المرونة العاطفية للمبادرين: إنبات حديقتك الخاصة.

 
أربع استراتيجيات تتضمن قراءة حيوية في الفلسفة الأخلاقية لإبقاء مسافة آمنة بينك وبين عالمٍ متشائمٍ.

لست أتحدث عن حديقة أعشاب، بل أعني زراعة مجموعة من القيم والمعايير في عقلك الخصب، والتي ستعتمد عليها لقياس قيمة حياتك بغض النظر عمّا يقوله أي شخص آخر أو يفكر به.

حديقتك الخاصة: العزلة عن عالم ساخر.


إنبات حديقتك المعنوية الخاصة، جنة لعقل متعب أو متشائم، هي الطريقة الوحيدة للبقاء على طريق القيام بالعمل المجتمعي، البيئي والإبداعي مع تأثير واقعي قابل للقياس دون الوقوع في اليأس.

لأن اليأس يحوم حولنا، فالمبادرون والمبدعون خاصة هم الأقلّ حصانة: لأن النوع الذي يستحضر الأفكار والفن إلى الواقع، ممسوسون بإنتاجية ساذجة يكمن للواقع أن يحطّمها بسهولة. فنحن الصانعون نقوم بمخاطرات كبيرة على حسابنا الشخصي وفي الغالب نوصف بالسذاجة، المثالية، الشغف أو الجنون.

المبادرة الاجتماعية لديها الأسوء: فنحن نحارب معركةَ ولادةِ مشروعٍ جديدٍ بينما، في الوقت نفسِه، نحاول أن نُظهر للعالم أنه بإمكاننا حقن حسٍّ بالعدالة في الأعمال التجارية بحد ذاتها بدلا من محاولة تحصيل الأرباح فقط.

إنبات حديقتك الخاصة هو الطريق الوحيد للتعافي من الحقيقة المدمرة بأن غالبية العالم لا يهتم بقضيتك، وغالبا (خاصة على الأمد القصير) من السياسات المكافئة – الشركات الجذابة، شرائح العرض التقديمية الجميلة، اللغة الصاخبة- مبالغة الواقعية، التأثير القابل للقياس على الناس والكوكب للذين لا يملكون صوتًا.

لقد شاهدت أشخاصًا مبهرين يعملون للصالح العام يتلقون العديد من الضربات المهلكة في حياتهم المهنية ومنظماتهم. لم يختاروا الطريق الأعلى فقط، مضحّين بالاستقرار المادي ليقوموا بعمل يشعرون بأنه مهم، بل وعلاوة على ذلك تُركوا مع ما هو أقل -وقتٌ أقلّ للأصدقاء والعائلة والمرح، ملكية أقل لشركاتهم وأفكارهم، وحتى سمعة متضررة بسبب صحافة متعصبة للفضيحة (أو أيا كان السبب، بعض الأشخاص يحبون إسقاط فاعلي الخير).

فلسفة أخلاقية منقذة للحياة. 

في بعض الآحيان يبدو للمبادرين الاجتماعيين أن الأشخاص السّيئين يفوزون. يقولون ربّما كان يجب علينا اختيار الطريق الأسهل.


في الأسبوع الماضي تحدثت إلى مجموعة في مجلة فينانشال تايمز وجلست إلى جانب كاتبِ تحريرٍ ذي فكر عميق، تحدثنا حول فيلسوف أخلاقي نصحنا في بداية مشوارنا المهني؛ “توماس بوغ” بروفسور بجامعة يال، كتابه “الفقر العالمي وحقوق الإنسان” ترك تأثيرًا عميقًا على العديد من الأرواح الشابة (وقد ألهمني لأبدأ سماسورس).
لقد لاحظ بأنني ما زالت أبدو شغوفة جدا حتى بعد مرور عقدٍ من الزمن، رغم أن العديد من الناس يتلقون صدمة من الواقع تؤدي بهم إلى الاستسلام أو ترك شغفهم. سألني ماذا فعلت لأتجنب النزول إلى التشاؤم.
ضحكت وأخبرته بأنني أشعر بالتشاؤم كل يوم. بأنني دوما محبطة بمليون شيء صغير -الشركات الربحية التي تنسخ شعارنا (دون معايير التأثير المجتمعي الشديدة)، الصراعات الإدارية، حقيقة أنه في بعض الأحيان عملُنا و نتائجُه تأخذ المقعد الخلفي بسبب حكم شخصي- وأن عدم الاستسلام هو أشجع ما أقوم به.
قال: “أوه، أرى بأنك قمت بإنبات حديقتك الخاصة”. ويا لها من جملة! أنبتُّ حديقتي الخاصة يقول محرر الفاينونشال تايمز.
وبعد المزيد من التحاور، أدركت ما كان يقصد.

