الرواية والحشيش

حينما تصبح الرواية مُخدِّرًا!

لا يهم فعلاً كيف أنظم مكونات هذا المقال. جدياً، حينما تكتب عن شيء مثل “الحشيش والرواية” ستتمرد على قوانين المقال، أقصد: مقدمة، عرض، خاتمة.

ولا تهم فعلًا المعلومات وكميتها أو حتى كيفية تنسيقها؛ الرواية والأدب ليست خبراً صحفياً، ولا هي وثائق تاريخية يسردها الإخباريون، وبالطبع لن تكون أديباً إن كنت تكتب روايات من السرد الخبري الجاف.

إنّ الرواية فن شِعريّ في صياغته النثرية. إنّ النشوة التي تأتي  بعد قراءة رواية جميلة هي ما يبحث عنه جُلّ قراء الروايات، والذي ينقد الرواية فهو ينقد الجمال؛ فإنّ من البيان لسحراً، فهل ننقد السحر لأنّه جميل وجذاب لكل القلوب؟!

يسأل أحدهم: ما الفائدة من الرواية وهناك الحقائق؟ وأجيبه أنا: ما الفائدة من الحشيش وهناك الواقع؟!

يرى فوكو أنّ المخدِّرات عموماً هي هروب مؤقت من الواقع -أيّ من الوجود- وخلقُ وجودٍ موازٍ في عقلٍ آخر خيالي، رغم أنه كان من متعاطيها، إلا أنه فعلاً أجاد في وصفها، يعني هي استراحة مؤقتة من الحياة!

يجيبني السائل: ما الجامع بين النقيضين؟

أقول: إنّ المتضادّين قد حملا المعنى الواحد، كلاهما هروب من الواقع. والرواية لوحدها قد تتفوق في نشوة جمالها على بعض الحشيش الردئ، وكما أنّ مِن الروايات هناك الفائزة بجائزة نوبل، فهناك أيضًا الحشيش من الدرجة الأولى والثانية والثالثة!

ثم إنك تتعاطى الحشيش؛ لتنزل من الأنا الإنسانية إلى تلك البهيمية، وأنا أتعاطى الكتب الشعرية والنثرية والروائية؛ لأرتقى من الأنا الحيوانية إلى تجليات الذات الإنسانية.

إننا لا نعرف حقيقة الشخص ذاته من خلال أجوبته، بل من طبيعة أسئلته، قد يكون جوابي إليه مزحة للبعض، ولكنه يناسب فعلاً سؤاله؛ إنّ السؤال عن الفائدة من الشيء الفني والجمالي هو نوع من الضغط اللغوي الذي يحمل في طياته نزعة إيديولوجية براغماتية، والتي هي تُناقِض لحد كبير تلك النشوة الجمالية ذات البعد الوجودي الموجود في الروايات، فهذه الأخيرة -أي الفلسفة المصورة كما أسماها صاحب رواية الغريب ألبير كامو– يتم ولادتها من داخل عقل الفنان الروائي.

وكلّ فنان يجد إلهامه في شيء مختلف عن الأخر؛ ف(دوستويفسكي) وجده في المعاناة، و(بوكوفسكي) وجده في اللا مبالاة، و(بورخيس) وجد مبتغاه في ماضيه، وهذا ما أكده (فرانكلين) في كتابه (الإنسان يبحث عن المعنى)، حينما قال: يجد الإنسان عزاءه في الماضي.

ورغم الراحة التي تجلبها الكتابة الروائية بعد انتهائه منها، إلا أنّ كتابتها أشد إيلاماً روحياً من ألم الولادة البيولوجية، وأقسى على النفس من لكمة مُصارع جاد لا يعرف المزاح. ببساطة؛ لأن الرواية الحقيقية هي الوحيدة التي تُعري كاتبها وجودياً، التطهير هو ما تفعله الكتابات الحقيقية، التطهير والولادة من جديد.

ما يميز البشر فعلاً عن باقي الكائنات الأخرى هو حاجاتهم الجمالية، ولتعرف مدى إنسانيتك اسأل نفسك هذا السؤال: كيف ترى شخصًا فقيرًا يشتري كتاباً غالي الثمن؟! وستجد الجواب في مدمني الحشيش الذين أغلبهم فقراء وفي نفس الوقت يبحثون عن أجود أنواع الحشيش!

وقد قال أحد الأصدقاء يوماً: (إنّ القراءة بالنسبة لي مستوى آخر من التحشيش؛ لا تفعل شيئًا سوى أنها تجعلنا نغيب عن الوعي)!

فإنّ افتخر مدمن الحشيش بمخدراته، فافتخر أنت بكتب (دوستويفسكي) و(بورخيس) و(هيمنغواي) و(ميخائيل)، وكل أنواع المخدرات الفكرية؛ كمخدرات (أغاثا) الإجرامية، وأقراص (محمود درويش) العاطفية!

تدقيق لغوي: آية الشاعر

رأي الكاتب لا يعبر بالضرورة عن سياسة النقطة الزرقاء

كاتب

الصورة الافتراضية
Bilal Morsli
المقالات: 0

اترك ردّاً