هل سيؤدّي بنا التّقدم التكنولوجي إلى التخلّي عن خصوصيّاتنا الرّقمية؟ – حوار مع دان براون

حوار دان براون مع كلير إي. وايت، عن الحصن الرّقمي وبدايات الكتابة

    دان براون، أستاذ اللغة الإنجليزيّة بأكاديمية فيليبس إكستر، ومؤلّف رواية الإثارة « الحصن الرّقمي »، المليئة بالتفاصيل التقنية عن علم التّشفير ومنظمة تجسّس عالمية، يحدّثنا عن روايته، عن هواياته وعن الجدل الحامي الذي ظهر في سطور الرّواية عن مستقبل الخصوصية الشخّصية في مواجهة تهديد الإرهاب الدولي..

– هل سعيت دومًا لأن تصبح كاتبًا؟

– ليس تمامًا. فحين تخرّجت من الجامعة كنتُ شغوفًا بشيئين اثنين: كتابة القصص الخياليّة والتّأليف الموسيقيّ، ثمّ استقررتُ في مدينة هوليوود لفترة وأنا أعمل في مجال تأليف الأغاني. لكنّي لم أحظ بأيّ نجاح ما عدا أغنية واحدة عُرضت في احتفالات أتلانتا الأولمبيّة. وذات صباح، استيقظت وقرّرتُ أن أعود لكتابة قصص الخيال مجدّداً. كان « الحصن الرّقمي » أوّل محاولةٍ لي في كتابة الرّواية. إنّني محظوظٌ للغاية أنّها بيعت، ولا أظنّ أنّني كنتُ سأتحلّى بالصّبر الكافي لأكتب رواية أخرى مثلها !


– هل ساعدتك مهنة التّدريس في مسار الكتابة؟

– بالتّأكيد، فقد سنحت لي الفرصة حينذاك لقراءة الكثير من الأعمال الكلاسيكيّة، التي تضمّ مقاطع متقنة للوصف والأحداث. في الواقع، يبدو لي أنّ مناقشة الكتب في قاعات الدّرس أكسبني ملكة تحليليّة قوية للخيال، وقدرة على دمج مواضيع متشابهة داخل العمل.

ما الذي ألهمك لكتابة « الحصن الرّقمي »؟

– في ربيع عام 1995، قام عنصران من جهاز المخابرات الأمريكيّة، باحتجاز طالبين بالحرم الجامعي فيليبس إكستر، حيث كنتُ أدرّس، بدعوى أنّهما يشكلّان تهديدًا للأمن القوميّ العامّ. وقد تبيّن فيما بعد أنّ الفتى كان في نقاش سياسيّ ساخن مع صديقه عبر البريد الإلكترونيّ في الليّلة السابقة، حين أبدى استيائه من الوضعية السياسية الحالية، وعلّق أنه كان على استعداد لقتل الرّئيس كلينتون. لقد أرادت المنظّمة السرية أن تتأكّد أنهما لم يكونا جادّين حول الأمر. إلا أن الحادث علق بذهني؛ كيف يمكن لجهاز المخابرات أن يعرف ما الذي يتحدّث عنه هؤلاء الشباب في مراسلاتهم الإلكترونية؟ وعندئذ، قمت ببعض البحث عن المصادر التي تحصل منها مثل هذه الأجهزة على معلوماتها، وقد كنت مصدومًا بما وجدته.

   اكتشفت وجود منظّمة استخباراتية بحجم وكالة الاستخبارات الأمريكيّة CIA، لا يعلم بها سوى 2 بالمئة من سكّان الولايات المتحدة الأمريكيّة، تُعرف بـ «وكالة الأمن القوميّ»، وهي مأوى تنصّت وطنيّ. إذ تعمل كمكنسة كهربائية ضخمة، على امتصاص جميع البيانات الاستخباراتية من أنحاء العالم، ومعالجتها لإنتاج موادّ تدميرية. تبحث أجهزة الكمبيوتر الضخمة للوكالة في المراسلات الالكترونية وباقي البيانات على تركيبات لغوية وجمل تحتوي على كلمة “قتل” و”كلينتون” بشكل متقارب.

