فيروس كورونا، أزمة مناخية، صراعات: نصنع الميمز لطريقنا نحو “الهاوية”

لو كنت متواجدا بمواقع التواصل الاجتماعي منذ مطلع العام، ربما قد لاحظت مقدار التشاؤم الذي انتشر كالعدوى، فلم تكف السنة الجديدة عن إبهارنا بما لم يكن يتوقعه أشد المتشائمين منا. فبدلا من ظهور سيارات طائرة كما تم تصوره بداية هذا العقد في الأفلام، جاءنا وباء كورونا الجديد COVID19 الذي أصبح مؤخرا جائحة عالمية، ومجموعة كبيرة من الميمز حول الحرب العالمية الجديدة، وعلاوة على كل ذلك قارة تحترق بسبب التغيرات المناخية التي حصلت ولاتزال تحصل نتيجة أفعال الإنسان، كل هذه الأزمات تم تمثيلها بالميمز على مواقع التواصل الاجتماعي.

بشكل مختصر، نحن نفتتح عقدا جديدا مدركين حجم هشاشتنا، ليس كأفراد فقط بل كجنس بشري بأكمله. ومع ذلك، فهذه ليست المرة الأولى التي ندرك فيها هذا. فبحلول منتصف القرن السابق، كانت البشرية قد مرت بحربين عالميتين، حربان أطلقتا العنان لجبروت العلم، وقوته بخلق وسائل أكثر فاعلية لإبادة بعضنا البعض. ذلك التقدم الأشبه بالانجراف السريع نحو إمكانية القضاء على الجنس البشري “نهاية العالم – Apocalypse –” بشكل تراجيدي دفع الفيلسوف الألماني كارل ياسبر في كتابه “مستقبل البشرية”، إلى التساؤل عن كيف يتوجب للبشرية أن تتعامل مع قدرتها على إبادة نفسها.

في إحدى المقابلات التلفزية قال رام إيمانويل -عمدة شيكاغو والرئيس السابق لموظفي البيت الأبيض في عهدة أوباما-: “لن تريد أبدا أن تضيع أزمة جدية هباء، ما أقصده بهذا هو أنها فرصة لفعل أمور كنت ستفكر لاحقا أنك لم تفعلها مسبقا”. وبالنظر فيما حولنا نحن في أزمة وجودية.

حسب رأي ياسبر فإن البشرية في حالة فريدة من نوعها، نحن في عصر تقدم علمي عظيم خاصة بمجال الطاقة النووية الحرارية. ووصفها أنها أشبه بسيناريو جديد غير مألوف بتاتا للبشر بدرايتهم المسبقة لنهايتهم، إضافة إلى أنهم سيكونون واعين للنهاية المحتلمة للوجود بسبب حرب نووية، وأضاف قائلا:

“… إنه لمن الضروري قبل أي شيء آخر، هو أن تفكر، أن تنظر حولك، أن تلاحظ ما يجري، أن تتصور الاحتمالات وعواقب الأحداث والإجراءات، لتستوعب الحالة بشكلها الظاهر الكامل.”

يمكننا فعل ذلك مستخدمين العقل والعقلانية -كما يعترف ياسبر- حتى إن لم يكن بإمكانيتنا “التحليل بعمق وشفافية”، لأن العقل يمدنا بالبصيرة حينما تختبرنا النكبات والأحداث التي يكون الإنسان سببا فيها. ولكن لربما قد يتراود لذهنك أن تسأل، كيف يمكنك أن تثق في العقل إن كان هو الذي منحنا القدرة على إبادة أنفسنا في المقام الأول؟ يقدم  ياسبر عدة ردود أحدها:

أولا، يتم صرف انتباهنا بسهولة. فبدلاً من التعامل مع هذه التساؤلات المهمة جدا، نحن نميل إلى الانشغال باهتمامات أخرى مثل الإزدهار الاقتصادي.

ثانيا، هنالك فرق في طريقة تمييزنا بين “التفكير الذهني” و”التفكير العقلاني”.

