أفكار إيمانويل كانط

لقد كان من السهل جداً التنبؤ بروتين إيمانويل كانط إلى درجة أن جيرانه كانوا يضبطون ساعاتهم بناءً على موعد نزهته اليومية.

ولد كانط في 1724 في مدينة كونيغسبرغ البروسية (المعروفة الآن بكالينيغراد في روسيا), وقد حصل كانط على تعليم صارم وتربية بروتستانتية محافظة. وفي سن السادسة عشر التحق بالجامعة لدراسة الفلسفة.

لقد عُيّن كانط في سنة 1770 كبروفيسور للمنطق والميتافيزقيا في جامعة كونيغسبرغ, بعد أن قضى وقتاً في العمل كمحاضر ومعلم خاص. لم يتزوج كانط أبداً, ويبدو أنه لم يغادر مسقط رأسه أبداً بعد سنة 1754. لكن من هذه المدينة البروسية الصغيرة, انتشرت أفكاره لتؤثر وإلى يومنا هذا في العلوم، الدين، السياسة والفن.

الإيمان والمعرفة:

قد آمن الناس في فترة حياة كانط أن الله قد خلقنا لكي نفهم العالم بشكل تام وكلي. لكن صعود العلوم الحديثة تحدى هذا الإيمان. لقد جادل كانط في نقد العقل المحض (1781) بأن الطريقة التي يبدو عليها العالم ليست بالضرورة انعكاساً حقيقياً لما هو عليه في الواقع. لقد قال أن عقولنا تصنع صوراً وتصورات للعالم بناءً على ما ندركه عن طريق حواسنا. فـ”المعرفة” ليست مجرد تمثيل للواقع الخارجي: أنها عملية بناء وتكوين لقد كانت هذه الفكرة جديدة ومثيرة للجدل في نفس الوقت، وقد نتج من تضميناتها فكرة، بما أننا لا يمكن أن نختبر الله عن طريق الحواس، لا يمكننا أن نعرف أن الله موجود- يمكننا فقط أن نؤمن بوجوده.

كتاباته تحت الرقابة بسبب آرائه هذه. وفي 1793، هدد الملك البروسي فريدريك فيلهيلم الثاني كانط بالعقاب إذا نشر مجدداً عن الدين. الضرورة الحتمية على الرغم من الرقابة المفروضة عليه، بقي التساؤل حول الإله شيئاً مركزياً في فكر كانط.

لقد تساءل كانط في نقد العقل العملي (1788) عن كيفية معرفتنا لما يجب علينا فعله. فعن طريق الإيمان بالله, يرى كانط أنه يمكننا الوصول لقانون أخلاقي يخبرنا بكيفية القيام بأي شيء. وقد كانت “الضرورة الحتمية” فكرة مركزية في نظرية كانط الأخلاقية: علينا التصرف بطريقة نؤمن بأنها ستكون عادلة لو طبقها جميع البشر مع بعضهم البعض. ربما من السهل فهم هذه الفكرة على أنه نسخة من ” القاعدة الذهبية”: افعل للآخرين ما تحب أن يفعله الآخرون لك.

السمو:

أراد كانط أن يفهم طبيعة العالم, لكنه كان يتساءل كذلك عن الشعور الذي يبثه هذا العالم فينا. يتساءل كانط في نقد ملكة الحكم (1790) عن السبب الذي لأجله يجد الناس الحدائق والمناطق الريفية جميلة, بينما تبث الجبال وسماء الليل نوعاً من الرهبة والخوف نسميها “السمو”.

آمن كانط أننا نعاني الخوف في مواجهة الطبيعة لأنها تذكرنا بقيمتنا ومكانتنا العابرة وعديمة القيمة في الوجود. ألهمت نظرية كانط عن السمو جيلاً من الفنانين ودفعتهم لتقدير وإجلال الغموض في الطبيعة.

