مراجعة رواية جهة العربة

تقديم:


جهة العربة هي رواية ايرانية للكاتب مرتضى كربلايي لو، ترجمت للعربية حديثا للمترجم أحمد حيدري، صدرت الترجمة عن منشورات تكوين و دار الرافدين للنشر صمن مجموعة مرايا للأعمال المترجمة.

عن الكاتب:

مرتضى كربلايي لو كاتب ايراني معاصر من أصول تركية، ولد في مدينة تبريز سنة 1977 تحصل على شهادة دكتوراه في الفلسفة، قام بتأليف عدة روايات ومجموعات قصصية ومقالات علمية في مجال الفلسفة، فازت روايته “مفيد آغا” بجائزة أصفان الأدبية، كما وصلت رواية “جهة العربة ” للقائمة الطويلة لجائزة “مهرغان”ونال عدة ترشيحات أخرى في مجال الرواية والقصة .

عن الكتاب:

تبريز المدينة الباردة الشبيهة في مناخها بموسكو والتي تتميز بثقافات مختلفة ومتعددة نظرا للحقب التاريخية التي مرت بها المنطقة. فالثقافة المحلية في مدينة تبريز هي خليط من الحضارة الفارسية والحضارة الاسلامية كونها واحدة من أهم وأكبر المدن الفارسية التي انتشر فيها الاسلام كدين وثقافة وعمران بالاضافة الى كون أغلب سكانها ذوو أصل تركي .

فالكاتب صور لنا من جهة نفسية التبريزي الذي يعيش وسط كل تلك التداخلات الثقافية والدينية في فترة زمنية شديدة الحساسية في ايران قبل قيام الثورة التي أطاحت بالشاه. ومن جهة أخرى حاول أن يُظهر مدى تغلغل الثقافة الروسية في حياة التبريزيين كون المدينة تعتبر بوابة ايران نحو روسيا، فبدى و أن الكاتب يتساءل من خلال روايته ماذا لو كان دكتور جيفاغو( لبوريس باسترناك ) تبريزيا فكيف ستكون قصة حبه في الصقيع دون حرب عالمية ؟ وماذا لو كان أبله دوستوفوسكي تبريزيا فهل سيكون بالجنون ذاته ؟ وماذا عن معطف غوغول؟ خليط من روائع الأدب الروسي بإعادة بعث فارسية جعلت رواية مرتضى تحفة أصلية.

يعيش داوود مع أخيه كاوة في بيت واحد في مدينة تبريز، رغم الاختلاف الكبير بين شخصية كل من داوود وكاوة الا أنهما يجتمعان في الخوف من الحياة العادية، فكل منهما يعيش عزلته داخل قوقعته الخاصة منغمسا كلية في أفكاره وحواراته الداخلية، هذا الانغماس أحدث هوة واسعة بينهما وبين الواقع اللذي يعيشانه.

داوود شاب عشريني مندفع، يفضل أن يبقى حبيسا في القرن الثامن عشر في شوارع موسكو الممتلئة بالعربات المتنقلة بدل أن تحاصره تبريز بثلجها الباهت. أما كاوة ثلاثيني ممتلئ بروح الثورة والتغيير يرى الخلاص في أفكاره وحدها مستنفذا حياته ووقته كله في محاولة ايصال وجهة نظره لمجتمع لا يعبئ به. يتخذ داوود من المسرح متنفسا له ليتقمص الحياة التي أرادها في أدواره على الخشبة، ويلجأ كاوة الى الكتابة في محاولة للهروب من واقعهما.

“تطير الأرواح فوق رؤوس الأحياء البلاد ويجدون فما يتوافق مع مزاج الثورة، يختارونه ويضعون فيه كلمات عتيدة”

يقدم مرتضى الواقع السياسي الذي عاشته البلاد في الفترة التي سبقت الثورة والخوف الذي كان يسكن معارضي النظام الملكي بسبب القمع الذي واجههم بطريقة ساخرة أقرب ماتكون الى الكوميديا السوداء حين أطلق على المكان الوحيد الذي كانت تعرض فيه الأفكار المناهضة للحكم ب “مقهى الحمير”، حيث كان مسموحا الحديث عن كل فكرة ثورية بكل حماسة وعلانية شرط أن تموت فور خروجهم من ذلك المقهى حفاظا على سلامة رقابهم من القطع كما حدث للعديد من المعارضين.

“لا أعلم يبقى الانسان المتدين منتظرا، ينتظر شيئا عظيما يحول كل شيء الى كن فيكون “

ومن جهة أخرى يفكك الحالة الدينية التي يعيشها التبريزي باختلاف اعتقاداته، فيشير في روايته الى التنوع الديني لشخصياته من اللاديني الى المسيحي والمسلم . هذه الاختلافات الكبيرة لم تشكل عائقا في تعايش الناس آنذاك بل على العكس تماما. فمفهوم التدين عند التبريزي كان أقرب ما يكون الى الصوفية المتسامحة والتي تتلخص في العلاقة الروحية بين الانسان وخالقه .

حاول مرتضى في روايته هذه تسليط الضوء على جوانب عديدة في الحياة الاجتماعية ومن أهمها الجانب النفسي والفكري الذي تجسد في صراعات فكرية وحوارات فلسفية شائكة بين شخصيات الرواية والتي كانت في بعض الأحيان معقدة ومن الصعب فهم المعنى من ورائها، لكن ذلك لم يمنع من أن تكون “جهة العربة” نافذة نطل من خلالها على النسيج الاجتماعي الايراني في زمن ما ونفهم مكوناته ونغوص في تفاصيل ثقافته.

تدقيق لغوي: بشرى بوخالفي

كاتب

الصورة الافتراضية
Zineb Attou
المقالات: 0