رجل خفيّ: قصة شخص رفض المجتمع رؤيته.

بطاقة فنية للكتاب:

اسم الكتاب: رجل خفي – Invisible Man.
اسم الكاتب:  رالف إيلسون – Ralph Ellison.
عدد الصفحات: 581.
نوع الكتاب: رواية.
سنة النشر: 1952.
 

عن الكاتب:

كان رالف والدو إيلسون(1914-1994) روائيّاً أمريكياً من أصول إفريقيّة، وقد اشتهر بعد روايته “رجل خفي-Invisible Man” التي فازت بالجائزة الوطنية للكتاب عند صدورها. كتب إيلسون العديد من الرّوايات بالإضافة للمقالات الأدبيّة والسياسيّة والاجتماعيّة.

عن الرّواية:

” لكي أساعدك فإنّ عليّ أن أدمّر أوهامك.”

من الصعب الكتابة عن هذه الرواية، فهي تقدّم قصة غير مألوفة ولا يسهل شرحها. وقبل التكلم عنها سأتكلم قليلاً عن القصص المألوفة ولما من الصعب تصنيف هذه القصة:

هناك مليارات القصص والأنماط القصصيّة في الخارج، فكل شخص يملك قصته الخاصّة وكل قصة تملك فرادتها وذاتها الخاصّة، ولكن هناك نمطان متعاكسان يظهران غالباً بشكل متضاد عادة ولهما علاقةٌ قويّة بهذه الرواية.  إنّ هذان النمطان هما:  نمط البحث عن الذات، ونمط التّغيير الاجتماعي أو السياسي.

وهما نوعاً ما متعاكسان في العادة لأنّ الشخصيّة الرئيسيّة في قصة البحث عن الذات تميل إلى أن تكون ضائعةً أو في حيرة من أمرها، وتسير في الرّواية بحثاً عن هدفها الموعود الذي قد تجده أو لاتجده، وعادةً تسير هذه القصّة في خلفية نوع من الاستقرار السياسي والاجتماعي وحتّى لو كان هنالك نوع من الاضطرابات في محيط البطل فهي تحدث في الخلفية وتؤثر عليه بشكل طفيف، وحتى قد يكون هو سبباً في بعض هذه الاضطرابات ولكنّها تبقى اضطرابات ثانوية فالقصة تتركز على البطل وعلى مهمته في إيجاد ذاته.

ركضت خلال الظلام،  ركضت إلى داخل ذاتي، ركضت.

أمّا  قصة التّغيير الاجتماعي والسياسي فهي على العكس من ذلك، عادةً ما تكون مع شخصيات واثقة وقويّة، تعرف ما تريد بالضبط وتسعى لتحقيق أهدافها وربّما تتغير آراؤها قليلاً في سياق مرور الأحداث. وبذلك فالبطل يتقدّم ولكن التركيز لا يقع على ذاته بل على التّأثير الذي يلقيه في الخارج وما يتركه من أثرٍ خلفه.

إنّ هذه القصة فريدةٌ من نوعها، لأنّ البطل ليس في سياق البحث عن الذات ولا يسعى للقيام بأي تغيير اجتماعي، فكل ما يريده هو أن يتخرج لكي يصبح مدرساً بسيطاً، فهو نوعاً ما يعرف ما يريده بالضبط. ولكنّه يُدفع قسراً في رحلة البحث عن الذات لكي يكون مركزاً للاضطرابات الاجتماعيّة والسياسيّة وفي رحلته هذه يكتشف مدى تفاهة هذا الكائن الذي يكونوه هو.

تبدأ القصة بهذا الاقتباس:

“رجل خفي، هذا ما أنا عليه. لا، لست شبحاً مثل تلك التي  طاردت أدغار آلن بو(*)، لا، لست مخلوقا من مخلوقات هوليوود  الإكتوبلازميّة.  أنا كيان ولي مادة، لي لحم وعظم، لي ألياف وسوائل، وحتّى أنّ البعض يقول أنّي قد أملك عقل. كما ترى، أنا خفي، ببساطة لأنّ البشر يرفضون رؤيتي. أنا أشبه الرؤوس الطافية التي تراها في عروض السيرك الصغيرة، إنّ الأمر كما لو أنّي محاط بمرايا  مصنوعة من زجاج سيرك قاسي. فعندما يقتربون منّي يرون فقط محيطي وأنفسهم أو أشكال خياليّة من صنع مخيلتهم، إنّهم بالفعل، يرون أي شيء وكل شيء ما عداي أنا.”

فقط لكي يؤكّد لنا الرّاوي وهو البطل أنّ هذه ليس رواية خيال علمي بل هي قصة صراع فرد مع المجتمع.

تدور القصّة في منتصف القرن الماضي بلسان بطلها الذي لا يُذكر اسمه طوال الرّواية. يروي هذا الشاب كيف كان طالباً في جامعة مخصّصة للسود في جنوب الولايات المتّحدة، وكيف كانت أقصى أمانيه هو أن يتخرج لأن يصبح مدرساً.

أنا لم أدخل عالم الموسيقى فقط، ولكنّي كدانتي  هويت في أعماقها.

