خمسة أسباب للخروج من منطقة راحتك

يسمونها منطقة الأمان لسبب محدَّد؛ من المؤكد بأنّ هنالك راحةً في امتلاك حياة متوقَّعة بلا أيّ مفاجآت غير سارة، كما توجد راحةٌ أيضا في امتلاك روتين ثابت تتبعه يوما تلو الآخر، سنة تلو الأخرى، بينما تمر عليك مختلف تقلبات الفصول.

الناس الذين يعرفونك لن يتّصلوا بك على السّابعة مساءً لأنهم يعرفون حقَّ المعرفة بأنك جلست للتّوّ لتناول العشاء. كما يعرفون ما الذي يشترونه لك كهدية لعيد ميلادك. لأن تفضيلاتك للملابس وللإكسسوارات أو حتى لبطاقات الهدايا محدَّدةٌ وثابتةٌ تماما. تبيَّن بأن اتّباع المسار”المستقيم والضيق” قد لا يكون ذا فائدة على رفاهيتك. فحتى لو لم تقم بتغيير الروتينات المطمئنة بتاتا، مجرد التفكير في أخذ راحة من نمط الحياة الخاص بك يمكن أن يكون ذا قيمة.

قد ينجذب الناس نحو روتينات ثابتة لعدة أسباب ولكن الأكثر احتمالا له علاقة بالشخصية. نموذج العوامل الخمسة* يقترح بأن جودة “الانفتاح للتجربة” يعتبر واحدا من اللّبنات الأساسية للشخصية، مؤثِّرا على ما إذا كنت على استعداد للتّأمل بأفكار جديدة، اكتشاف فرص جديدة، تجربة خبرات ثقافية جديدة، التشكيك بقيمتك الخاصّة من وقت لآخر أو أخد الوقت الكافي لاكتشاف مشاعرك. على الرغم من أنّ الانفتاح على التجربة هو أحد الأساسيات المنسية لنموذج العوامل الخمسة مقارنة مع العوامل الأخرى كالانطواء/الانفتاح والعصابية، إلا أنه يوجد الآن تزايدٌ للأدلة التي تؤكد على أهميتها في الصحة النفسية الشاملة.

في إحدى الدراسات الحديثة التي أجراها كلٌٌ من “آنا سوي” و”باريك أوسيليبان” بجامعة إيرلندا الوطنية (2019)، عرضت عينة من 77 امرأة تتراوح أعمارهن مابين 18 و 25 عاما لتجربتين؛ ظرفان مختلفان يسبّبان التّوتّر مع مراقبة ضغط الدم ومعدل ضربات القلب. في التجربة الأولى (التوتر الإيجابي)، كان على المشاركات القيام بمهمة غير اعتيادية وهي التحدث بصوت عال قدر الإمكان مقابل عدسة الكاميرا مع قراءة كلمات معروضة لهم على شاشة. في التجربة الثانية (التوتر السلبي)، طُلب منهنّ مشاهدة مقاطع الفيديو المسجلة لهنّ أثناء قيامهنّ بالمهمة السّابقة.

كانت هذه الأبحاث تهدف بالتجربتين إلى كشف كيفية استجابة عضلة القلب والأوعية عندما يكون الإنسان في موقف يجعله متوتّرا. أظهرت النتائج أنّ النساء الأكثر انفتاحا على المشاعر كنَّ أكثر عرضة لإظهار ردود فعل توترية مرتفعه، ولكن فقط في حالة الاضطراب النفسي الحاد. أما في التجربة الثانية (التوتر السلبي) فكانت ردود فعلهنّ إيجابية. بعبارة أخرى، قد يساعدك الاستعداد لاكتشاف مشاعرك على أن تصبح أكثر قدرة على التكيف مع المواقف العصبية.

الانفتاح على التجربة كسِمة شخصية قد يفيد أيضا في إطالة العمر. قام “يانيك ستيفان” وزملاؤه من جامعة مونبيلييه بفرنسا بتحليل معطيات لـِ 10 آلاف شخص بالغ من الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ تمّت متابعتهم لحوالي 8 إلى 20 سنة من حياتهم. أكمل المشاركون مقاييس “عناصر الشخصية الخمسة” إلى جانب مقاييس التقرير الذاتي للنشاط البدني والعمر الشخصي (يتم حسابها بطرح العمر المقيّم ذاتيا من العمر الفعلي والقسمة على العمر الفعلي).

آخر الإحصائيات النّموذجية لدراسة ستيفان وشركائه، أثبتت التأثير الإيجابي للنشاط البدني على العمر الشخصي، من خلال الانفتاح على التجربة. بعبارة أخرى كما استخلص المؤلفون:

يساهم أسلوب الحياة النّشط جسديا في الشّعور بالشّباب، ويرجع ذلك إلى المزايا الشّخصية من جهة والصحية من جهة أخرى لهذا النمط من الحياة.


تظهر دراسات أخرى بأن الانفتاح على التجربة يمكن أن يعزّز إبداعَك أيضا؛ في نموذج “big-two“** للشخصية، حيث تتلاشى العوامل الخمسة لتصبح اثنتين فقط: التكيف (الانفتاح للتجربة والانفتاح/الانطواء) والتوازن (الوعي، الوفاق والعصابية).