  وكلّما تعلّمت أكثر عن هذه الوكالة فائقة السّرية، وعن كلّ القضايا الأخلاقية عن الأمن القومي وخصوصيّات المواطنين، أيقنت أنها ستكون خلفيّة ساحرة لأحداث رواية. وكان أن بدأت في كتابة «الحصن الرّقمي».


– كيف قُدت الأبحاث الضّرورية لكتابة مثل هذه الرّواية التقنية؟

– أنا لا أرى « الحصن الرّقمي » رواية تقنية. صحيح أنّها احتوت على عناصر كثيرة لها علاقة بتقنيات التشفير، وبجهاز كمبيوتر ضخم قابع هناك في الظّلام، إلّا أنني أنظر للرواية كأحداث تعقّب وقصّة حبّ على خلفيّة وكالة سرّية آسرة. حسنًا، لقد قرأت الكثير من الكتب عن التّشفير وعن التقنيات المتقدمة المستعملة في وكالة الأمن القوميّ. أصعب جزءٍ في الأمر كله، كان حين توجّب عليّ أن أنتقل من كل هذه التفاصيل التقنية الدقيقة إلى سياق روائيّ سلس لا يعرقل فهم الأحداث. وبعد ذلك، كنت سعيدًا للغاية حين راسلني الكثيرون، قائلين أنّ روايات التّشويق التقنية لم تكن من مفضّلاتهم، إلّا أنّهم أحبوا الكتاب بالفعل بفضل كل العناصر الأخرى. ومع ذلك، فإنني أخشى، أحياناً، أن يعتقد النّاس أنه “كتاب كمبيوتر”، فقط لمجرّد أنه يتحدّث عن التشفير ووكالة الاستخبارات.


  – ولكن، كيف تواصلت مع مصادرك وتقنيّي التّشفير بوكالة الأمن القوميّ السّابقين؟

– حين كنت منهمكاً في البحث عن تقنيات التّشفير وكتابة الحصن الرّقمي، نشرت بعض الأسئلة داخل إحدى مجموعات المناقشة الخاصة بالتشفير على الإنترنت. ثم انتهى بي الأمر أن حظيت بفرصة للمناقشة مع أعضاء سابقين بوكالة الأمن القومي، ولقاء أحد العملاء الموثوقين لدى لجنة السّرية الأمريكية، ورغم أن هؤلاء لم يشاركوا أيّ معلومة سريّة، (ولم يتساهلوا حتّى بالمزاح حيالها)، فقد كانوا لي عونا كبيرًا لفرز الكثير من المعلومات التي رُفعت عنها السّرية بعد صدور قانون حرّية الوصول إلى المعلومات – The Freedom of Information Act.

إلام قادتك هذه الأبحاث؟ وما الذي تعرفه الحكومة فعلًا عن الحياة الخاصّة للمواطنين؟

– تعرف الحكومة عنّا وعن حياتنا أكثر مما يمكن أن نتخيّله. فقد تأسّس الإنترنت، منذ سنوات، على قاعدة « شبكة وكالة مشاريع الأبحاث المتطوّرة – Advanced Research Projects Agency Network – ARPANET »، ولاشكّ أن الحكومة قد دسّت بالفعل ما تحتاجه لمراقبة التدفّق الشّبكي. كما أنها تمتلك أقماراً صناعية تستمع بها إلى محتوى مكالمات الهواتف الخلوية، إضافة إلى كل أنواع أجهزة التنصت الإلكترونية الأخرى. ومع كلّ هذا، فمن المهم ألا ننجرّ نحو الأوهام؛ فمنظمة بحجم وكالة الأمن القومي لا تهتمّ بما يتحدثّ به المواطنون العاديون ممّا لا يدعو للقلق، بقدر اهتمامها بالمكالمات بين الجماعات الإرهابية.

  وبالتّأكيد، فإنّ موضوع العيش في مجتمع أورويلي حيث “يراقبك الأخ الأكبر”، يشكّل موضوع نقاش دسم يعاد طرحه دومًا.

