مراجعة رواية حياة مستقرة

بطاقة تعريفية بالكتاب

اسم الكتاب: حياة مستفرة

اسم الكاتب: عادل عصمت

عدد الصفحات: 163

دار النشر: شرقيات

سنة النشر: 2004

بطاقة تعريفية بالكاتب

عادل عصمت روائي مصري من مواليد 1959، تخرّج من كلية الآداب قسم فلسفة. له العديد من المؤلفات منها مجموعة قصص قصيرة بعنوان “قصاصات”، بالإضافة إلى عدّة روايات منها: “أيام النوافذ الزرقاء” والتي حصلت على جائزة الدولة التشجيعيّة في الرواية عام 2011، و”حكايات يوسف تادرس” الحائزة على جائزة نجيب محفوظ للأدب عام 2016، وكذلك صوت الغراب، حالات ريم، والرجل العاري، والوصايا التي وصلت للقائمة القصيرة للبوكر.

عن الكتاب

رواية حياة مستقرة هي ثالت أعمال الكاتب الكبير عادل عصمت، تدور حول عائلةٍ تتكون من الراوي وحسام ونورا. حسام الذي يعود من الحرب ببيّادة صديقه الذي توفي، وهو الذي أجبر وقتها على جمع أشلائه بيديه. والأم التي يحوم شبحها حول المكان وفي الأحداث حتّى بعد وفاتها، لكن يظل وجودها راسخاً. ونورا الأخت التي تشكل الرّعاية لحسام، والتي تقوم بالبحث عنه طوال الوقت، والراوي الذي تتشكل حكايته بحكايات الآخرين بجانب حكايته هو، الذي فقد أحلامه وخسرها وعاد من العراق بسبب الخوف من الحرب وبسبب خبر مرض أبيه، ليعيش حياة طبيعيّة مملوءة بالهزائم، ويطارد شبح علياء حب الجامعة وأول علاقة، وماجدة الفتاة التي قلبت حياته رأساً على عقب وزوجته التي تبدو وكأن الحياة بينه وبينها فاترة، عادية وخالية من أي شيء زواج روتيني ممل.

” كنت بالم أشلاء صاحبي ، كل ما ألمها تقع مني ، وتطلع مرة تانية. ارفع إيده من على الأرض ، تكون معايا على دراعي ، أبص ألقاها مغروسة في الرمل ونصفها مفرود قدامي ” 

هذه الرّواية تتحدّث عن مسيرة حياة أفراد عاديين، شخصياتٌ تعيش على هامش الحياة، وفي تلك الشخصيات تكمن براعة الكاتب عادل في قدرته على خلق رواية عظيمة، فهو يلقي الضوء على الهامش وعلى الأحداث العاديّة، فلديه قدرة أن يجعل مجرد بيّادة بطلاً حقيقيّاً يلقي بظله على الأحداث ويجعل من مجرد بيت شيئا راسخا يجمع الجميع، وببيعه ينتهي كل شيء، يجعل البيت رمزاً يحمل العديد من المعاني ويجعل وجوده قوياً.

استطاع وصف نعل جزمة مهترئ، وكيف يمكن من خلال قصّة الرّاوي مع نعله المهترئ أن نلحظ حكايةً جميلة تصف معاناة الرّاوي وهو صغير ثم معاناة طفولته وبالتّالي ينعكس ظل تلك المعاناة عليه وعلى حياته كلّها حين يكبر. ذلك البيت الذي كانوا يعيشون فيه جما في تقشف، وما موقفهم حين يقررون بيعه، وكيف يلتقي الماضي وشقاؤه مع أحلام الحاضر البسيطة فيجد حسام رغبةً في بدء حياة جديدة، ويجد الرّاوي رغبةً في شراء تاكسي، أمّا نورا فتبكي في استسلامٍ فقدان بيتها حين انتزع منها لأنّه هو الذي كان يجمعهم.

الرّواية تنقسم لثلاث فصول، ويتم تقديم الشخصيات بنحوٍ متمكن في نقلاتٍ بارعة وإحكام جيّد في السرد. يعطينا عادل عصمت رواية عن حياة مستقرةٍ ظاهرياً، لكن لا شيء مستقر تحت وعائها فيمكن لقشة أن تقسم تلك الحياة وتُحيلها لارتباكٍ دائم. الأحداث البسيطة في أيّ عائلة يمكن وصفها هنا وجعلها أحداثاً عظيمةً قادرة على نقل الشعور والأفكار. الرّاوي الذي يطارد بيّادة بحثًا عن أخيه وهي بدورها تطارده، ثم التقاؤه بماجدة، والفضيحة التي تسببت في اهتزاز حياته مع زوجته، وكيف كانت ماجدة تضفي معنى لحياته المملوءة بالهزائم. حسام الشخص الذي لا يريد الزواج ولا العمل، والذي سرق أمّه التي ماتت بحسرتها واختفى ليقع في مشاكل الحياة، ثم يدرك أنّه وحيد ضعيف حتّى يجد طوق النّجاة كما وجده يونس في بطن الحوت. الحكاية لكل شخص من منظور تختلف بعد مرور الوقت، فنجد بأنّ حسام والرّاوي يتبادلون الغضب والكره، غضبٌ نابع من الطفولة ومن معاملتهم لبعض ومعاملة الأب لهم، لكنّ ذلك يذوب في النّهاية.