التفكير الذهني، وفقا لياسبر، معني بابتكار الأدوات الميكانيكية في وجودنا، حيث نجمع مواردنا “لإنجاز الأمور”. (وهذا يشبه دمج فكرة الفيلسوفة حنة أرندت عن العمالة وجوانب العمل في الحياة، تم تلخيص ذلك في عملها عام 1958 ، “الحالة الإنسانية”). الأنشطة التي تقع تحت التفكير الذهني من الممكن أن تشمل إنتاج الموارد التي تؤمن حياتنا (كالزراعة) وتشييد البنيات التحتية كالطرق والمباني التي تتجاوز أعمارها الافتراضية عمر من شيدها. هذه الأنشطة مهمة في حياتنا بالطبع، ولكن التفكير الذي كان سببا فيها -تفكير في إيجاد سبل للبقاء على قيد الحياة- لا يمكن أن يؤدي إلى إيجاد حلول لإخفاقات الأنشطة الجماعية أو الأزمة المهددة للوجود التي نواجهها الآن.

يصف ياسبر التفكير العقلاني بأنه تفكير يتوجب أن يقوم به الفرد عن طريق الاختيار، إيجاد حلول وتحقيقها، ذلك “يخلق روحا جماعية” (ذلك يتوافق أيضا مع مفهوم آردنت للعمل).

ما نحتاجه في هذا النوع من التفكير العقلاني ليس فقط التفكير كأفراد، بل كذلك أن نتصرف كجماعة في قراراتنا اليومية. الأزمات المناخية المعاصرة قد تكون أحسن مثال على ذلك النوع من خلق للروح الجماعية. هذه الحركة تم تداولها من قبل الأفراد الذين استنتجوا بشكل منفرد على أنه يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة.

“لا يمكن إثبات لا اليأس ولا الثقة بالمعرفة العقلانية. حجج اليأس واستنتاج الحتمية من المعرفة الكلية، قليلة كحال الحجج التي تثق في انتصار الفطرة السليمة. اليأس والثقة حالات مزاجية وليست بصيرة. نسميهم التشاؤم والتفاؤل. لا أحد منهما منفتح للاقتناع، يجد كل منهم حججا لا حصر لها ويغفل الحجج المضادة”. – كارل ياسبر ، 1961.

لم يمدنا ياسبر برد الفعل المناسب الذي كان ليكون أشبه للترياق على إدراك أن تدميرنا الذاتي ليس ممكنا فحسب، بل محتملا.

بدلا عن ذلك، يريد منا أن نمتلك اقتناعا متجذرا لحقيقة أنه إن انتهى العالم -أو اقترب لذلك-، فنحن بحاجة فقط للمشاهدة، التقاط صور سلفي وإدراك من سنلومه. يطلب منا ياسبر أن يتحمل كل منا مسؤولية استخدام تفكيرنا العقلاني ومن ثم التصرف.

مع ذلك، يتضح لنا أنه على الرغم من العدمية والتشاؤم الذي تمثل في الميمز التي تشبعت بها الأنترنت هذه السنة، فإن الناس يستوعبون مدى هشاشة الموقف.

منقول من Asa7be sarcasm society

العدمية تتطلب صدمة اعتقاد قوية، مما يعني أن العدميين بحاجة للبدء بحالة من المثالية يتم تحطيمها بالتجربة. مع ذلك، الإيمان العميق لا يزال جزءا متأصلا بطبيعتهم، وأن تلك المقاربة المستمرة هي ما تغذي استياءهم وردة فعلهم المثالية للعالم المحيط بهم.

نحن نتفاعل مثل المراهقين النمطيين في عصر جاءت فيه القيادة من مراهقين فعليين كغريثا ثونبرغ Greta Thunberg و أوتم بلتير Autumn Peltier . قد تحوي نصائح ياسبر على الحكمة المطلوبة للبالغين لينذمجوا مع مرحلة نضوجنا. لقد اتخدنا الخطوة الأولى من خلال اعترافنا بالمأزق الذي نحن فيه، ولكننا نحتاج إلى الانتقال من تهكم خبير ثقافة الميمز إلى العمل الجاد.

المصدر: هنا ، هنا

تدقيق لغوي: عمر دريوش

كاتب

الصورة الافتراضية
BELBEKRI Nasreddine
المقالات: 0

اترك ردّاً