مراجعة رواية الطنطورية

بطاقة فنية عن الكتاب:

الكتاب: الطنطورية.
الكاتب: رضوى عاشور.
النوع: رواية.
النَّاشر: دار الشروق.
سنة النشر: الطبعة الأولى 2010.

عن الكاتب:

رضوى عاشور (26 مايو 1946 – 30 نوفمبر 2014) قاصة وروائية وناقدة أدبية وأستاذة جامعية مصرية، زوجة الأديب الفلسطيني مريد البرغوثي، ووالدة الشاعر تميم البرغوثي.  أنظر مراجعة روايتها “ثلاثية غرناطة”.

عن الكتاب:

“يا طنطورة بحرك عجايب
يا ريت ينولني من الحب نايب”

مريم تُحرِّف الأغنية، تستبدل الإسكندرية بالطنطورة، وتغني لرقية حتى تنام. ورقية؟ رقية تروي الحكاية، تجلس إلى دفتر كبير، تقول: “الله يسامحك يا حسن، الكتابة ستقتلني” وتكتب، تتقدم في الزمن وتتأخر، تذهب وتعود، تقول لماذا ابتعدت كل ذلك القدر في الأحداث؟ وتعود بنا فجأة من حيث أخذتنا، وتكمل، تلقي الخطابات المكتوبة على لسان الأولاد، تأتي إلى إحدى زوايا الحكاية وتتجاهلنا جميعا، لتخاطب في تلك الزاوية “أمين” على انفراد. هل لخَّصت رقية الحكاية؛ بينما كانت تتقدم في أزمانها وتتأخر؟، حين قالت في مطلع الفصل الثالث عشر:

الانتظار
كلنا يعرف الانتظار. أن تنتظر ساعة، يوما أو يومين، شهرا أو سنة أو ربما سنوات. تقول طالت، ولكنك تنتظر. كم يمكن أن ننتظر؟ حكت لي مريم عن المرأة التي انتظرت زوجها عشرين عاما. قلت لها احكِ لي أكثر. قالت: “هذه حكاية معروفة في الأدب القديم. ذهب الرجل إلى الحرب. ودامت الحرب عشر سنين. وفي طريق عودته ضاع”. من الذي ضاع؟ سألت. قالت اسم الرجل، اسم غريب يصعب تذكره. قالت: “ضاع عشر سنين أخرى، وبقيت زوجته تنتظر. يحوم حولها الرجال، يرغبون فيها ويطلبونها للزواج، وهي تغزل على نولها، تقول حين ينتهي الغزل أقبل بواحد منكم. تغزل على نولها في النهار، وفي الليل تنكث الغزل”. شدتني الحكاية، ولكنني قلت لنفسي إن الحكاية ناقصة، ليس هكذا الانتظار، فهو ملازم للحياة لا بديل لها. تنتظر على محطة القطار، وتركب في الوقت نفسه قطارات تحملك شرقا وغربا وإلى الشمال والجنوب. تخلف أطفالا وتكبرهم، تتعلم وتنتقل إلى الوظيفة، تعشق أو تدفن موتاك، تعيد بناء بيت تهدَّم على رأسك، أو تعمر بيتا جديدا. تأخذك ألف تفصيلة وأنت وهذا هو العجيب، واقف على المحطة تنتظر. ماذا تنتظر؟ مالذي تنتظره رقية على وجه التعيين؟”

ثم تقول:

“ليت مريم هنا لأطلب منها أن تفصل لي أكثر حكاية تلك المرأة التي انتظرت عشرين عاما. بنيلوب. قالت إن اسمها بنيلوب. لا أحد ينكث غزله وإن بدا غير ذلك. لا أحد يتجمد في فعل الانتظار.”

هل لخصت رقية بذلك الحكاية؟ امرأة تنتظر على محطة القطار، وبينما هي تنتظر عاشت حياة بأكملها، ثم جلست ذات يوم إلى دفتر تنقلها إلينا، وظلت تتساءل، ما الذي تنتظره رقية؟ لاجئة فلسطينية، أُخرجت منها لجنوب لبنان بعد مجزرة الطنطورة سنة 1948، لتنتقل لبيروت بعدها، وتعيش فيها حتى سنة 1982 لتشهد مجزرة صبرا وشاتيلا.

تمكث قليلا ثم تعبر الصحراء، وتطير إلى الإسكندرية، لتطفو على ذاكرتها، حكاية عابرة، من آلاف الحكايات الصغيرة التي تمر بنا كل يوم، لتسقط في الزحام، غير أنها طفت، لتقول رجل تجاوز المئة عاد لبلده على حمار. لماذا لا أفعل ذلك اليوم وأنا بعد لم أبلغ السبعين؟ هل تفعل؟

تحكي رقية، ومن وراء رقية، تقبع رضوى عاشور، خلف مكتب، في غرفة، في مصر، تسافر بنا لكل تلك الأماكن، تصف الأحداث، الناس، العادات والتقاليد والأغنيات، بدقة مبهرة، وتجعلنا نؤمن أن رقية قد كتبت الطنطورية، المرأة الفلسطينية اللاجئة والمغتربة طويلا. ترسم رضوى في “الطنطورية” تاريخ البلد، تدمي على الورق، المجازر، وعلى الورق شتات الشباب، حطامهم وأحلام عن القضية، وحسن يقول:

“مطولة يا أمي مطولة”.

تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي

كاتب

الصورة الافتراضية
Manel Boukhezna
المقالات: 0