  – ماهي ردّة الفعل التي حصلت عليها بعد نشر الرّواية؟

– كانت ردود الفعل حول الحصن الرّقمي، ممتنّة ومشجّعة للغاية، إذ حصلت الرّواية على فرصة الدخول إلى قوائم أفضل المبيعات، وإمكانية تحويلها إلى فلم سينمائيّ. كما تلقيّت رسائل عديدة من قرّاء متحمّسين، تمكّنوا من الوصول إلى عمق القضيّة الأخلاقيّة المطروحة داخل الرّواية: ما هو حجم الخصوصيّة التي يجب أن نتخلّى عنها، نحنُ المواطنين، للمساهمة في بسط وضمان الأمن القوميّ؟ وقد كانت الوتيرة السّريعة للأحداث، والنّظرة عن كثب لما يحدث داخل وكالة الأمن القوميّ مما استمتع به هؤلاء القرّاء أيضا. مع ذلك، لا زلتُ أتلقّى أحيانًا، رسائل مستاءة من تقنيّين يزعمون أنّ بعض التفاصيل والتقنيات الأداتية المذكورة في الحصن الرّقمي لا يمكن أن تتحقّق أو توجد في الواقع (وإن كانت توجد بالفعل)، وأجد نفسي مضطرّا لأن أعيد إرسال المقالات والصّور التي تؤكّد بحثي وما عرضته في الكتاب.

    – بعيدًا عن جماعة الاستخباراتيين وعشّاق روايات التّجسس، لم يسمع أغلب الأمريكيين عن وكالة الأمن القوميّ من قبل. لماذا؟ وما الذي تقوم به تحديدًا؟

– أنشئت وكالة الأمن القوميّ في السّاعة 12 :01 من صباح اليوم الرّابع من شهر نوفمبر سنة 1952 من طرف الرّئيس ترومان، ولم يذكر أي إشعار بذلك في سجل الكونغرس الأمريكيّ. كانت مهمّتها بسيطة؛ أن تعترض وتفك التّشفير عن المعلومات الاستخباراتية من كلّ الحكومات المعادية على المستوى العالميّ بأكمله. ثمّ أضيفت إليها مهمّة إنشاء وسائل اتصالات آمنة بين الجيش والمسؤولين. بمعنًى آخر، الوكالة هي المكلّفة بتسيير حرب المعلومات، وسرقة أسرار الآخرين بهدف حمايتنا نحن، وذلك ليس بانتهاك واعتراض أكثر الشيفرات سريّة وحسب، بل بإنشاء مثل هذه الشيفرات أيضًا.

   تبلغ ميزانية الوكالة السنوية حاليًا اثني عشر مليار دولار، وتجمع حوالي خمس وعشرين ألف موظّف، إضافة إلى امتلاكها لمخزن أسلحة يمتد على مساحة 86 فداناً ( 348030 متراً مربعاً ) في فورت ميد، بولاية ماريلاند. إنها موطن لأقوى أجهزة الكمبيوتر على الإطلاق، وألمع محلّلي الشيفرات، والرّياضيين والتقنيين. رواية « الحصن الرّقمي » هي حكاية عن محلّلة شيفرات خارقة الذّكاء تعمل بين هذه الأسوار المقدّسة للوكالة.

    – تزعم وكالة الأمن القوميّ، أنّ رصدها للاتصالات الهاتفية والإلكترونية لمواطني الولايات المتحدة ضروريّ لسلامة الأمة ضدّ التهديد الإرهابي، وغيرها من الأعمال الإجرامية. ما مدى صحّة هذا الزعم؟ وإلى أيّ درجة يبدو هذا التّهديد [الإرهابيّ] جادّا؟

– فعلًا، التّهديد خطير للغاية. ففي السّنة الماضية، أعلن مدير مكتب المباحث الفيدرالية أمام مجلس الشيوخ الأمريكيّ أن تنصّت وكالة الأمن القوميّ على اتّصالات المواطنين مكّنهم من إحباط عمليّة إسقاط طائرة تجارية أمريكيّة، هجومٍ صاروخيّ على الأرض الأمريكية، ومحاولة قصفٍ لإحدى السفارات الأمريكيّة. نعم، لابدّ لنا أن نتقبّل أنّ لدينا الكثير من الأعداء، وأنّنا هدفٌ مفتوح للإرهاب.. لكنّنا مع ذلك، نمتلك أدنى معدّلات الهجومات الإرهابية المحلّية الناجحة على أراضينا.