لا شيء عادل؛ فالأشخاص الجيدون يخسرون باستمرار. مثلا بعض أهم القادة البارزين والمبدعين تم قتلُهم، تسميمُهم ودفعُهم إلى الانتحار..
الطّريقة الوحيدة للبقاء عائما -وحتى حيًّا- هي إنبات وتغذية وإمضاء الوقت في حديقتك الخاصة أين يمكنك زراعة ما يهمّك في مواجهة كل الشر.

حديقتي هي عملٌ قيد التطوير. غالبا ما تم سحبي إلى الداخل، منزعجة بحقيقة أنني لم أقم بالتحجيم بسرعة كافية مقارنة بالآخرين، أو أنني خسرت صفقة ما، أو أنَّ أحدهم أرسل إلي رسالة سيئة. وبالتساوي، يتم سحبي خارجها بقوى معاكسة من المدح والمجد -مقالة صحفية مهمة أو مراجعة مستهلك محتدمة مثلا-.

لكن إذا كانت هذه الأشياء لا تغذّي حديقتك ( لنكن صريحين لا شيء منها يقوم بذلك فعلا) توقف عن الإنصات لها. حالا! عد إلى مبادئك الأولية: القيم التي توجّهك. تذكر أنه لا يوجد حكم يتجاوز أداءَك ضد نظام مبادئك الشخصي مهما حدث في العالم الخارجي.

إذا لم تقم بتكديس قيمك الخاصة، حسنا- احزر ماذا؟ كل شيء سابق لهذه اللحظة انتهى، وكل شيء بعد هذه اللحظة لم يكتب بعد في قصة حياتك الرائعة، وأنت الكاتب الوحيد والحَكَم لما يحدث في حديقتك. لا توجد أعذار ولا وجود للمرارة نحو العالم غير العادل في حديقتك. فهناك يوجد الجمال، الضوء وما كل ما هو جيد، مخصّب بالقرارات التي تختار القيام بها.

تغذية حديقتك: 

قرأت سيرة حياة فنانة رائعة، فرونسواز جيلوت، في التسعينات من العمر ولا زالت ترسم كل يوم رغم خراب قادر على تحطيم امرأة أضعف- فرونسواز كانت شريكة بابلو بيكاسو لمدة عقد من الزمن، ونالت في مقابل ذلك نوعًا من القسوة والكراهية الذي يلهم حملة “أنا_أيضا” لو أنها حدثت في وقتنا الحالي. تعتبر الحبيبة السابقة للفنان القوي الوحيدة التي عرفت مسارها الخاص، بنت حياة مهنية ناجحة بعيدة عن ظل بيكاسو وتركته رغم تهديداته المشهورة بأنها ستُختزل إلى لا شيء بنفسها.

فرونسواز زرعت حديقتَها منذ سنٍّ صغير، وأصبحت مصدر قوتها في حضور فنان عرف بأنه نرجسي جذاب. قالت لكاتب سيرتها، أنّها لما كانت فتاة شابة اعتادت الجلوس في الشقوق لمدة طويلة وطورت هذا إلى فلسفة حياة للعيش إلى أقصى حد، أفضلَ من الوسط:

إذا كنت تريد أن تعيش حقا يجب أن تخاطر بالعيش على الحافة وإلا فالحياة لا تستحق. عندما تفتح نفسك على الخطر ستجرب أشياء سيئة، لكنّك غالبا ستتعلم كثيرا وتعيش وتفهم أكثر وأكثر. الأكثر أهمية هو أنك لن تملّ. أسوء شيء هو أن يصيبك الملل”

المرأة التي تقول لا: فرونسواز جيلوت، عن حياتها مع ودون بيكاسو.

كيف يمكن لك أن تُنبت وتُخصّب هذه الحديقة؟ كيف تملأ ذلك الفراغ في عقلك الباحث عن المعنى؟ هنا بعض الأشياء التي ساعدتني في تحقيق هدفي:

1- اقرأ في فلسفة الأخلاق:

بالنسبة لي، بروفسور الفلسفة وفرّ لي أساسًا لأخلاقي الشّخصية وفلسفةً حول كيف يجب أن أصمّم حياتي. الدين يمكن له أن يقدم هذاكذلك -لكن كن متأكدا بأن تعود إلى المصدر، إلى قوانين متواصلة تعكس حسّك الطبيعي لما هو صحيح وخاطىء. أؤمن أن معظم أهمّ الديانات لديها مجموعة من المبادىء الأساسية التي تُلخَّص في نقطتين:
النفس هي وهم “الأنا” والوعي ( أو الله، أو قوى الحياة، أو ما كنت تريد تسميته) كوني –تقصد واحد-

كن محبّا لذاتك وللكائنات الحية الأخرى (النباتات، الحيوانات، الناس) بنفس القوة واجعل هذا المبدأ الذي يوجهك وراء كل أفعالك.

