الموسيقى، ترنيمة الحياة

ببساطة، يمكن للموسيقى أن تشفي الناس

هاري ريد

تعد الموسيقى لغة العالم المشتركة، فهي بحر من الأحاسيس المختلفة، إنها النشوة لمن يحبها واللذة لمن يمارسها، لطالما كانت موجودة منذ بدء الخليقة.. في أصوات الحيوانات وهديل المياه، لتتطور بعدها إلى ماهي عليه اليوم.

هل فكر أحدنا يوماً كيف كانت الحياة لتكون دون الموسيقى؟ أكيد أنها كانت لتكون مملة رتيبة ولَمَا اتحدت الشعوب على أمرٍ مشترك.

يعود تاريخ الموسيقى وهوس الإنسان بها إلى عصور ماقبل التاريخ، فكما بحث الإنسان كثيرا عن الطعام، بحث أيضا عن العزف، فصنع الناي من عظام الطير ، استبدل الصراخ بالغناء، فكتب القصائد، وغنى كثيرا، وللآلهة أكثر. فمن أين كانت البداية؟

في منتصف القرن العشرين، عثر علماء للآثار في سوريا على حوالي تسعاً وعشرين لوحا من الصلصال تعود لحوالي أربع وثلاثين قرناً ماضياً، عُثر عليها داخل مدينة أطلال أوغاريت (اللاذقية حاليا) على ساحل البحر الأبيض المتوسط، كانت هذه الألواح تحمل رموزا تشير إلى أقدم تنويط موسيقي، وتحوي قصائد كتبت باللغة الحورية.

من هنا كانت البداية، إذ تقول الأسطورة أن إلهة الأرض نيكال أنشدت لآلهة السماء أنشودة تحكي فيها قصة معاناتها، فنيكال كانت زوجة إله القمر ومانح الذرية للأزواج، لكنها بالرغم من هذا لم تُرزق بأولاد، فظنت أنها تنال عقوبة ذنب عظيم اقترفته، فقررت الابتهال لآلهة الأوغارتيين ببذور السمسم وبعض الكلمات المؤثرة، وحسب المؤرخين فإن هذه الأنشودة تعد أول أنشودة ونوتة موسيقية في التاريخ كان قد تم العثور عليها مع ألواح الصلصال في اللاذقية:

سأرمي عند قدمي الحق “أو قدمي عرشك المقدس” خاتم رصاص

سوف أتطهّر؟ وأتغيّر من بعد الخطيئة

لم تعد الخطايا تغطيها ولا حاجة أكثر إلى تغييرها

قلبي مطمئن بعد أن أوفيتُ نذري

سوف تعزُّني مولاتي

ستجعلني عزيزا على قلبها

فنذري سيغطي ذنوبي، وسيحل زيت السمسم بدلا مني

في حضرتك اسمحي لي

إنك تجعلين العاقر خصيبة، والحبوب تعلو صعود

إنها الزوجة التي ستحمل الأطفال إلى أبيهم.. هي التي إلى حد الآن لم تُعط أطفالاً تحملهم.

هكذا بدأت الموسيقى، كسبيل للتضرع للآلهة وطلب المغفرة من الخطايا المرتكبة. اليوم، وبعد آلاف السنين من التطور الموسيقي، تجاوزت الموسيقى كونها مجرد نوتات تعزف هنا وهناك، وأضحت وسيلة علاجية وذات فوائد صحية جمة حسب عديد الدراسات والأبحاث التي أجريت في هذا الصدد.

إن استعمال الموسيقى يعود إلى آلاف السنين، فقد استخدمها البشر منذ القدم سواء في حياتهم اليومية أو كطقوس علاجية لفترة طويلة، وقد تم ذكر استعمال الموسيقى للتأثير على جسد الانسان لأول مرة في البرديات الطبية المصرية والتي تعود لحوالي ألف وخمسمائة سنة قبل الميلاد حسب رونالدو بنينزون. ولم يقتصر استعمال الموسيقى كعلاج على الحضارة المصرية، فحتى الاغريق، الرومان، العرب، الهنود والصينيون استعملوهاكوسيلة علاجية. لتأتي اليوم عديد الدراسات وتؤكِّد التأثير الذي يمكن للموسيقى إحداثه على جسد ودماغ المستمِع.

الموسيقى هي نتاج تسلسل معين من النوتات مولدةً صوتا معينا، تستقبله الأذن على شكل موجات صوتية تَخلق اهتزازات على طبلة الأذن، لتتحول هذه الأخيرة إلى إشارات كهربائية تنتقل إلى أعلى العصب السمعي ومنه إلى قشرة الدماغ السمعية أين تفسر تلك الإشارات الكهربائية إلى صوت نتعرف عليه، نفهمه ونتأثر به. لكن الموسيقى تتعدى التأثير على المناطق السمعية في الدماغ، فباستخدام تقنيات التقاط صور للدماغ لاحظ العلماء أن الموسيقى تؤثر على مناطق عدة في الدماغ تتجاوز المناطق المسؤولة عن السمع.

إن الإستماع إلى الموسيقى يؤدي إلى تحفيز الدماغ، فتظهر المناطق المحفزَّة مضيئة، وحسب الدراسات فإن هذا التوهج لوحظ في المناطق المشاركة في الذاكرة، العاطفة وحتى الحركة البدنية.

إذا ما كانت الموسيقى تحتوي على إيقاع معين، فإنه بإمكانها مساعدة المرضى المصابين باضطربات الحركة أو بالباركينسون على المشي، إضافة لكونها مفيدة لمرضى الزهايمر وإصابات الدماغ والسكتات الدماغية، فقدان القدرة على الكلام، التوحد وفقدان السمع.

يؤدي الإستماع إلى الموسيقى إلى إشراك عديد مناطق الدماغ دفعة واحدة وهو ما بإمكانه أن يفيد بشكل خاص الأطفال والمراهقين الذين مازالت أدمغتهم في مرحلة تطور ونمو. فالموسيقى بإمكانها أن تؤثر إيجاباً على قدراتهم على التركيز والتصرف السليم وعلى تطوير قدراتهم اللغوية.

لقد كانت قوة الموسيقى واضحة منذ الأيام الأولى للبشرية. ومع ذلك، بعد الحروب العالمية في القرن العشرين، بشَّر العلاج بالموسيقى ببداية مهنة جديدة قوية. فالموسيقى تساعد في التقليل من الإجهاد، تعزيز التمرينات الهوائية وتعزيز التحفيز البدني والعقلي كما أنها تحسن الذاكرة وتساعد في الحفاظ على بعض القدرات العقلية.

“كنت سأعلم الأطفال الموسيقى والفيزياء والفلسفة، ولكن الأهم من ذلك الموسيقى، لأن أنماط الموسيقى وجميع الفنون هي مفاتيح التعلم”.

أفلاطون

المصادر: 1 2 3 4 5 6 7 8 9

تدقيق لغوي: حفصة بوزكري

كاتب

الصورة الافتراضية
BOUKHALFI Bouchra
المقالات: 0

اترك ردّاً