كتأكيدٍ لهذا المفهوم؛ أظهرت أنجلينا ساتان وشركاؤها أنه يوجد رابط إيجابي بين الانفتاح والفصاحة اللّفظية، مؤشرٌ آخر للوظائف الإدراكية المتعلقة بالإبداع. ولاحظ أوشين فارتانيان وشركاؤه في أطروحته في الهيئة الكندية للبحوث والتطوير (سنة 2019) بأنّ الأشخاص المنفتحين قد تكون أدمغتهم تحتوي على “المادة الرمادية” (مادة تتواجد داخل القشرة المخية) بشكل أكبر من غيرهم.

يقود هذا البحث مباشرة إلى نموذج انفتاح الذّكاء السّائل المتبلور (OFCI) (زيغلر وشركاؤه، 2018) إذ يقترح هذا النموذج بأن الأشخاص ذوي انفتاح الشّخصية العالي يكون لديهم اهتمامات متنوعة وقدرة محسّنة على تقييم المواقف، نقاط القوة التي تنعكس في درجات أعلى على مقاييس الذكاء لأنها تتطور عبر مرحلة البلوغ.

يقترح هذا النّموذج المزيدَ من الانفتاح الذي يقود إلى المزيد من “فرص التعلم” والتي تحفز بدورها العمليات المعرفية التي تكمن وراء الذكاء. مع أخذ هذه النتائج بعين الاعتبار، إليك الأسباب الخمسة التي تحتاجها لانفتاح شخصيتك الخاصة وروتينك لتمديد منطقة الراحة الخاصة بك، شيئا فشيئا:

  • تحسين صحّتك القلبية: إنّ منح نفسك هذا الدافع العاطفي الإضافي من الرغبة في النظر في مشاعرك في حالات مختلفة يمكن أن يوقظ نظام القلب والأوعية الدموية بما يكفي لتتعلم كيفية التكيف مع الإجهاد الحقيقي .
  • الشعور بالشباب: عندما تكون منفتحا على تجارب جديدة فإنك تنعش منظورك. يعدّ هذا الأمرُ مفيدًا بشكل خاص إذا كنت تتبنّى هذا المنظور في إعادة النظر فيما إذا كان يمكنك الضغط لوقت أطول في ممارسة الرياضة، بدلا من التّمسك بعذرك المجرب والحقيقي بأنك مشغول للغاية (تلميح: معظم الناس ليسوا كذلك).
  • توسيع آفاقك اللّفظية: تظهر الأبحاث التي تسلّط الضّوء على العلاقة بين الطلاقة اللفظية وانفتاح الشخصية قيمة اعتماد نهجٍ مرنٍ عقليا في الحياة.
  • تصبح أكثر إبداعا: يعدّ الشعور “بالتعثر” أحدَ الأسباب الرئيسية لشعور الناس بأنهم قد تمت عرقلة إبداعهم. من خلال الاستعداد للنظر في أفكارٍ وأساليبَ جديدة، يمكنك أن تعتبر نفسك خارج هذا المربع العقلي المقيِّد.
  • تعزيز ذكائك: كما يقترح نموذج OFCI، يستفيد الأشخاص ذوو الانفتاح العالي في شخصيتهم أكثر من خبراتهم، مما يسمح لهم من مضاعفة ذكائهم أكثر من أقرانهم الذين يحبّون منطقة الراحة.

قد تتساءل عن كيفية إجراء هذه التحولات، والآن بعدما عرفت لماذا تستحق القيام بذلك، الجواب هو النّظر إلى انفتاح الشخصية كمهارة قابلة للتعلم. درب نفسك للبحث عن طرق جديدة في عالمك، مشاعرك، وحتى جداولك اليومية العزيزة عن طريق خلع الغمامة المستقيمة والضيقة.

تلخيصا لما سبق، يمكن أن يأتي النجاح في الحياة من مصادر الراحة التي أصبحتَ تحبها، ولكن كما تظهر الأبحاث حول انفتاح الشخصية فإن تمديد منطقة الراحة بعض الشيء يمكن أن يثري حياتك أكثر.

مراجعة: نصر الدين بلبكري.

تدقيق لغوي: كرنيف ربيحة.

المصادر : هنا، هنا، هنا، هنا

(*) عناصر الشخصية الخمسة: في علم نفس الشخصية، نظرية عناصر الشخصية الخمسة هي ما يُعتقد أنها الأبعاد التي تكون شخصية الإنسان على المستوى البديهي. وهي (الإنفتاح للتجربة- الوعي- الانفتاح/الإنطواء- الوفاق- العصابية).
(**) نموذج عنصري الشخصية: هي نظرية لأبعاد شخصية الإنسان، التكيف (الانفتاح للتجربة والانفتاح/الانطواء) والتوازن (الوعي، الوفاق والعصابية).

كاتب

الصورة الافتراضية
Bensidi Ines Fella
المقالات: 0