحدة وهي أكبر تجمع لليهود بالعالم ما يسمى بالعقد الاجتماعي الأمريكي/اليهودي، الذي مفاده أن الهوية اليهودية للمواطن اليهودي، أمر خاص للغاية يعنيه وحده ويجب أن يمارسه في النزل أو في المعبد ولا حاجة لإظهاره في الحياة العامة.

2.1- تعليم اليهودي الأمريكي:

يعتبر كتاب نورمان بودورتز Making It مثال على تاريخ النجاح الباهر الذي يتصور الكاتب أنه حققه، ولهذا النجاح مدلول شامل في الولايات المتحدة ويرى الكاتب أن سيرته هي محاولة منه لتشخيص المواقف المتباينة بخصوص فكرة النجاح في الحضارة الأمريكية.

3.1- رحلة النجاح:

أن تكون مشهورًا أفضل من أن تكون مغمورًا، أن تكون غنيًا أفضل من أن تكون فقيرًا، وأن تعطي الأوامر أفضل من أن تتلقاها، هذا ما يقتصر عليه النجاح في نظره، الأمر الذي يعني تشيؤه بالكامل. [قصة جزيرة الفردوس]

2- الإسلام كحلم البراءة الأولى في حياة مالكولم اكس:

من الشيء إلى الشيء، كانت رحلة بودورتز الأفقية لكن مالكوم تحرك وتطور بطريقة مغايرة تمامًا، فالإسلام كان يمثل له حلم البراءة الأولى (هذا الحلم الذي يساعد الإنسان على البقاء والاستمرار ضد قساوة العالم) وحلم البراءة هذا ليس مجرد تنظير كالمثل الأعلى في الفلسفات والأدبيات القديمة، بل هو حلم ثوري يبدأ من الواقع وينتهي إليه، ويمكن تحقيقه داخل التاريخ. في النهاية إن مالكولم إكس وتجربته لهي أكبر شاهد على أن الإنسان -برفضه بيع روحه لشيطان المادية والعرقية وبإيمانه بتفوق ما هو ممكن عما هو كائن- يستطيع تحقيق الخلاص.

1.2- الجاهلية.. مرحلة ما قبل الإسلام:

الحضارة الأمريكية تستطيع إرسال رجل إلى الفضاء لكنها لا تستطيع التعامل مع البشرية!

هذا ما استنتجه مالكوم إكس بعدما حولت هذه الحضارة حياته إلى جحيم.

2.2- بشائر البعث أو بزوغ حلم البراءة:

حتى بالنسبة للبلطجية، كان الحلم بالخلاص هو الدافع الأكبر لبقائهم وصمودهم في عالم الدولار المتوحش، وكانت مواعظ والده تمثل دافعًا روحيًا كبيرًا له [القطار الأسود قادم، والأفضل لك أن تجهز نفسك/ العاصفة قادمة لا محالة]

3.2- الإسلام:

وجد مالكولم في أمة الإسلام (أتباع أليجاه محمد) نوعًا من التفوق الأخلاقي، لكنه لم يكن كافياً؛ لأنه كان ببساطة مجرد مقلوب للعنصرية الأمريكية (الإيمان بتفوق الجنس السود)، ومنحته رحلته إلى مكة الكرمة رؤية أفضل، واستطاع أن يستنتج بأن الفكر الأخلاقي في الإسلام لا ينفصل عن الممارسة السياسية وتأثر بذلك كثيرًا وقرر العودة لوطنه حاملا الإسلام كحلم براءته الأولى، وأسس جماعته الخاصة ورفض الانفصالية والحلم بالعودة لأفريقيا، وآمن بأن العودة المطلوبة هي عودة فلسفية حضارية وليس جسدية، وبعد طرده لفكرة أمريكا البيضاء وتمكن المثل الأخلاقية الإسلامية في نفسه اكتشف مالكولم ذاته من جديد وروحة الجميلة الحقيقية، وأكد أن سيرته هي حقاً ترتيلة تمجد الروح الإنسانية التي تستطيع الانتصار.


الباب الرابع: المرأة الأمريكية بين التاريخ والفردوس

1- تمهيد:

الملاحظ أن للمرأة الأمريكية نفس الشكوى من أنها ضحية استغلال من مجتمع الرجال، لكن مع فرق أن تمردها ليس موجها لظروفها الاجتماعية أو وضعها الإنتاجي، إنما تمردها هو ضد وضعها البيولوجي. وككل الثورات، عانت ثورة تحرير المرأة من الفردوسية حرمتها من بُعدها التاريخي وأفقدته من المحتوى والاتجاه والدلالة وهذا نموذج يتكرر بكثرة، فالساخطون على الاستغلال لا يشكلون تنظيماً سياسيًا، إنما يتحولون للمخدرات والحشيش [الإنسان الفاشل/المكتئب].
وانعدام التاريخ في أمريكا يعني انعدام الوعي به، فالوعي بالتاريخ في جوهره هو وعي بالوجود الاجتماعي للإنسان (أي أن يرى الإنسان نفسه جزءاً من كل إنساني يمتد في الماضي) وبافتقاده لهذا الوعي يصبح الإنسان جزءًا من الحاضر وحسب، ويفتقد للمركزية وتصبح ردود أفعاله رهينة بجهازه العصبي وبحاجياته الشخصية فقط.