ولكن بعد زيارة أحد المتبرعين البيض وسلسلة طويلة من الأحداث المؤسفة يتم تقرير طرد الشاب من الجامعة بسبب أحداث لم تكن له يدٌ بها. ولكن عميد الجامعة الأسود يخبره أنّ يذهب إلى نيويورك ويعمل هناك لسنة أو حولها وبعدها يعود للجامعة، وليس هذا فقط بل سيمنحه العميد بعض رسائل التّوصية لكي يجد عملاً يناسبه في هذا المدينة الجديدة.

 يصل البطل نيويورك، ولكنّه لا يحصل على أيّ عمل، ويُفاجأ بأنّه يعامل هناك من قبل الجميع كما لو أنّه حشرة، فالشرطة لا تحترمه وأصحاب المؤسسات يرتابون منه وكل شيء غريب بالنسبة له. وبالخصوص مع أسلوبه الساذج الشبيه بالطفل، فهو لم يزر مدينة عملاقةً من قبل ولا يعرف كيف يعيش إخوانه السود في الحقيقة. فطوال حياته قد كان يعيش في مجتمعه الصغير المألوف بالنسبة له. وفي النهاية يتجرأ ويفتح إحدى رسائل التوصية ليجد فيها:

“لمن يهمه الأمر” رتلت مع نفسي. ” ابقوا هذا الفتى الزنجي يركض.”

وهكذا تنقلب حياته رأساً على عقب ولا يفهم سبب خيانة مدير المدرسة له.  ويبدأ برؤية الأشياء بوجهٍ مختلف فيلاحظ العنصريّة، والحياة الذليلة التي كان يعيشها في الجامعة مستجدياً البركة من المتبرعين البيض، وحقيقة أنّ الطريق الوحيد للأسود للنجاح في هذا العالم _هذا إن كان يمكنه أن ينجح أصلاً_ هي أن يستجدي نجاحه من الرجل الأبيض.  فالأسود ينجح عندما يخبره الأبيض أنّه قد نجح، لذلك عليه دائماً أن يرضي الرجل الأبيض.

أغبى نغل أسود في حقول القطن يعرف أنّ الطريقة الوحيدة لإرضاء رجل أبيض هي أن تخبره كذبة.

 بعد ذلك يتورط البطل مع منظمات حقوق السود، ويقابل مختلف أنواع المدافعين عن حقوق السود ولكل واحد منهم منهجه الخاص في تمكين السود والمطالبة بحقوقهم من الخطب، والمسيرات السلمية وحتّى العنف المسلح، من التّماهي مع ثقافة البيض وتملقهم، وحتّى احتقار ثقافة الرجل الأبيض والعودة إلى الجذور الإفريقيّة، واستذكار إرثهم الذي تم إبعادهم عنه قسراً لكي يكدحوا في أمريكا قبل عدّة قرون.

قل ما تريد الجموع سماعه، ولكن قلها بطريقة تجعلهم يفعلون ما نريد نحن.

إنّ القصّة ليست قصة صراع سياسي اجتماعي بالمعنى المعتاد. فللبطل وبشكل يثير استغرابه تأثيرٌ يفوق الوصف. فكل ما يفعله وحتّى من دون قصد يتحول إلى مسألةٍ اجتماعيّّة عملاقة. فأغلب الحركات التي سببها والحوادث التي غيّرت المجتمع لم تكن بإرادته، فهو كان يقول كلمة أو يقوم بعملٍ بسيط، وفجأة يجد أنّه أصبح مركز الحدث وجميع الأعين تتجه إليه هو، وعليه الآن أن يجد طريقة لحل المعضلة التي لا يعلم عنها أي شيء.

“ماذا لو لم يكن التّاريخ رجلاً متزناً، بل كان معتوهاً ماكراً مصاباً بجنون العظمة وهؤلاء الفتية هم عملاؤه، مفاجأته! انتقامه الشخصي.

البطل في هذه القصّة يسير باحثاً عن ذاته، وفي أثناء ذلك يعيد قولبة المجتمع بشكل لا إرداي كما لو أنّ المجتمع كله يمرّ من خلاله، وينحرف بمقدار معين كلّما تغير شيء داخله. فهو كالمرآة التي تعكس المجتمع، وكلّما تغير شيء داخله زادت المرآة من تحدّبها، فيخرج الضوء مختلفاً وتتغيّر الصورة المنعكسة عنه. وهكذا كلّما تغيّر البطل تغيّر المجتمع.

ما هو شعور أن تكون حراً من الوهم…

وقد أجبت الآن،”ألمٌ وفراغ”

أمّا الآن فقد عاد الضوء للتسلط على هذه الرواية مع المظاهرات الأمريكيّة المطالبة بالعدالة للسود، وبالخصوص أنّ هناك كثيراً من المشاهد الاجتماعيّة المطابقة تماماً لما يحدث الآن فحتّى موت إحدى الشخصيّات الرئيسيّة كان مشابهاً لمقتل جورج فلويد.

الدّم يطالب بالدّم! تذكر هذا.

  • (*)أدغار آلن بو وهو شاعر وكاتب قصص أمريكي شهير من القرن التاسع عشر، وقد اشتهر بقصصه التي تتناول الأشباح والقتل والثيمات المظلمة.

تدقيق لغوي: ميّادة بوسيف.

كاتب

الصورة الافتراضية
Sajjad Thaier
المقالات: 0

اترك ردّاً