كيف تؤثر بيئة العمل على العامل؟

تلعب بيئة العمل دورًا مهمًّا في راحة العامل؛ فتخطيط المكتب والضوضاء والضوء كلّها عناصر تؤثر على سلامته.

  إلى أيّ مدى تؤثر العوامل البيئيّة على الرّاحة النفسيّة في العمل؟

لطالما أهمل علماء النفس هذا السؤال، وركزوا أكثر على التفاعلات بين الأفراد والمجموعات. مع ذلك، أظهر البحث في علم النّفس الاجتماعي مرارًا وتكرارًا أنّ جميع التفاعلات الاجتماعيّة تتوسطها إلى حدٍٍّ كبير البيئة التي تحدث فيها. على مدى السنوات العشرين الماضيّة، كان الباحثون ينظرون أكثر فأكثر إلى التّأثير الذي يمكن أن تحدثه الخصائص الفيزيائيّة للبيئة على سلوك العمّال ورضاهم وإنتاجيتهم والتفاعلات التي تحدث بينهم.

العوامل المحيطة مثل الضوضاء أو الضوء أو درجة الحرارة أو جودة الهواء هي موضوع الدّراسات. نتعلم على سبيل المثال أنّ الضوء الطبيعي مرتبطٌ بمستوى أعلى من الرّاحة والإنتاجيّة مقارنة بالضوء الاصطناعي، قُربُ وعرض النوافذ وإمكانية الحصول على إطلالة من الخارج كلّها عناصر تسير باتجاه رضا أكبر وأداء أفضل. أمّا بالنسبة للضوضاء التي تعتبر عمومًا مصدر إزعاج، فقد يكون لها في بعض الحالات آثار إيجابيّة. “الضوضاء ليست دائمًا أمراً غير مرغوب فيه. فمستوى معين من الضوضاء (خلفية) ضروري لضمان راحة الموظفين و”الشعور بالمكان” في بيئات معينة. وبالتالي فإنّ التّخلص من جميع الأصوات ليس الخيار الأفضل دائمًا، كما يشرح نيجل جيه هولت، أستاذ علم النّفس التّجريبي في جامعة أبيريستويث.

تبرز العديد من الدّراسات أيضاً التّأثير الإيجابي للعناصر التي “تعيد ربطنا” بشكل مباشر تقريبًا بالطبيعة: وجود النباتات، نافذة تطل على المساحات الخضراء، الأثاث الخشبي وملصقات المناظر الطبيعّية مُتَّفَق على أنّها مفيدة على مستوى الإجهاد والإنتاجيّة.

هذه كلها أمثلة تشير إلى أنّ الشركات لديها كل المصلحة في عدم إهمال عناصر البيئة.

تحكم في بيئتك.

عامل رئيسي آخر للرّاحة في العمل: إمكانيّة ممارسة تحكم معين في بيئة المرء. وفقًا لدراسة أجرتها جامعة إكستر في المملكة المتحدة، كلّما زاد عدد الموظفين الذين لديهم إمكانيّة تخصيص مساحة عملهم، زاد رضاهم وتحفيزهم وإنتاجيتهم. يوضح نيكولاس فيشر، أستاذ علم النّفس الاجتماعي مختص في علم نفس مساحات العمل في الجامعة:

“من خلال التصرف في المكان، يمارس الفرد جزءًا من الحريّة وهو قدرته على خلق الاستقلال الذاتي في مساحات القيود”

من خلال حرّية التّعبير عن الذات الممنوحة للعامل، يرى نفسه معتَرفًا به باعتباره فردًا فرديًّا داخل المنظمة ويمكنه رؤية الفضاء على أنّه رمزٌ لمنطقته. ومن ثم من السهل أن نفهم أنّ نظام المكاتب غير المخصصة (حيث لا يملك الموظف مكتبه الخاص ولكنّه يستقر كل صباح مع عمله في أحد المكاتب المجانيّة التي توفرها الشركة) من الممكن أن يسبب عدم الّرضا بين بعض الموظفين، كما أوضح ذلك عدّة أساتذة علم النّفس الاجتماعي في جامعة برشلونة.