– ما هو أكبر تحدٍّ واجهك عند كتابة « الحصن الرّقمي »؟

– سيبدو هذا تافهًا، لكنّ أصعب جزءٍ كان الاستمرار في كتابة الرّواية رغم أن كلّ شيءٍ بدا فظيعًا. كنت أجبر نفسي أن أعمل لمدّة خمس إلى ثمان ساعات يوميّا على المخطوطة، حتّى حين كنت مستنزفاً ولا طاقة لي للعمل. لكنّني نجحت بالفعل، وأنا ممتنّ أنّني كابدت كلّ ذلك. أعتقد أنّني كتبتُ أكثر من ألف صفحة، لأحصل على هذه الصّفحات الثلاثمئة والخمسين للرّواية.

– سوزان فليتشر، محلّلة شيفرات لامعة وفاتنة بوكالة الأمن القوميّ، ودافيد بيكر، أستاذ بجامعة جورج تاون وخبير لغات أجنبيّة. كيف تمكّنت من خلق هاتين الشّخصيتين؟

– سوزان ودافيد هما مزيج من عناصر شخصيّة في أناسٍ أعرفهم بالفعل، كما أنهما أكثر تميّزا عمّا يكون عليه الأشخاص الحقيقيّون عادةً، وهذا ما انتُقدت بسببه، لكنّها في نهاية الأمر، روايةٌ ممتعة تنشدُ الهرب من الحياة وقيودها، وأنا أستمتع حين أقرأ عن مثل هذه الشّخصيات ذات القدرات الاستثنائيّة كتحليل الشّيفرات، أو تعدّد المهارات اللّغوية. إنّنا نتعامل مع أشخاصٍ حقيقيّين مملّين طول الوقت، فلم لا نقرأ عن آخرين أكثر استثناءً؟

– هل ستدخل سوزان ودافيد مغامرات أخرى لصالح وكالة الأمن القوميّ؟ أمّ أن الرّواية ستبقى قائمةً بذاتها دون أيّ جزءٍ إضافيّ؟

– إلى الآن، سيبقى الحصن الرّقمي على حاله. لقد استغرقتني كتابته ثمانية عشر شهرًا، وحين خططتُ آخر جمله، وجدتني مستعدّا لأتجاوز هذه الشّخصيات. أعتقد أنّ استعمالي لشخصيّات أخرى جديدة سيعينني أن أبني حبكة جديدة في رواية مستقبليّة.

– هل كان من الصّعب نسج عناصر رومانسيّة ضمن مسار الرّواية الأصليّ: الإثارة والتشويق؟

– كلّا، على الإطلاق. ففي النّهاية أعتبر نفسي رومانسيّا حالمًا أكثر من كوني مدمنا لمواضيع التجسّس السّياسي، ولطالما فتنتني حكايات العشّاق الذين تفصلهم عقبات عسيرة، ودفعتني لنسج شخصيات وأحداث أخرى لدفع مجرى الرّواية.

– “من سيحرسُ الحرس؟ – Quis custodiet ipsos custodes?” عبارة لاتينية من أجمل ما ورد على لسان العبقريّ المجنون إينساي تانكادو. حقّا، هل هناك من يراقب الحكومة ليتأكد أنها لا تتسلّل إلى الحياة الخاصة للمواطنين الأمريكان؟

– نعم ولا. إذ هناك الكثير من منظّمات مراقبة الحقوق المدنيّة التي تسعى في هذا الصّدد، وقد أشرت إلى إحداها « مؤسّسة الجبهة الإلكترونية -EFF  Electronic Frontier Foundation » بين أحداث الرّواية. لكنّ مهمّتهم شاقّة حقّا، فوكالات التجسس تحتفظ بسرّيتها وتمتلك من التكنولوجيا المتقدّمة ما يكفي لإخفاء كلّ نيّاتها ودوافعها.