2- -تحرير المرأة الأمريكية والتاريخ:

يحتاج النظام الرأسمالي إلى عمالة فائضة وسائلة على الدوام، وذلك لأن هذه السيولة من شأنها الضغط على العمال المنتظمين وإبقاء أجورهم في الحد الأدنى كما أنها تساعد على انتقال رؤوس الأموال من استثمار لآخر بسرعة بحيث يستطيع الرأسمالي إيجاد الكثير من العمال بسرعة كبيرة وهذا ما لا توفره “العمالة الكاملة”.
ومن هذا تشكل أكثر من فريق للعمالة الفائضة في أمريكا؛ فنجد الحِرَف والأعمال اليدوية يتكلف بها المهاجرون والسود، والأعمال السكرتارية والخدمات الاجتماعية والإدارية تتكلف بها السيدات، ولهذا القطاع أهمية كبيرة خاصة أثناء الحروب.

وبهذا تكون المرأة الأمريكية أقلية مضطهدة مستغلة اقتصاديًا مثلها مثل كل الأقليات، وتبدأ بالضرورة بالتمرد والمطالبة بالحقوق. وجدير بالذكر أن النظام الإقتصادي لا يقوم بالاضطهاد الجنسي فقط بل يضيف إليه الاضطهاد العنصري، فكما أن الرجال يمثلون الأغلبية التي تمتلك وظائف ذات دخل عال (من وجهة نظر “جنسية”) فإن البيض بشكل عام أيضاً يشكلون 95٪ ممن لهم وظائف ذات دخل كبير (من وجهة نظر عرقية)، وبهذا تكون المرأة السوداء هي أكبر مضطهد في هذا النظام (من جهة كونها امرأة، ومن جهة كونها سوداء).

إن الأسرة الأمريكية هي ترجمة اجتماعية لمحاولة تنشئة الإنسان الرأسمالي الفرد وإنه لمن العبث التساؤل أي الشيئين أنتج الآخر، الواقع الاقتصادي أو السلوك الإنساني؛ لأن العلاقة بينهما جدلية، فإذا كان الإنسان موجوداً بهذه الصورة بسبب وضعه الاقتصادي، فإنه أيضا مسؤول عن إيجاد الوضع الاقتصادي بهذه الصورة، وحاصل كل هذا أن هذا الوضع الأمريكي ساهم بشكل كبير في معاناة المرأة وتفكيك الأسرة، لأن هذه الأخيرة لا تكون ذات قيمة إلا بالنسبة لشخص يؤمن بأن الوجود الإنساني هو وجود جماعي وأن الأسرة هي المكان الذي نتوارث فيه القيم الاجتماعية التي كدّ الإنسان عبر التاريخ في تحصيلها وأنها المكان الذي نكتسب فيه هويتنا الاجتماعية والتاريخية، ولكن أنّى للشخص الرافض للتاريخ، والذي يعتبر النجاح هو تحقيق أقصى حد من اللذة والمنفعة أن يدرك هذه المعاني؟

3- تحرير المرأة الأمريكية والفردوس:

إن تنوع الوجود أمر طبيعي فهناك البيض والسود وهناك الرجل والمرأة… إلخ. كما هناك اختلاف في الأهواء والميولات، وأي رغبة لتوحيد الميولات هي رغبة فردوسية خالصة يستحيل تحقيقها، لكن القبول بالتنوع شيء ومحاولة تصنيفه طبقيًا شيء آخر، وقد أخطأت حركة تحرير المرأة بعدم أخذها لجدلية الواقع الإنساني كحقيقة قائمة واتخذت منحى فردوسياً تخطى حدود التاريخ وإمكانياته؛ وهذا ما قادهم إلى الوقوع في تجريدات مضحكة كاعتبار الإجهاض هو الأصل والولادة أمراً شاذًا، أو كفشلهم في فهم طبيعة الزواج [الذي هو أمر طبيعي بالنسبة لبورجوازيين رأسماليين استهلاكيين يقوم عالمهم على مبدأ “افترس قبل أن تُفترَس”].

وهكذا طُبّق هذا المفهوم على الحب فصار مجرد افتراس ونهم، على أن الحب لا يمكن أن نفهمه إلا إذا آمنا بالإنسان وبقدرتنا على الثقة بالآخرين والاعتماد عليهم.

إن أهم ما تفتقده هذه النقاشات هو فهم الطبيعة البشرية كما ظهرت عبر التاريخ وكما أوجدتها الممارسة الإنسانية؛فالذي آلت إليه الأسرة والمرأة [ظهور مفهوم المرأة المثالية التي تجسد تخلي واستغناء المرأة عن الرجل] هل هو نموذج المرأة الذي توصلنا إليه من خلال ممارستنا التاريخية أم أنه نموذج ميكانيكي ملفق منطقيًا (نموذج بلاستيكي) تم تجريده والوصول إليه من خلال واقع رأسمالي متعفن يرى الإنسان عاجزاً عن الحب وعن التسامي؟

4- النهاية المأساوية- الملهاوية:

من كل ما تقدم يمكن القول بأن المفهوم البورجوازي للطبيعة البشرية هو حجر الأساس في كتابات حركة تحرير المرأة، رغم ثوريتها المعلنة وكان من الحلول التي قدمتها (الفردوس الذي هو جحيم) فكرة العقد الشامل بين الرجل والمرأة متناسين أنهم يتكلمون عن علاقة ذاتٍ واعية بذاتٍ واعية أخرى وليس علاقة ذات بشيء أو شيء بشيء، كأن العقد الشامل يستطيع تغطية كل جوانب الحياة وكأن الحياة تسير بشكل ميكانيكي، فكانوا بهذا مثل البانتاجون الذي قام بحساب فرص فوزه في الفيتنام بالكمبيوتر وتناسى أن الكمبيوتر لا يستطيع الأخذ في الحسبان صلابة الإنسان وإصراره وإيمانه.

تدقيق لغوي: سليم قابة.
مراجعة: عمر دريوش.

كاتب

الصورة الافتراضية
Mehdi Azzeddine
المقالات: 0