الحياة غير مستقرة لأي شخص باطنياً، حتّى ماجدة بقصصها وتكوينها الفريد. الحياة تحوي هزائماً ومراراتٍ، ومن خلال تلك الحكايات البسيطة يتمكن الكاتب من تحليل شخصيات روايته نفسياً وفلسفياً بقدرةٍ بليغة. قدرةٌ تجعل من تلك الأحداث الصغيرة علامات لحياةٍ هامشيةٍ للعديد من النّاس وتحليل ألمهم وفرحهم. القدرة على الدخول لأعماق الشخصيات وأعماق المجتمع المصري من خلال حكاياتٍ بسيطة. حكايات شخصيات على الهامش ومن خلالها لأعماق البيوت وأعماق الحياة المصريّة الحقيقيّة، تلك التي يعيشها الملايين. إنّ أغلب المصريين حياتهم عاديّة يذهبون للعمل ثم للبيت وتنتهي الحياة، وفي المنتصف خلافات بسيطة، لقاءات وكوب شاي تكمن في تقليبه العودة أو الترميز لوجود الحياة كما حدث في الرّواية، من هنا استطاع عادل عصمت نقل حالةٍ نفسيةٍ فريدة يصعب وصفها.

في مشروع عادل عصمت في جميع رواياته، كانت قدرته على السرد والدخول للأعماق النفسيّة مختلفة. رواياته هادئة وحياة أبطالها مهما تعقدت هادئة، كل رواية لها زاوية، وهنا في “حياة مستقرة” تشعر بأنّها نبعٌ لرواياته التّالية. تجد فيها باكورة فلسفته ونظرته للحياة، حتى النظرات الجانبية التي تطورت في الوصايا وحكايات يوسف تاردس مثلًا.

” وبدا لي من ذلك الوقت أنني خسرت كل شيء، في أعماقي كانت حريتي مقرونة بأن أنفذ حلمي ، ولكوني لم أستطع تنفيذه، فما كان على سوى الرضوخ “

في تلك الرّواية نجد الأمل والفشل في الحياة اليومية، وكيف يتعزّى الناس منه. كيف يمكن فقدان الشغف ومعنى كل شيء في الحياة، واسترجاعه بمجرد علاقةٍ عاطفيّة أو حلم بسيط تفجّر فجأة.

نجد ماجدة تلك السيدة التي تخبّطت بين التّدين والعلم والأهل، والتي بحثت عن عمل هادئ في مكتبةٍ لتعيش في هدوء واستقرار، كانت تريد الهدوء ومجرّد شخص تحكي له حكاياتها وفقط. فينهار كل شيء بحادث عبثي، وينتهي بزواجها من رجل غني لتتغيّر شخصيتها لسيدة تبحث عن ابن من صلبها من زوج ضعيف جنسيًا.

ينتصر عادل عصمت لكل تلك الحكايات ويبعث لنا شعور الأمل والفقد، الحب والكره، ويرينا الحياة المستقرة ظاهريًا للأغلبيّة، والتي يمكن هزّها وتفجيرها بحادثٍ عابرٍ بسيط أو ذكرى قديمة قد تبدو عادية، لكن وقعها جلي. وكيف يمكن أن تستقر بشيء بسيط أيضاً، وتكمن بساطة تلك الأحداث التي تحرّك المياه الرّاكدة في بساطة أهلها، فلا أحد منهم غني للغاية، ولا أحد معدم لدرجة الموت، ولا أحد منهم يشغل منصبًا قويّاً، أو يعيش حياةً مِلؤها العظمة والثراء، أو حياةً خطيرةً يمكن أن تلهث وراءها، بل هي حكايات بسيطة منسوجة ببراعة وهدوء ونفس محبٍ يشكل لنا رواية قادرةً على نقل روح وطاقة الحب ببساطة وفي كم قليل من الكلمات.

في تلك الرّواية تُشكل  الحكايات مسيرة الرّاوي ومسيرة الجميع، أولئك الذين يسيرون في طريقهم للحفاظ على حياتهم وصيانة تعاستهم، وربّما فرحهم أيضًا!

تدقيق لغوي: ميادة بوسيف

كاتب

الصورة الافتراضية
Marwan Mohamed Hamed
المقالات: 4

اترك ردّاً