الانقراض السادس: حقيقة أم خيال علمي؟

بحلول الوقت الذي نحصل فيه على إجابات محدّدة لهذا السؤال، من المحتمل أن تختفي ثلاثة أرباعِ جميعِ الأنواع على الأرض.

هكذا ردّ كولبير حينما سُئل عن احتمالية تعرض الكائنات على الأرض بما فيها الإنسان الى انقراض جماعي.

إن “الانقراض السّادس” ليست فكرة جدلية بالنسبة للعلماء (في الوقت الحالي)، إذ يتفق المجتمع العلمي بأنه قادم إذا استمر النشاط البشري على ما هو عليه الآن، إلا أنّهم يختلفون في تفاصيل ذلك؛ مثل تقدير الزّيادة في سرعة انقراض الأنواع والخطوات الواجب اتّخاذُها لتجنّب حدوثِ ذلك، إذا كانت هناك إمكانيةٌ لتجنّب حدوثه. فالفيزيائي ستيفن هوكينغ كان يحثّ المجتمع العلمي على البحث عن حياة على كوكب آخر سوى الأرض. 

الانقراض فكرة حديثة على المجتمع العلمي، طُرحت في القرن التاسع عشر عند البحث عن إجابات من قبيل كيف نشأت وتعايشت كافة المخلوقات على الأرض ثم فُقدت؟ كان ذلك بالتزامن مع اكتشاف الوقود الأحفوري (حينما عُثر على عظام حيوانات منقرضة ومنها سُمّيت الأحفوريات؛ أي ما وجد من خلال الحفر) وكعادة أيّ فكرة جديدة على المجتمع، تمت محاربتُها والانتقاصُ منها خصوصًا مع بساطة تقنيات البحث العلمي آنذاك. ومن الجدير بالذكر أن الاعتقاد السائد وقتذاك أن كافة المخلوقات منذ نشأة الكون موجودة والأنواع ثابتة ولكن في أماكن متفرقة من الأرض.

بحسب كتاب الانقراض السادس: تاريخ غير طبيعي، فإن طرح هذه الفكرة الثورية كان من قبل عالم الطبيعة جورج كوفييه، عند دراسته لحيوان mastodon Mammut americanum.

تعرضت الأرض إلى خمس أنواع من الانقراض الجماعي، آخرها وربّما أكبرها هو انقراض الديناصورات والذي بسببه تسلّلت الثدييات عن طريق البرمائيات التي تمكّنت من النّجاة، لتنشأَ الحياة بتنوّعها الحالي على الأرض.

حدثت الانقراضات الخمسة لأسباب مثل الجليد والبراكين والصّخور الفضائية التي اصطدمت بالأرض.

لكن ما يميز الانقراض السّادس المتوَقّع (أو الذي نحن فيه الآن حسب رأي عدد غير قليل من العلماء) أنّه يحدث بمعدّل سريع بالاضافة إلى أنه يحدث نتيجة النّشاط البشري. لذلك فإن معدل انقراض الأنواع البيولوجية سريعٌ وزيادتَه غير متوقعة -نوعاً ما-.

الأفعال البشرية تهدّد المزيد من الأنواع بالانقراض العالمي الآن أكثر من أي وقت مضى.

مما دفع العلماء إلى اصطلاح ما يعرف بـ: الإبادة البيولوجية.

ومعناها فقدانُ أو تدهورُ التّنوع البيولوجي بفعل أنشطة الإنسان المختلفة. بالتالي فإن انقراضَ نوعٍ يؤثّر على وجود الأنواع الأخرى وبالتالي على مفهوم الحياة ككلّ على سطح الأرض. يزداد الأمر سوءًا حينما نعرف أن انقراض المجموعات ضمن النّوع الواحد يؤثر على التنوع البيولوجي بسبب العوامل الجينية والديموغرافية والسلوكية والجغرافية بين مجموعات النوع الواحد والتفاعل بين مجموعات الأنواع المختلفة وبيئاتها.

إذ يحدث الأمر بـتأثير الفراشة، مثلاً انقراض نوع من الحشرات سيؤدي إلى انقراض أنواع أخرى بالاضافة إلى تأثيره على أنواع نباتية تتفاعل مع هذا النوع من الحشرات، وتفاعل هذا النوع أو ذاك من الحشرات مع مسببات الأمراض.

إن هذا التدهور الذي قد يحدث بسرعة ملحوظة لا يسمح للأنواع أو المجموعات ضمن الأنواع بالتكيف (إيجاد طريقة للحياة)، وبالتالي زيادة سرعة الانقراض. بحسب بعض الباحثين فإن معدلات الانقراض كانت ستكون أقل بألف مرّة فيما لو كان البشر غير موجودين، الأنظمة الرأسمالية والسياسات الدولية لا تولي اهتماما إلى ما يقوله العلم وبالتالي فإن البشر لا يدركون تأثير ما يحدث للطبيعة على وجودهم.

