مراجعة الكتاب الأول من ثلاثية أغوتا كريستوف – الدفتر الكبير.

بطاقة فنية عن الكتاب:

رواية: الدفتر الكبير.
الكاتب: أغوتا كريستوف.
ترجمة: محمد آيت حنّا.
الناشر: منشورات الجمل.

عن الكاتب:

مقال كامل عن أغوتا كريستوف على موقعنا، من هنا.

عن الكتاب:

رواية دون أسماء.

ما عاد في وسعي إطعامُهما.

في بلدة مجريّة على حدود سويسرا تبدأ القصة بهروب امرأة بابنيها التوأم من المدينة التي تتعرّض للقصف والدمار إبّان الحرب العالمية الثانية، لتصل بعد رحلة طويلة لبيت الجدة بعد انقطاع علاقتهما مدة عشر سنوات تقف الأمّ عند منزل الجدة. 

والآن تذكّرتِ أن لديكِ أمًّا. جئتِ تطلبين مساعدتي“، تقول الجدّة لابنتها التي تجيبها: “تعرفين لماذا. فأنا كنتُ أحبّ أبي“، والدُها الذي توفى منذ زمن بعيد.

الجدة: “أَلديهما.. أبٌ؟ لستِ متزوجة، على حدّ علمي. لم يدْعُني أحدٌ الى زفافك”.

تجيب الأم: “أبوهما ذهب الى الجبهة. ولا خبر عنه منذ أشهر ستة”. فيما الصوت الآخر يضحك ويقهقه، “انخرطتْ أمُّنا في النحيب” -يروي التوأمان- ثم “خرجتْ من المنزل رفقة امرأة عجوز، وقالت لنا: هي ذي جدّتكما. ستظلان معها بعض الوقت، إلى حين انتهاء الحرب” التي “واردٌ أن تطول”، تقول الجدّة لابنتها: “سأدفع بهما إلى العمل. الأكل ليس بالمجان هنا أيضا”. بعدما “قبّلتنا (أُمُّنا) وانصرفت باكية، ضحكتْ جدّتنا بصوتٍِ عالٍ، أخرجنا لسانينا استهزاءً بالجدة فضحكتْ بصوت أعلى وهي تضرب على فخذيها.

 الدفتر الكبير.

جئنا من المدينة الكبيرة. كنّا قد سافرنا اللّيل بأكمله. عينا أمي كانتا محمرتين. كانت تحمل صندوقً كرتون كبيرًا، فيما يحملُ كلٌّ منا حقيبة صغيرة تحوي ملابسه، بالإضافة إلى المعجم الكبير، الذي كان ملكًا لأبي، والذي كنا نتبادل حمله كلما تعب أحدُنا ساعده الآخر.

يتعرف الطفلان إلى تفاصيل بيت الجدّة. بداية، حاول التوأمان التمرد على الجدة، جدتهما التي أشيع أنها كانت قد سمّمت زوجها، فيما بعد اكتشفا أن هذا العناد لن يفيدهم في شيء فبدآ بتنفيذ كل طلباتها القاسية وبالتأكيد لم تكن لتتناسب مع قدرة طفلين في سن الخامسة، لكنّهما في الأخير استطاعا بناء علاقة جيدة معها وتعودا على نظامها.

كانت هذه بداية تطبيقهما لسلسلة تمارين غريبة فيقوم الطفلان بتمارين الجوع والوجع والضرب والإهانة والعمى والصمم والتّسوّل، كل هذا في سبيل التعود على القهر والقسوة. هذه كانت خطتهما لمواجهة قسوة الحرب وكل المحيطين بهم.

يعمل التوأمان على تدوين هذه الأحداث والحقائق في ذلك الدفتر الكبير وفقاً لقواعد ومعاني قاما بتحديدها.

سنكتب: نأكل الكثير من البندق، بدَل نحب البندق، لأن الفعل أحب، فعلٌ غير مضبوط، فعل تعوزه الدقة والموضوعية. أن نحب البندق، وأن نحب أمنا، صيغتان لا تنطويان على المعنى نفسه. فالصيغة الأولى تقصد مذاقا رائعا في الفم، بينما تشير الثانية إلى إحساس. الكلمات التي تصف الأحاسيس تظل مبهمة، الأحرى إذن الإعراض عنها، والانصراف إلى وصف الأشياء، ووصف الآدميين ووصف أنفسنا، لنَقُل الانصراف إلى وصف الوقائع وصفا أمينا.

أنا أيضاً جائعة.

كيف تحول التوأمان إلى قاتلين صغيرين؟ المشهد هنا موكب من اليهود الجياع في طريقهم إلى المعسكر، يُسمع صوتٌ ضعيفٌ (خبز..)، تتظاهر الخادمة بتقديم قطعة الخبز ثم تسحبها فوراً وتقول أنا أيضاً جائعة، هذه الخادمة التي اعتنت بطفلين وعملت على إبقائهما في حالة جيدة أخذت ما قررا أنها استحقته كعقاب، التشويه والحرق.

تستمر رحلة الطفلين في القرية ونشهد علاقتها بخطم الأرنب، وهي طفلة تمتهن البغاء مقابل بعض الطعام في ظل مرض أمها، لتصبح هي المسؤولة عن المنزل. الأم التي لم تعد تتحمل المرض وفظاعة ما شهدته من مصير ابنتها تطلب من الطفلين ببساطة حرقها هي وابنتها فيستجيبُ الطٌفلان رحمة بهما وينهيان هذه المأساة بحرق المنزل بمن فيه.

إن الطفلين ضائعان في عالم شنيع، هما أيضا ضحيّتا عصر ممسوخ، لا يعرفان ما يفعلان. يعيشان في قلب الرعب معزولَين عن العالم المنشود، والسماء تمطر قنابل طائشة، يخبُران الإحساس بالعجز لاحقا، حين تنسدّ أبواب المحبة والجمال في وجههما فيضطران إلى التحايل على الطبيعة للبقاء والاستمرار.

بطلا القصة. الطفلان غير المسمّيَين، هما رمز لكل الأطفال الشاهدين على جريمة الحرب، حرب الرجال التي يدفع ثمنها النساء والأطفال. يتفوّقان على الكبار بذكائهما، الطفولة والبراءة، كلها مصطلحات لم تكن في قاموسهما لقد نجحا في البقاء لأنهم كانا شيطانين صغيرين.

في نهاية الرواية يختار الأول الانتقال إلى الجهة الأخرى محمّلا بكنوز الجدة، فيما يظل الآخر في كوخها.

ما سيحدث بعد انفصالهما ستحكي عنه أغوتا في الجزء الثاني “البرهان“.

تدقيق لغوي: سماح قاسم & كرنيف ربيحة.

كاتب

الصورة الافتراضية
Asma Abadlia
المقالات: 0