– هل سيؤدّي بنا التّقدم التكنولوجي إلى التخلّي عن خصوصيّة المواطنين؟

– نعم يبدو ذلك، فالمواطنون يتخلّون، دون وعي منهم، عن أسرارهم يوميّا، ومن الواضح أن هذا سيسوء أكثر. لقد أصبح العالم خطرًا، وبما أن الشبكات الإجرامية تمتلك نفس التكنولوجيا التي نملكها نحن، فإنّ أمننا أيضا أصبح مهدّدا. وإذا كنّا نتمنّى أن تتمكّن الأجهزة الأمنية من اعتراض الإرهابيين الذين يتواصلون عبر البريد الإلكتروني أو الهواتف الخلوية، فلا بدّ أن نوفّر لها من الوسائل ما يعين على ذلك؛ كما أنه هناك أشخاص ثاقبوا الذّكاء يعملون بجدّ للوصول إلى صيغة حلّ مرضٍ للجميع، كأنظمة ضمان رئيسية تمكّن المسؤولين من مراقبة الاتصالات بمذكّرة قضائية صادرة من المحكمة. لكن، رغم كلّ هذه الجهود لمحاولة الحفاظ على بعض مظاهر السرية، فإنّ الثّمن الذي سيتوجّب علينا أن ندفعه من أجل الأمن القومي لن يكون أقلّ من تخلٍّ تامٍّ عن خصوصيتنا الرّقمية.

 – هل تنفرد الولايات المتحدة الأمريكية بقضيّة الخصوصية الشخصية هذه، أم أنها تُطرح في دول أخرى؟

– تُطرح مسألة الخصوصيّة كقضيّة ساخنة في كلّ مكان. حاليًّا، يتخوّف الألمان من نظام التجسّس الأوروبي «إيكيلون» الذي أسسّته كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا. في الواقع، هناك الكثير من المعلومات حول التجسس العالمي في الموقع الإلكتروني للرواية لكلّ من هو مهتمّ بمعرفة المزيد عن الموضوع.

– ما نوع النّصائح التي ستقدّمها للكتّاب المبتدئين الذي يأملون بنشر أعمالهم؟

– نصيحةٌ واحدةٌ فحسب: اكتبوا مخطوطات تجاريّة. وهذا لا يعني أن تقتصروا على روايات التجسّس، ففي نهاية المطاف كانت كلٌّ من « في الطّريق إلى ماديسون »1 و« الجبل البارد »2 روايات تجاريّة ناجحة.

– هل يمكن أن توضّح هذا أكثر؟ فلنتكلّم عن الإطار المكاني مثلاً. ماذا يمكن لكاتب مبتدئ أن يضيفه ليضفي بعداً وتشويقا للقصة التي يكتبها؟ ولماذا تعتقد أن هذا مهمّ؟

– سأجيبكِ في نقطتين. أوّلا، أؤمن أنّ اختيار الإطار المناسب خطوة حرجة للغاية. فلو فرضنا أنّك تريدين كتابة قصّة حبّ، لا داعي لأن تجعلي الأحداث تدور داخل موقف للسّيارات. بدلًا من ذلك، اختاري إطاراً متعدّد العناصر، حيث يمكنك التّلاعب بها وجذب الانتباه أكثر. لا أقول أنّكِ مضطرّة لاختيار وكالة الأمن القومي كخلفيّة، لكنّك تستطيعين أن تجعلها داخل مزرعة خيول، وتتحدّثين خلال السّطور عن التفاصيل المعقّدة للاعتناء بالخيول، أو داخل مدرسة خاصّة مع كلّ المهامّ التي يقومون بها هناك. وهنا أنتقل للنّقطة الثّانية: فإذا اخترت أن تكتبي قصّة داخل مدرسةٍ خاصّة، ولم تعملي على إظهار أيّ معلومات وتفاصيل متعلّقة بالدّراسة والتّدريس وطبيعة العمل هناك، فإنّك تقدّمين لقرّائك رواية مملّة.

– حدّثنا أكثر عن الموقع الإلكتروني للحصن الرّقمي.