إتقان البيئة يتم التّعبيرُ عنه أيضًا من خلال إمكانيّة تنفيذ إجراءات بسيطة مثل تعديل شدّة الضوء، فتح النافذة، إبقاء الباب مفتوحًا أو مغلقًا، أو تحريك بعض الأثاث… هي تغييرات تبدو تافهة ولكنّها ليست ممكنة دائمًا في المكاتب المشتركة.


لعبة القوة
.

نظر نيكولاس فيشر أيضًا إلى البعد الرّمزي لمساحات العمل. فلاحظ على سبيل المثال، أنّ السمات المكانيّة تجعل من الممكن تحديد خريطة السلطات في الشركة: حجم السطحِ المسندِ إلى الموظّف، وحقيقةُ أنّ مكتبه خاصٌّ أو مشتركٌ وقربه أو بعده عن “مراكز القوة”. جميع هذه الأشياء تعكس التنظيم الهرمي للشركة في فضاء العمل.

اهتم إريك سوندستروم، أستاذ علم النّفس في جامعة تينيسي، بدراسة الدّور الذي يمكن أن يلعبه التّخطيط المكاني في العلاقات الشخصيّة حيث يمكن أن تؤثر على التبادل بين شخصين في المكتب، مثل المسافة بينهما، وجود أو غياب طاولة بينهما، اتجاه المقاعد، … تخيّل أنّه من المرجح أن يسيطر الشخص على التبادل إذا جرت المناقشة في مكتبه بدلاً من مكتب الشخص الآخر!

قام عالما الاجتماع الأمريكيّان بول هير وروبرت بالز بوضع 12 شخصًا حول طاولة مستطيلة كالتالي: شخص واحد في كل طرف، وصفّان من خمسة أشخاص يواجهون بعضهم البعض. الشّخصان على الطّرف هما اللّذان أتيحت لهما الفرصة، على عكس المشاركين الآخرين للتواصل البصري مع الجميع والتّحدث أكثر من الآخرين. يفترض إريك سوندستروم أنّ إختيار طاولة مستطيلة يمكن أن يساعد على ظهور زعيم داخل المجموعة، في حين أنّ استخدام الطاولة الدائريّة يمكن، على العكس، أن يقلل من ظاهرة القيادة.

هل فضاءات العمل التّشاركي أو الفضاءات المفتوحة مُساعدة في زيادة راحة العامل؟

أمّا المساحة المفتوحة التي ظهرت في السّتينيّات، فهي نتيجة التّدمير التّدريجي للمفهوم التّقليدي للمساحة المكتبيّة: “أي شيء يمثل حاجزًا ماديًّا للتّواصل، كما تمّ التّخلص من الأبواب والأقسام لأنها مسألة إنشاء مساحة شفافة ومرنة حيث لا يوجد شيء يعيق التّدفق الجيّد للمعلومات على حسب غوستاف نيكولاس فيشر.

ولكن هل يحقق الفضاء المفتوح هذا الهدف المتمثل في تحسين تدفق المعلومات؟ تقول إليزابيث بيليجرين-جنيل، مهندسة نفسيّة وخبيرة في العمل واستشاريّة في قضايا الفضاء والعمل والتّنظيم، تشير إلى مفارقة:

“مع غياب التّقسيم، من المفترض أن يعزّز المكتب ذو المناظر الطبيعيّة التّواصل، بشرط العمل بصمت لأنّ أي محادثة هي مصدر إزعاج للآخرين”

المصدر :https://le-cercle-psy.scienceshumaines.com/la-conquete-de-l-espace-de-travail_sh_31806?fbclid=IwAR3qpjxkgPPLQ5WuTyKpw6p2Vv9YAVGThinl_Ge_lTy14xP-31YUDnGuObc

ترجمة بتصرف: سارة كبوش.

تدقيق لغوي: ميّادة بوسيف.

مراجعة لغوية: كرنيف ربيحة.

كاتب

الصورة الافتراضية
Sarah Kebouche
المقالات: 0

اترك ردّاً