2- ارحل إلى البرية:

كتب الكثير حول قوى الطبيعة -إذا كنت تسميها “الاستحمام الغابي” مثل اليابانيين، أو كنت ناسكا مثل “ثورو ومويير” فاذهب و اقض وقتا في أماكن لا يوجد بها بشر. لا يمكنك أن تشعر براحة عدم أهميتك في وجه الكون إلا بإلقاء نفسك في البرية. ولا أعني بهذا الركض في “سنترال بارك”. أنا أتحدث عن حمل حقيبة ظهر والتوجه إلى مكان دون كهرباء أو مياه جارية، أو السباحة في بحيرة منعزلة أو جزء من البحر. تحتاج أن تذهب إلى طبيعة تركت على حالها البري. محبّا لذاتك وللكائنات الحية الأخرى.

3- صارع:

هل حياتك يسيرة؟ هل أنت عالق برغبة مريحة أين عقلك وجسدك لا يعانيان أبدا؟ هذا أساس كل أنواع الاضمحلال. الأبحاث الجديدة أظهرت أن القلق المتقطع على الجسد؛ كحمام جليدي، صيام، تدريب عال الشدة هو أمر مفيد. نفس الأمر ينطبق على عقلك. المثابرة والمرونة يأتيان من الصّراع. إذن اذهب وجد تحديا يناديك؛ ربما رياضة حادة، أو سعي لتسلق سلسة من الجبال أو تعلم مانداريان، واسعَ إليه دون هوادة، ليس من أجل الامتياز أو إنهاء التحدي، لكن لتحمل صراع لمدة معينة.

4- أحِبَّ:

يمكن أن تكون والدتك، شريكك في الحياة، حيوانك الأليف،  يمكن أن يكون الله. ركز على شخص أو شيء لتمطره بالحب من أجل جمال الفعل فقط. نقاط إضافية إذا كان الشخص لا يحبك بالمقابل. شخصيا أجد أن القيام بهذا صعب في بعض الأسابيع ويبدو سخيفا كليا، لكنه يعمل مثل الامتنان، التأمل والصلاة لتعديل حالتنا العقلية.

هذه الأفعال الأربعة ستمنحك مجموعة من المبادىء التي ستعطيك قوة توجهك في الحياة. ربما يمكنك أن تكتبها. مثلما فعل بن فرانكلين، كي تراجع تقدمك كل يوم.

هذه مشاتل الأزهار في حديقتك، اجعلها تُزهر. بهذا أقصد: اقض بعض الدقائق كل يوم تفكر حول ما إذا أحرزت أي تقدم على قيمك؟ هل قمت بشيء جعل حياة الآخرين أفضل؟ هل صنعت شيئا تجده جميلا ونافعا؟ هذه هي بذور الاحتمالات التي يمكن أن ترعاها يوما بيوم.

في كل مرة تزرع بذرة وفي كل مرة تكبر قليلا فكّر فيها. اُكتب عنها في مذكرتك. هذه هي سجل حديقتك. تصورها كل يوم. سمّ الأفكار التي تزرعها. عندما يتم سحبك منها إلى الطين، يتم تحدّيك إلى درجة التعب والتشاؤم، عد إلى تلك الحديقة وابق فيها لمدة وتذكر أنّها منزلك الحقيقي الوحيد.

لـِ: “ليلى جاناه”:

سيدة أعمال أمريكية، مؤسسة شركتين في العمل المجتمعي “ساماسورس” و “LMXI”، شعارها “قدم عملًا” حيث تهتم بتكوين أفراد من دول ككينيا والهند لمنحهم عملا، خاصة في مجال التكنولوجيا والتجارة الالكترونية وهذا بالتعاقد مع شركات مثل جوجل وفايسبوك. توفيت في جانفي2020 بعد صراع مع مرض السرطان في سن 37 بعد توفيرها لما يفوق 11000 منصب عمل.  

المصدر: هنا

كاتب

الصورة الافتراضية
MAZOUZ IHCENE
المقالات: 0

اترك ردّاً