– حين كنت أواصل أبحاثي من أجل إكمال الرّواية، عثرت على كمٍّ كبير من المعلومات حول وكالة الأمن القومي، الإرهاب الدولي، والمنظمات الاستخباراتية. لم يكن بإمكاني أن أقحم كلّ هذه المعلومات داخل الرّواية دون أن يبدو للقرّاء أن ما كتبته ليس حقيقيّا وأنه مبالغ فيه. ومع ذلك، فقد تلقّيت رسائل إلكترونية يعترض أصحابها قائلين “أنه لا يمكن لوكالة مثل هذه أن توجد وأن تقوم بكل هذه المهام السّرية”، فأجيبهم أن “اذهبوا لتصفح الموقع الإلكتروني وستجدون كلّ شيء هناك، إنها الحقيقة !”.

 ولقد ازدهر الموقع بفضل كلّ المقابلات الإذاعية التي حضرتها، وتلقّيت خلالها أسئلة كثيرة. كنت بعدها، أعمل على إيجاد الجواب وأنشره كمقال مفصّل.

– هل من المهمّ للكاتب أن يستعمل شبكة الانترنت؟

– إن كان ذلك سيساعده فيما يكتب، وما أراه مهمّا حقاً هو أن يستعمل الكتّاب الإنترنت بشكلٍ حكيم ومسؤول، فنصف ما يوجد على الإنترنت هي معلومات مغلوطة، وليس لأنها نُشرت بالفعل في موقع ما فهي صحيحة أو أمينة. في العادة، أحبّ أن أستعمل الإنترنت كوسيلة إلهام، وحين أحصل على الأفكار التي أحتاجها أذهب للتأكد منها من مصادر أخرى خارجية. من المدهش أن نعلم، أنّ بعض الكتب الهامّة نُشرت، ثم ظهرت الحاجة إلى تعديلها بسبب ما احتوته من معلومات خاطئة. ففي النّهاية، يمكن لأيّ شخص يمتلك جهاز كمبيوتر، أن ينشر أيّ شيء على صفحة في الإنترنت ويدّعي أن يعرف بالفعل كلّ شيء عن كلّ شيء.

– ما هو نوع الكتب الذي تفضّل قراءتها؟

– أوه !  أعلم أنه من المفترض أن أبدأ بذكر قائمة تشمل أعظم الكتّاب والمؤلفين الذين ألهموني. لكنني أشعر بالخجل حين أقول أنني انشغلت بالكتابة إلى درجة لم يتسنّ لي الوقت أن أقرأ غير الكتب البحثية حول الموضوع. أحيانًا، وخلال الإجازات، ألتقط إحدى روايات الإثارة الرّائجة من قسم الأكثر مبيعًا. هذا ليس مصدر فخرٍ بالتّأكيد، لكنّها الحقيقة.

– هل تعمل على مشروعٍ حاليًّا؟

– إنّني سعيدٌ للغاية أن حصلت منشورات “سايمون وشوستر” على حقوق نشر روايتيّ القادمتين، لذلك فإنني أعمل حاليّا على رواية تقنيّة أخرى، تجري أحداثها بين سويسرا وروما، حين بدأ صراع العصور الوسطى بين الدّين والعلم يتصاعد…

– أوه، أتطلّع إلى قراءتها ! دان، شكرا جزيلًا لتلبيتك الدّعوة.

– شكرا لكِ كلير، كان ذلك داعيًا لسروري.


الهوامش:

(1): « في الطّريق إلى ماديسون – The bridge of Madison Country » رواية رومانسية لروبرت جايمس والر. نشرت لأوّل مرّة سنة 1992 في الولايات المتحدة، ونجحت في تصدّر قائمة المبيعات.

(2): « الجبل البارد – Cold Mountain » رواية تاريخيةّ ألّفها تشارلز فرايزر سنة 1997، وحصلت على الجائزة الوطنية الأمريكية للرّوايات الخيالية في نفس السّنة.

تدقيق لغوي: محمد عيسى

المصدر: هنا

كاتب

الصورة الافتراضية
BOUSDJIRA Amira
المقالات: 0