مراجعة كتاب “تاريخ مصر والعالم القديم” ليوحنا النقيوسي: أول من كتب عن دخول العرب لمصر.

بطاقة تعريفية بالكتاب:

اسم الكتاب: تاريخ مصر والعالم القديم.

اسم الكاتب: يوحنا النقيوسي.

اسم المحقق: عبد العزيز جمال الدين.

عدد الصفحات: 312.

دار النشر: دار الثقافة الجديدة.

نبذة عن الكاتب:

يوحنا النقيوسي، هو أول من كتب عن دخول العرب لمصر. وقد تولى في عهد البطرك سيمون الأول رقم 42 تدبير أديرة وادي هيب حوالي سنة 694م. وتوفي في بدايات القرن الثامن الميلادي. وكان له دور كبير في مسيرة أحوال الكنسية المصرية الأرثذوكسية في عهد البابا يوحنا الثالث.

عن الكتاب:

يُعدّ الكتاب من أهم المصادر لفترة دخول العرب لمصر وأثرها على الشعر، وبدايات الصدام بين العرب والمصريين، لكن الكتاب لا يمكن أن يكون مصدرًا بمفرده لقراءة تلك الفترة، فهو يؤرخ لفترات طويلة قبل دخول العرب لمصر، ثم فترة دخول العرب وأثرها في جزء بسيط نسبيًا، غير مكتمل الصورة والمعالم، لكن يُعدّ مِن أهم الكتب بجوار كتب ساويرس بن المقفع وكتاب المقريزي.

وترجع أهمية الكتاب أنه أول ما كُتب عن دخول العرب وقد عاصرهم الكاتب، أي إنه شاهد عيان على تلك الفترة. ونحن هنا لسنا بصدد تقديم لنقد لصحة كل ما قيل، لا لصحة كل ما أفنده يوحنا، ولا نقد لطريقة كتابته أو معتقداته الجلية في هذا المخطوط؛ فكلها أشياء تم الرد عليها وتم التعرض لها وتوضيحها من قِبل دارسي التاريخ كثيرًا، وتكفي مقدمة النسخة التي بين أيدينا لتوضح ذلك.

وإنما نحن نعنى بمراجعة الكتاب، وتوضيح أهم ما جاء فيه وأهم النقاط. ويُعد آخر المخطوط؛ أي فترة دخول العرب لمصر هي الأهمية الكبرى له.

يبدأ الكتاب بمقدمة تتوزع في 60 صفحة يوجز فيها المحقق ظروف المخطوطة، وظروف ترجمتها الحبشية والإنجليزية والنسخ المتوفرة من المخطوط الأًصلي، ثم يتناول القيمة التاريخية للمخطوط. ويوضح عبد العزيز جمال الدين بأن يوحنا أغفل كل ما يتعلق بمدة الاحتلال الفارسي، وهذا النقص يبدأ من استيلاء هرقل إلى ما بعد ثلاثين عامًا؛ أي من حوالي سنة “610م حتى سنة 640م“.

ويقوم المحقق بسد تلك الثغرة في مقدمته للكتاب حتى تكتمل الصورة للقارئ، ثم يقدم فقرة أخرى عن أحوال مصر قبل الدخول العربي، ويقارن بين دخول العرب، وبين حملة قمبيز بن قورش -والتى تعد من أسوأ الغزوات لمصر- وبين حملة الإسكندر المقدوني.

ثم يتناول الحديث عن الظروف الاقتصادية، والأحوال الدينية؛ لنفهم طبيعة مصر قبل دخول العرب، وما تشكّل من صِدام بين الطرفين، إذ كان ثمّة معارضات ومواجهات شعبية ضد دخول العرب، كما أوضح طبيعة الضرائب ومدى قسوتها على المصريين. ثم أخيرًا تحدث عن المخطوط وظروف تدقيقه.

يبدأ يوحنا مخطوطته بمقدمة صغيرة ثم يوجز الموضوع في 120 فقرة صغيرة للغاية، ثم خاتمة. يبدأ بالمخلوقات ومسمياتها ثم الكواكب، ثم أبناء نوح، ثم نمرود الجبار، ثم هرمس مثلث العظمة، ويضع المحقق هنا، ملاحظة في قرابة صفحتين أو أكثر، ثم ملحق كامل، يوضح فيه الهرمسية وبداية علم التأويل أو كما يعرف حديثًا بالـهرمانيوطيقا.

