مراجعة رواية الجوع لـ كنوت هامسون.

بطاقة تعريفية بالكتاب:

الاسم: الجوع.
المؤلف: كنوت هامسون.
المترجم: محمد حسني العرابي.
الناشر: المدى.
عدد الصفحات: 240.
سنة النشر العربية: 1999.
سنة النشر الأصلية: 1890.

نبذة عن الكاتب:

كنوت هامسون: كاتب نرويجي ولد عام 1859، وتحصل على نوبل عام 1920. عاش حياةً قاسيةً، وتنقّل بين العديد من المهن قبل أن يصير كاتبًا مشهورًا، تلك الشهرة التي حققتها أشهر أعماله، وهي الجوع. كان من الداعمين لهتلر، ورأى بأنه قادر على أن يقيم مجتمعًا ألمانيًّا جديدًا. أصيب بنوبات عصبيّة حادّة، وتمّ إدخاله إلى مصحة أمراض عقلية. في السنوات الأخيرة من حياته عاش وحيدًا، وكان يلقى كراهيةً وهجومًا من أهل بلده حتى مات عام 1952.

عن الكتاب: 

الله وحده يعلم إذا كانت جهودي في البحث عن عملٍ ستثمر في يوم من الأيام ولو قليلًا.

تسير الرّواية بمنهج أقرب للسّيرة الذّاتية، فهي تشبه العديد من منعطفات كنوت الحقيقية، فاستخدم فيها ضمير الـ “أنا” كثيرا، ولم يعرب ولا مرّة عن اسم البطل الحقيقي، ليشير للذّاتية لحدٍّ كبير.

الرواية تتحدث عن شخص يعيش في فقر مدقع، لا يملك مأوى ثابتًا فيصبح الشارع مأواه، وغالبا لا يملك ثمنًا للطعام، يسير بملابس رثّة بالية. ضعيف خائر القوى، يترنّح في الحياة محاولًا البقاء. لا نعلم عن حياة البطل السّابقةِ شيئًا ولا نفهم كيف وصل لتلك الدّرجة من الفقر، لكنّنا نعلم بأنّه مثقّفٌ، يجيد الكتابة، يكتب العديد من المقالات ويبيعها نظير بعض الريالات. كان قد أكمل دراسته ولم يمنعه الفقر من ذلك. أي أنّها مسيرة حياة شخصٍ كان في درجةٍ من الأمان ولو فقيرًا ثم وصل لأشدّ درجات الفقر. لا يمكنه أن يجد عملًا لضعف جسده النّاتج عن الجوع، وبالتّالي تزداد معاناته. ولا يجد من يقدّر ما يقدّمه من إنتاج إبداعي بسهولة.

تمثل الروايةُ صرخةً في وجه الأنظمة المادية، إذ توضّح لنا كيف أنَّ تحوُّل العالم نحو المادية بشكل مفرط ألغى كل شيء، كتقدير مشاعر الآخر الذي يسخر منه الجميع مثلا. كيف للنّزعة الماديّة والصّراع الطّبقي أن يهشّم العديد من البشر في منتصف الطريق.

تسطع كل المنازل بالنّور، كل هذه المساكن!

يرينا كنوت نموذجًا لإنسانٍ مثقّف لا يلقي أحدٌ لثقافته بالًا، يملك عزّةَ نفسٍ وأخلاقًا تجعله يعطي آخر أمواله لفقراءَ غيره. لا يجيد السّرقة ولا الأعمال المنحطّة، لا يجيد الانمساخ والتحول لمخادعٍ يجاري البقية. يخطيء ويرتكب العديد من الأفعال السيئة لكنّه يظلّ بأخلاقِه وقيمِه وكرامتِه ضدّ الحياة الموغلة في القسوة.

يفضل  الحرية على السّجن، رغم وجود الطعام والمأوى في السّجن إلّا أنّه لا يطيق أن يقبع في زنزانة مظلمة؛ فالنور هو ما ينعشه ويجعله قادرًا على البقاء. هو رجل يرفض أن يحتال على فقره ووضعه الاقتصادي. وسط كل هذا، يتصارع مع نفسه ومع المجتمع.

يرينا كنوت الجانب المظلم من المدينة؛ أين يسخر العديد منك، ويستنزفونك حتى آخر قطرة دم، فلا قيمة لك عندهم. إن النزعة المادية التي يرينا إياها، هي تلك النزعة التي أفسدت الفن والأدب والإنسانية جمعاء. تلك التي سلبت كلَّ شيءٍ من معناه فلم يعد هناك قيمةٌ سوى للشّكل الخارجي أو النّاتج. أمّا عن العامل أو المواطن فيتم هرسه بسهولة، فلا حاجة لأحد به، وبالتالي لا قيمة كبرى للثقافة أو لا قيمة للفقراء أو من تم هرسهم، ولا توجد سياسة واحدة لإستغلال مهاراتهم.

نعلم أن الجهل منتشر بكثرة وسط الفقراء جدا لعدم قدرتهم على تكاليف التعلم، لكن هنا فقيرٌ متعلّمٌ، مثقّفٌ، صاحبُ مبادئَ قابلةٍ للصّواب والخطأ، وهنا فقيرٌ مميَّزٌ لا يمكن استغلاله أو إعادته لهيكل الحياة. نرى أبشع الحيوات وكيف تهزَأ وتتعاطى مع الجوع الشديد، كيف تنام تحت المطر، وما هو الحب والدين بالنسبة لفقير وكيف يراه. 

بين كل ما هو سيء في المدينة يرينا كنوت بعض سكّانها الطّيّبينن ونجد بأنه حينما يتناول بعض الطعام لم يعد يستريح، ولم يعد جسده يألفه. لكنّنا نرى صمودًا وقوّةً ضدّ العالم وضدّ الوضع المادي لبطلنا. نرى قاع المدن وكيف يمكن التعاطي مع ما يصيب البشرُ به أنفسَهم. وفي النّهاية نرى بعض التّبدل من غضب وقسوة من بعد لين وانهزامية أو ضعف في العديد من الأحيان.

الرواية يمكن أن تعدّ كدراسة نفسية وتصويرية للجوع والعالم والاقتصاد والفقر والشوارع والمساكن والنّفس البشرية.   

تدقيق لغوي: كرنيف ربيحة.

كاتب

الصورة الافتراضية
Marwan Mohamed Hamed
المقالات: 0