العنصرية العلمية:

تعتبر الكثير من أفكار كانط في أيامنا هذه قديمة ومهملة. آمن كانط أن بعض الاختلافات بين البشر هي في الواقع اختلافات فطرية. ادّعى كانط في كتابه “عن الفروق بين الأعراق البشرية” (1775) أن هناك جنس بشري واحد ذو عدة “أعراق” وهذه بدورها تملك صفات وقدرات وراثية مختلفة. لقد ساهمت هذه الأفكار في تأسيس أسس علمية زائفة للعنصرية، والتي استخدمت لتبرير الطغيان الاستعماري والإبادات الجماعية. عن طريق اعتبار المجتمعات الأوربية المثال الأعلى للتطور البشري، ادعى كانط أنه لا يمكن لجميع الأعراق الوصول إلى نفس المستوى من “التحضر أو الحضارة”. هذا الجانب من فكر كانط يكشف لنا كيف أن العنصرية قد كانت متشابكة عبر التاريخ مع مفهوم الحضارة.

عصر التنوير:

لقد كان كانط مثقفاً مشهوراً وقد كتب لفئات واسعة من القراء، فقد انبثق فضاءٌ عام نتيجة ازدياد أعداد الأشخاص المتعلمين والمثقفين, وقد أمكن للناس الانخراط في النقاش العقلاني في هذا الفضاء: عصر التنوير.

لقد استعلمت لفظة “التنوير” في البدء في القرن الثامن عشر في فرنسا، ولكن كانط هو من أعطانا التعريف التقليدي لها. لقد كتب كانط في مقالته “في جواب سؤال: ما هو التنوير؟” (1784)، أن التنوير عبارة عن أشخاص يفكرون لأنفسهم وبحرية- بدلاً من الاعتماد على سلطة ما لتفكر نيابةً عنهم. على الرغم من إيمان كانط بحرية التعبير عن الرأي، إلا أنه لم يكن داعماً للديمقراطية؛ ففي مقالته عن التنوير، مدح كانط النظام الملكي، وقد أدان وبشدة العنف الناتج عن الثورات.

آمن كانط أن الحرية السياسية ستزداد عن طريق عمليات تاريخية تدريجية وليس عن طريق الثورات. لقد تخيل كانط في كتيّبه “السلام الدائم: مخطط فلسفي” (1795)، مستقبلاً مؤمناً عن طريق فيدرالية دولية من الجمهوريات.

التأثير والأهمية:

ما زلنا بعيدين عن مستقبل “السلام الدائم” الذي تخيله كانط، لكن ما يزال لأفكاره تأثيرا ونفوذا على التفكير في التحديات المعاصرة. فما تزال نظريته عن المعرفة حجر الزاوية الذي تقوم عليه العلوم الحديثة. فالعلماء يفهمون أنه عندما يقومون بتصميم نموذج ما، فإنهم يقومون بصناعة تصورات معينة -وليس الشيء الأصلي.

ونظريته عن السمو يمكنها أن تساعدنا في فهم لما يسبب التغيير المناخي هذا النوع من الشعور القوي داخلنا: فهو انعكاس لعملية زوالنا الحتمية. أفكاره عن التنوير أثارت نقاشات عن التربية وحرية التعبير عن الرأي، ويمكن رؤية تصوره للفدرالية الدولية في الأمم المتحدة.

وما يزال العديد من الناشطين والمثقفين يلجؤون لكانط لكي يفهموا جذور بعض من أكثر المفاهيم المغلوطة والمترسخة في فكرنا عن العرق. وختاماً، في هذه الأوقات من العزلة والتقوقع حول الذات، يمكن لأفكار كانط عن “المواطنة العالمية” و”الضيافة العالمية” أن تدفعنا للتفكير بجدية حول السلام، الهجرة، والعلاقات الدولية.  

المقال الأصلي.

تدقيق لغوي: محمد عيسى.


كاتب

الصورة الافتراضية
Sajjad Thaier
المقالات: 0

اترك ردّاً