يمر يوحنا على عصر الأثينيين وبداية الكتابة اليوناينة، وعصر قورش الفارسي، وحكم البطالمة والملكة كليوباترا، وتاريخ نشأة الرومان، ثم عصر نيرون واضطهاد المسيحيين، وتتضح فيما سبق تلك النقطة معرفة وإلمام يوحنا، ومن تلك النقطة يبدأ يعني بشكل مباشر بعلاقة المسيحيين بالروم والتصادم المستمر معهم، وعلى كل الفترات التي تلت تلك الفترة بمصر، ومدى الصدامات مع الأساقفة أو الولاء لهم، ومدى التصادم مع الأباطرة الرومان، والصراعات على العرش الروماني، والدماء التي أريقت.

ثم يوضح بعض الأحداث الخاصة بمصر، كادِّعاء شخص بعودة النبي موسى، راح يلم أتباعًا له، حتى جعلهم يسقطون في البحر ويغرقون، وغرق معهم مدعيًا أنه سيشق البحر وسيعبر بهم كـالنبي موسى، ومن تبقّى من أتباعه تابوا وتعمدوا، أو كقصة العثور على رداء المسيح.

ويُفند الحديث عن المجمعات المسكونية، ويفند لها عبد العزيز جمال الدين ملحقاً ضخمًا ليوضح ظروف وأهم قرارات وأحداث تلك المجمعات، والتي شكل أغلبها صراعاً حول طبيعة المسيح؛ مما أدى لانقسامات عديدة، ففي مجمع نيقة نجد أن انتهاءه كان برفض الآباء بدعة آريوس، وشهدوا للإيمان المستقيم، واعترفوا بأن المسيح إله حقيقي وليس أحد المخلوقات كما ادّعى آريوس، وأدى هذا الجمع لاعتبار كل أتباع آريوس هراطقة، وقد شهد التاريخ صراعات عديدة بين الطرفين، انتهت بإراقة عشرات الآلاف من دماء أتباع فكر آريوس.

أخيرًا، يأتي بالحديث على دخول العرب، ومسيرتهم حتى دخلوا الإسكندرية وفشلهم لفترة طويلة في دخول حصن بابليون، ودخولهم نقيوس وقتلهم كل من شاهدوه  والاسيتلاء على مدينة قيساريا وقتل العديد من أهلها. ثم دخولهم حصن بابليون من قبل المقوقس.

تفاصيل أخرى عن الكتاب:

-كان هناك رجل اسمه ميناس مُعيّن من قِبل هرقل على الوجه البحري، وكان قاسي القلب يكرهه المصريون، وبعد أن أخذ المسلمون كل البلد، أبقوه على منصبه ليستمر بفرض سيطرته على مصر، وعينوا سينودا على الريف، وعُين فيليكسانوس على مدينة آركاديا، وكان الثلاثة قساة يكرههم المصريون، وكان سبب تعيينهم هو استمرار الاستقرار والسيطرة وإدارة شؤون الحكم في تلك الفترة الانتقالية، من حكم الروم لحكم  العرب، واستمرار القوة في فرض القرارات وجبي الضرائب.

-يتحدث عن تسخير المصريين لحفر قناة موصلة للبحر الأحمر. ثم يتحدث عن إعادة البابا بنيامين الهارب لـ 13 عاما قبل دخول العرب، خاصة ما له من مكانة عند المصريين ليستميلهم، وقد فرض قراراً على العرب بعدم المساس بأي منشأة دينية للمسيحيين أو غيرهم، كما استعان بالمصريين في حرب البلدان الخمس.

-يتضح من مخطوط يوحنا مدى تعصّبه، ومدى انتشار الخرافات وتصديقها، خاصة في القصص التي تتوالى وتُحكى من جيل لآخر، والخرافات تتمثل  في تفسير بعض الظواهر، ويعني ذلك تفسير العديد من النصوص والقصص الدينية بمنطلق نفس الفكر، ومدى سيطرة الدين على العقول، وكيف كان السلاحَ وساحةَ صراعِ الجميع للوصول لغاياتهم.

فمثلًا، حين يموت حاكم فاسد بمرض، فهذا انتقام الله، وحين يحدث زلزال أو ظاهرة طبيعية فهذا انتقام الله، ويستمر تفسير العديد من المظاهر الطبيعية في وقتنا كانتقام الرب أو تأييده لعبده أو خادمه المطيع، أو أن يرى أحدهم المسيح فيذهب لقتل شخص باسمه أو يذهب للانقلاب بمشيئته، أو بأن الرب ناصر هذا الحاكم لذلك يُسخّر له كل الطبيعة وكل الظواهر، ونزول صواعق من السماء ما هي إلا استكمال لذلك.

