“أسوار السلام” في شمال إيرلندا ما قصتها؟

بلفاست، تلك المدينة الصغيرة التي تم ترسيم ما يقارب 100 سور سلام على أراضيها للفصل بين مناطق عيش الكاثوليك والبروتستانت. وذلك بمثابة إجراءات لحفظ السلام -كما جاء في اتفاقية الجمعة العظيمة شمالي إيرلندا- وتعد الآن من أشهر الوجهات السياحية. وهنا سنعرض باختصار تفسيرا لما يسمى بأسوار السلام شمالي إيرلندا.

البداية

شُيد أول سور سلام في عام 1969 بعد سلسلة من المشاكل الطائفية التي زعزعت مدينة بلفاست، هذا وقد تم تشييد الجدارن كإجراء مؤقت اعتُبر حلاً بسيطاً للنزاع بين الجمهوريين والموالين، بقصد تفرقتهم. ونظراً لفعاليته، فلم يتراجع عدد تلك الأسوار بل -على العكس- زادت بمرور الوقتِ عدداً وطولاً! وفي حين أن الجزء الأكبر من الجدران شُيد في بداية ما يعرف بـ “فترة الإضطرابات” (the Troubles)* فقرابة ثلثها ظهر منذ عام1994 عندما أعلن الجيش الإيرلندي الجمهوري وقف إطلاق نار تكلل بالنجاح.

ويقع أشهر جدران السلام ما بين “لويالست شانكل رود” و “ذي آيرش ريببلكن فولز رود”. وقد بدأ ازدياد حدة التوترات بين هذين الشارعين في مطلع عام1800، وقد شهدت “فترة الاضطرابات” تصاعداً في وتيرة العنف في ذات المكان المغمور بالعنف أصلاً. إذن فقد جاءت هذه الجدران كحل للفصل بامتداد وصل إلى 800 متر (2,624.6 قدم) وبناءٍ اسمنتيٍّ عالٍ متدرّج.

وجدير بالذكر أنّ الجدران ليست مقتصرة على بلفاست، ولا شك أن غالبيتها موجودة داخل حدود بلفاست، إلا أن هناك أيضا ًجدران في “ديري” و”بورتاداون” و”لورغن”. ينفصل طريقا “بروتستانت كوركرين رود” و “ذا كاثوليك أوربنز درايف” في بورتاداون، في حين أن “ذا بروتستانت فاونتن استيت” و“كاثوليك بيشوب ستريت” الواقعان في ديري مقسمان على شطرين. وفيما لو كانت الأسوار جنباً إلى جنب لامتدت إلى أكثر من 34 كيلومتراً (21.1ميلاً) باعتبار أنّ كل سور منفرد سيضيف خمسة كيلومترات أخرى (ما يعادل 3.1 ميلاً).

التحول

وبمرور الوقت أخذت أحداث العنف في شمالي إيرلندا بالسكون كما تلازم ذلك مع بدء ظهور بوابات في الأسوار والتي لم تزل قائمة إلى هذا اليوم فاصلة بين الضواحي، في حين إتاحتها قنوات للمرور من منطقة لمنطقة أخرى. ويذكر أن قوات الشرطة تقف على بعض تلك البوابات وتُغلَق معظمها بالكامل بحلول المساء.

غير أنّه في السنوات الأخيرة تحولت أسوار السلام إلى جزء من هيكل صناعة السياحة في بلفاست، كما أن سيارات الأجرة السوداء تتنقل بين المواقع الشهيرة في المدينة والتي يرتبط معظمها بفترة “الاضطرابات”. وعلى امتداد مسار أسوار السلام تنتشر اللوحات الجدارية ذائعة الصيت في المدينة، وهو ليس بالأمر المفاجئ؛ حيث أن كثيراً من تلك اللوحات الشهيرة في بلفاست غير موجودة في المتحف إنما على هذه الجدران.

بوابات الدخول والخروج والتي يديرها الجنود

آخر التطورات

في فبراير/ شباط 2016، أزيل أول سور في منطقة “كرملن رود”، وبغض النظر فإن عشرات الأسوار ما تزال تقطّع أواصر المدينة، وستبقى الأسوار ما لم تقرر إيرلندا الشمالية هدمها، أما في حال فعلت فمن المستعبد أن يكون لها نفس الوطأة التي صاحبت إزالة جدار برلين، والذي كان بمثابة إشارة رمزية يُنظر إليها على أنّها كانت ضرورية لإعادة توحيد سكان المدينة. وفيما يتعلق بسكان شمالي إيرلندا فقد تمكنوا من إعادة الاندماج على الرغم من بقاء الأسوار. وإذ قلت ذلك، تعهدت “ستورمونت”*،وبالتراضي، بإزالة جميع الأسوار بحلول عام 2023. وبعد كل هذا يُرجح أن إزالة ما يسمى بـ “خطوط السلام” في بلفاست لن يسبب ضجة كبيرة بل ربما يحدث وسط حالة من التذمر.

هوامش:

(*) فترة الإضطرابات(The Troubles) : وهي فترة من الصراع العرقي والقومي في أيرلندا الشمالية استمرت حوالي 30 عامًا من أواخر الستينيات إلى أواخر التسعينيات. تُعرف أيضًا دوليًا باسم نزاع أيرلندا الشمالية، تُوصف أحيانًا بأنها ” حرب غير نظامية ” أو ” حرب منخفضة المستوى ” . بدأ الصراع في أواخر الستينيات من القرن الماضي، انتهى باتفاقية الجمعة العظيمة لعام 1998. وعلى الرغم من أن الاضطرابات وقعت في الغالب في أيرلندا الشمالية ، إلا أنه في بعض الأحيان امتد العنف إلى أجزاء من جمهورية أيرلندا ، وإنجلترا ، و أوروبا القارية .

(*)إحدى ضواحي بلفاست والتي يقع فيها مبنى البرلمان، الذي كان سابقاً مقر برلمان أيرلندا الشمالية (1922-1972) ومنذ عام 1998 لجمعية أيرلندا الشمالية، وقلعة ستورمونت، التي كانت سابقاً مقر إقامة رئيس وزراء أيرلندا الشمالية، ومنذ عام 1998 كان مكتب أول وزير في المقاطعة. يقال أن الاسم مأخوذ من أول ثمانية حروف من عبارة “storm on the island” وهو عنوان قصيدة للشاعر الإيرلندي شيمس هيني Seamus Heaney.

المقال الأصلي

تدقيق: ميادة بوسيف.

كاتب

الصورة الافتراضية
YAHIA NAJAR
المقالات: 0

اترك ردّاً