الأمر لم يكن حديثًا مع العصر الصناعي فحسب، بل بدأ حينما اعتمد الإنسان الصيد وغيّر في طرق الزراعة لتأتي لاحقًا الصّناعة فتحدث تغييرات في المناخ والغلاف الجوي (وبحسب إحدى الدّراسات، فإن التلوث من صنع الإنسان الموجود بالفعل في الغلاف الجوي يحبس قدرًا إضافيًا من الطاقة الحرارية كل 24 ساعة بقدر ما يمكن أن ينطلق من انفجار 400000 قنبلة نووية من طراز هيروشيما).

إن ارتفاع درجة الحرارة يتسبب بامتصاص الرطوبة من التربة وبالتالي التأثير على النباتات وعلى الحبوب (ما يُعرف بالإجهاد الحراري).

تغيير كيمياء المحيطات؛ بزيادة حمضيتها ودفئها. إذ تتسبب الأولى بتدهور وجود الشّعاب المرجانية وبالتالي تأثيرها على الأسماك والكائنات البحرية الأخرى (بالاضافة إلى حموضة المحيطات، فإن زيادة نسب ثاني أوكسيد الكاربون والصيد هو الآخر يهدد وجود الشعاب المرجانية). أما دفء المحيطات فإنّه يتسبب بالفيضانات معروفةِ التأثير على النظام البيئي وعلى الإنسان بشكل خاصّ.

 هذا بالإضافة إلى التجاوز العمراني على الأراضي الزراعية، والذي أسهم في تدمير الغابات وانقراض أنواعٍ برية. من الجدير بالذكر أن واحدة من أقوى النّظريّات حول تطور فيروس كورونا هو الامتداد العمراني، والاتصال مع الحيوانات البرية وصيدها مما طوّر الفيروس ليكون من مسببات الأمراض البشرية وبالتالي التسبب في أزمة عالمية.

أحد أسباب التجاوز العمراني هو النّمو السّكاني غير الموجَّه، وبطبيعة الحال يؤثر على التّنوع البيولوجي.

إنّنا في بداية انقراض جماعي سيستمر على مدى مئات أو آلاف السنين.

وفقًا للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، فإن أكثر من 27 ٪ من جميع الأنواع التي تم تقييمُها على هذا الكوكب مهدّدة بالانقراض. انقراض نوع من البرمائيات يتطلب ألف عام بينما الآن معدل انقراض البرمائيات أكبر بـ 45 ألف مرة، وفي حال استمرت معدلات الانقراض على حالها أو ازدادت فإن 75% من الثدييات ستختفي خلال 334 عاما.

في الخمسمائة عام الماضية، انقرض ما لا يقل عن 80 نوعًا من 5570 نوعًا من الثدييات.

من جانب آخر لابد من الإشارة إلى أن الانقراض لا يعني النهاية، فقد تعرضت الأرض إلى خمس انقراضات جماعية ولم تنته بها الحياة، لكن عودة الحياة وتعافي الأرض يتطلب ملايين السنين لكي تسود أنواع جديدة.

منطقيًّا، بدلاً من التّسبّب في تدمير الحضارة البشرية والحياة على الأرض والانتظار ملايين السنين يمكننا وقف ما يحدث الآن، لأن الحياة بشكل أساسي تعتمد على كافة أشكال الكائنات؛ من البكتيريا إلى الإنسان، لذلك علينا وقف الإبادة البيولوجية والاستثمار في حفظ الأنواع المهددة بالانقراض بوقف الصيد الجائر وتوسيع المحميات الطبيعية، وبالطبع، أخذ التغير المناخي والاحتباس الحراري على محمل الجد وبعيدا عن السياسة.

المراجع:
  1. Newyorker: The Sixth Extinction? May 18, 2009
  2. PNAS: RESEARCH ARTICLE: Biological annihilation via the ongoing sixth mass extinction signaled by vertebrate population losses and declines
  3. BUSINESS INSIDER: 18 signs we’re in the middle of a 6th mass extinction Jun 18, 2019
  4. COSMOS: Radical overhaul needed to halt Earth’s sixth great extinction event  27 December 2016
  5. THE SIXTH EXTINCTION: AN UNNATURAL HISTORY Elizabeth Kolbert.
  6. national geographic: Will Humans Survive the Sixth Great Extinction? JUNE 23, 2015

تدقيق لغوي: كرنيف ربيحة.

كاتب

الصورة الافتراضية
Zahraa Majid
المقالات: 0

اترك ردّاً