-يتضح أيضًا مدى التعصب الديني وسهولة القتل، فمن السهل قتل معارض في الرأي بعد اتهامه بالهرطقة، أو قتل أي شخص من الممكن أن يعوض البطريرك أو الحاكم في فرض سلطته أو استيلائه على منصبه، واستخدام بعض الحكام للباباوات لمكانتهم عند المصريين في تنفيذ مشيئتهم، أو استخدام الدين ونصوصه.

-ويوضح الصراع اليهودي والمسيحي والوثني، ومدى التعصب والتشدد الأعمى، والتفرق في الصفوف وعدم وجود وحدة أو شيء يجمع أيّ فريق مع الأخر، واعتبار كل فريق بأن الباقين هم كفرة وأعداء لهم، ومدى توهج الفكر المتشدد، وتشرب أرض مصر بتلك الأفكار من سابق الأزمنة.

-كما يُوضح العديد من التحالفات السياسية باسم الدين، وكيف يمكن السيطرة على الشعب بسهولة، وكيف يمكن بسط النفوذ عليه، ومتى تلين ومتى تُشد العصا عليهم، وبالأحرى أن نقول: إنه طوال الكتاب هناك قصص وأمثلة للحكم الباطش والقوي في فرض سلطته على الشعب، والتي تتكرر عبر العصور مع اختلاف الظروف وبعض العناصر، لكن يبقى الهيكل ثابتًا، حتى في قيام بعض الثورات، أو الاصطدامات من قبل شعوب قرية أو مدينة، ووجود بعض الأشخاص الذين يشعلون تلك الثورات والحركات ويتحركون ضد الحاكم كقواد لها، أو قيام حروب أهلية، أو حراك شعبي جماعي غاضب شديد البسالة والمقاومة، أي حتى الحركات والمقاومات كانت تتشابه عبر العصور والعديد من الفترات في شكلها وبدايتها ونهايتها وطرق إخمادها.

-ترى في أسلوب يوحنا تعصبه بعض الشيء لدينه ولمذهبه على حساب الآخر؛ فهو يعتبر هيباتيا كافرة ساحرة -والتي أوضح التاريخ فيما بعد بأنها عالمة فلك ورياضيات وفيلسوفة- تسحر أتباعها ويوضح طريقة موتها وحرقها، وعلى مدى طول الكتاب راح يتفق مع قتل وحرق من يعتبرهم خارجيين، ولا يعلق بأن طرق القتل والحرق تلك للبشر همجية ويرفضها الله، ولا تتفق مع من يقوم بها باسم الدين، مما يوضح مدى التعصب والحَمِيّة.

-وفي فقرات دخول العرب لمصر، يعتبرهم يوحنا غُزاة همجًا بدواً أتوا من آسيا، ليحتلوا مصر. ويوضح بأن المصريين الذين عاونوا العرب في مصر على الروم أو على دخول مصر هم كفرة خارجيون، ولا يُعدون من المسيحيين لأنهم أعداء الله، ويتضح غضبه العارم من أفعال المسلمين في نقيوس، ويوضح هنا أغلب غضبه وسخطه على العرب وعَمْر بن العاص، لكنه لا يُنكر موقفه المتسامح مع المنشآت الدينية، ولا في إعادة البابا بنيامين، لكنه يتحدث بنبرة ساخطة غاضبة بسبب ما حدث في نقيوس وبسبب زيادة الضرائب، التي أدت لقيام العديد بالدخول في الإسلام لتجنبها قدر الإمكان وسبب ما تشكله من ضغوط.

وفي المجمل يُعد يوحنا رجلًا عاصر تلك الفترة وسجل أحداثًا مهمة، لكنه لا يخفي تحيزاً أو نبرة غضب أو تعصب أو سخط، بل لا يخفى بأنه يتخذ موقفا إنسانيًا مع العقيدة التي يراها سليمة ويؤمن بها، ومع الجانب الأصلح في نظره، ومرة أخرى لا يتخذ أي موقف إنساني تجاه ذلك، ويتضح مدى تعلقه بالشعب ومدى إيمانه ومدى حزنه وغضبه جراء أي تعدٍّ على المصريين المسيحيين خاصة في فترة حياته، مما يوضح العديد من النقاط طوال الكتاب.

وفي النهاية، يُعد المخطوط هامًا -رغم صغره- وثرياً بالأحداث والمعلومات، ويشكل -بجانب كتب أخرى- مصدرًا مهمًا لدخول العرب لمصر، وبداية التصادم بين العرب والمصريين، وما يشكله من قيمة تاريخية واجتماعية وفكرية.

تدقيق لغوي: منال بوخزنة.

كاتب

الصورة الافتراضية
Marwan Mohamed Hamed
المقالات: 0