مراجعة فلم Synecdoche New York

بطاقة الفلم:

اسم الفلم: Synecdoche, New York 

المخرج:  تشارلي كوفمان-Charlie Kaufman

سنة الإصدار: 2008

النوع: سريالي، واقعي

عن العنوان:

قبل الكلام عن الفلم دعونا أولا نتكلم عن العنوان قليلا، فهو غريب بالنسبة للكثيرين، فهم لا يعرفون ما الذي تعنيه كلمة “Synecdoche”. حسنا، إن هذه الكلمة تشير إلى شكل من أشكال الكلام حيث يشير الجزء إلى الكل. فعندما أقول “دخلت عتبة أحمد” فهنا أعني أني قد دخلت منزل أحمد، فالعتبة هي مجرد جزء من المنزل ولكنها عوضت عنه في الجملة. أما New York  فهي نيويورك.

عن الفلم:

يدور الفلم عن المخرج كيدن كوتارد- Caden Cotard المتزوج من رسامة موهوبة. بعد إخراجه لمسرحية “موت بائع جوال-death of a salesman-” يحصل كيدن على منحة ماك آرثر، والتي تعد واحدة من أهم الجوائز الفنية في العالم، والتي تعادل نوبل نوعاً ما، وتعطى هذه المنحة للعباقرة في أي تخصص كان وذلك لدعمهم في تحويل أفكارهم الفذة إلى أرض الواقع. وبعد هروب زوجته إلى أوربا مع ابنته الصغيرة وحالة تدهوره الصحية يقرر كيدن أن يجسد عمله المطلق، العمل الذي سيخلد اسمه. يقرر كيدن أن يصنع أكثر الأعمال واقعية في الحياة. يجد كيدن مخزنا عملاقا مهجورا، فينظفه ويبني داخله بضع بنايات تماثل تلك الموجودة في نيويورك بالكامل، ويجلب ممثلين ليقوموا بأدوار سكان البناية بنفس عدد سكان البناية وبنفس شخصياتهم بالضبط, بل هو ينقل نفس الحوارات التي يسمعها في البناية ويطلب من الممثلين إعادتها بالحرف.

ولكن هذا لا يكفي فبضع بنايات لا تكفي، وبضع شخصيات لا تكفي فيضطر لبناء المزيد من البنايات وتوظيف عددا أكبر من الممثلين حتى يقرر أنه من أجل إنجاز العمل عليه أن يوظف عدد ممثلين يساوي بالضبط عدد سكان مدينة نيويورك.  ومن ضمن هذه الشخصيات عليه إيجاد شخصية تؤدي دوره هو. وهكذا يعين ممثلا لكي يؤدي دوره وهذا الممثل شديد الاحتراف والتقمص  حتى أنه يقرر أن يقوم بصنع أكثر الأعمال واقعية في الحياة بالضبط مثل الشخصية التي يلعب دورها. يجد هذا الممثل مخزنا عملاقا مهجورا، فينظفه ويبني داخله بضع بنايات تماثل تلك الموجودة في نسخة نيويورك بالكامل، ويجلب ممثلين ليقوموا بأدوار الممثلين الذي يؤدون أدوار سكان البناية بنفس عدد سكان البنايات… وهكذا، أعتقد أن الفكرة اتضحت.

إن العمل هو سلسلة طويلة من الغرابة والرمزية المكثفة فهنا نجد كيدن، الذي يمكن القول أنه لا يملك أي نوع من الخيال فهو لا يقوم بشيء سوى نقل ما يراه ويسمعه في الواقع وإعادة تنفيذه في مسرحيته الواقعية. أما زوجته التي  هجرته فهي على النقيض من ذلك فهي رسامة ترسم الأشخاص، ولكن رغم ذلك لم تظهر عارضة واحدة في الفلم، فيمكننا افتراض أنها ترسم بناء على خيالها فقط. وهي بذلك تقوم بخلق عمل فني من اللاشيء على عكس كيدن الذي ينسخ ما يراه أمامه لا غير.

ومن المفارقات الأخرى أن كيدن يبدأ الإخراج بشكل عادي على مسرح عادي ولكن أثناء الفلم يتوسع ويقوم ببناء أشياء عملاقة وتوسيع خشبة مسرحه لكي تصبح عملاقة بشكل رهيب وفي نفس الوقت، أثناء سير الفلم كلما توسع كيدن في عمله كانت زوجته تختزل أعمالها ولوحاتها وذلك برسم لوحات أصغر، ففي بداية الفلم ترسم لوحات عادية، تلك التي تبلغ طول متر أو نحوه، ثم تصغر حتى تصل في النهاية إلى مرحلة رسمها للوحات بحجم  رأس الإبرة فأنت تحتاج إلى نوع معين من المكبرات القوية لكي ترى أعمالها.

الفلم مليء بالرمزية وبالامنطقيات، فإحدى الشخصيات مثلا، ترى منزلاً محترقاً وتدخله مع وكيلة العقارات (أثناء احتراق المنزل) وتشتري المنزل وتعيش فيه مع حبيبها (ولا يزال المنزل يحترق) وينتهي الفلم بعد أن تهرم جميع شخصياته ويبقى المنزل يحترق. وربما تشير رمزية المنزل المحترق الذي ندخله طواعية ونتمسك به رغم معارضة هذا الشيء للمنطق السليم هو ميلنا الغبي نحو الدخول في علاقات خاطئة رغم معرفتنا أنه لا يمكن أن  تكون نتيجة هذا الشيء جيدة.

كذلك كيدن الذي تبدأ شقته بالتدهور، فأنابيب الماء التي تتوقف عن العمل ترافقها تدهور حالته الجسدية أيضاً، فيحاول كيدن أن يخلق عالماً جديداً لأنه قد فشل في هذا العالم. ولكنه لا يملك أي مخيلة لكي يغير أي شيء في حياته لذلك يقرر أن يراها تتدهور أمام عينه ويتقبل هذا التدهور بروح صاغرة ذليلة.

إن هذا الفلم مليء بالتأويلات المختلفة، فكل قارئ ومشاهد يرى شيئاً مختلف أو فريداً من نوعه في هذا الفلم. ولكنه في النهاية فلم عن تدهورنا ونهايتنا الحتمية الغير قابلة للتأجيل أو المنع ولكننا نملك الحرية حول كيف نريد أن نحياها، فهل نريد أن نعيشها ونحن نقلد الآخرين أم نريد أن نبدع شيئاً جديداً من العدم؟

تدقيق لغوي: عمر دريوش

كاتب

الصورة الافتراضية
Sajjad Thaier
المقالات: 0

اترك ردّاً