الأدب في خدمة الثورة، نظرة عن الأدب البروليتاري في عهد الثورة الروسية.

يقول إريك فروم في كتابه (مفهوم الإنسان عند ماركس) بأن الجميع -وعلى وجه الخصوص الاشتراكيون الروس- قد أساؤوا فهم الاشتراكية الماركسية بمفهومها الواسع نحو تحرير الإنسان من قيوده وتقليل اغترابه عن جوهره الأصلي وإتاحة المزيد من الخيارات أمامه ليعيش بوئام مع الطبيعة من حوله.

بينما اختزلها الاشتراكيون الروس في وضع الطبقة العاملة (البروليتاريا) في مكانة أفضل قليلا من ذي قبل ولكن مع نفس القيود الخانقة التي عانوا منها في ظل حكم القيصر.

الأدب أيضا لم يكن بمنأى عن تلك القيود، فوُضِع في إطار معين وقٌوْلِب ليلائم الأهداف الحزبية للاشتراكيين الروس.

في ظل الثورة الروسية (البلشفية) عام 1917 والتي أحدثت تغييرات جذرية في شكل العالم، كان الأدب هو الآخر يتعرض للتغيير والاستخدام من قبل مديري الثورة، فكل شي كان خاضعا للرقابة والجميع يملي عليه ما يتوجب كتابته. فبدلا من أن يكون الأدب فعلا إبداعيا فرديا أصبح يُستخدم كطلبية يتم زخرفتها وتزيينها حسب الطلب.

هل من الطبيعي أن نخضع الأدب لأهدافنا؟

ولكن هل من المنطقي أن نفعل غير ذلك، فالأدب في النهاية نتاج شخصي وليس قالبا متفردا بذاته يعلو على الجميع، فكما استخدمه فلاديمير ماياكوفسكي وألكسندر بلوك لتمجيد الثورة وسرد أحلامهم وخطط الحزب المستقبيلة لإنقاذ الشعب ذهنيا من براثن البراجوازيين، كان على الناحية الأخرى كتّاب آخرون أمثال ميخائيل بولغاكوف، يسخر من البروليتارين وثورتهم ويشمئز من أفكارهم واندفعاهم المحموم لمشاركة كل شيء، عن طريق الكتابة أيضا.

كتَّاب الثورة البلشفية

لأي ثورة كتّاب كثيرين سواء عن اقتناع وإيمان شخصي بروح تلك الثورة وأهدافها، ومحاولة شرحها للبسطاء عن طريق المسرح والرواية، أو بسبب فرض الرقابة والكتابة بنمط محدد لا يخرج عن خطوط الحزبية الثورية. على رأس كتاب الثورة البلشفية كان مكسيم جورجي كاتب البروليتاريا الأول.

آمن جورجي بقوة الأدب في التأثير على العامة وآمن أيضا بضرورة تسخيره في خدمة الأهداف الحزبية للثورة الروسية، فجاءت كتابته بشكل أدبي رائع تضم أفكار الثوّار الروس، وتصف شجاعتهم وجلدهم ضد نظام القيصر وكل قوة برجوازية كانت تعمل على إخضاعهم.

رواية الأم كمثال

نسج جورجي الرواية على عدد محدود من الشخصيات التي تمثل الطبقة الأوسع من الشعب، مثل الأم التي يسيئ زوجها معاملتها (والتي تشبه الكثير من النسوة في تلك الفترة)، وتعيش حياة مليئة بالخوف والعوز، حتى يموت الأب الشرير المضغوط من ظروف العمل القاسية والفقر ثم بعدها ينضم ابنها الشاب إلى حزب تجهل هويته وتسمعهم يتحدثون بكلمات تجهل معناها، ولكنها تؤيدهم بقلبها وتحاول مساعدتهم رغم سذاجتها الطيبة، وتستمر الرواية في صفحاتها العديدة وهي تعرض أفكار الاشتراكيين الروس في قالب بسيط يسهل على العامة التعاطف معه بل والاقتناع به.

المناضلون الثوريون على خشبة المسرح

جاءت المسرحيات أيضا في ذلك العهد كوصف لأحداث الثورة البلشفية والحرب الأهلية ضمن الحدود الدرامية التي وضعها الحزب الشيوعي وكان على رأس الكتاب المسرحيين ميخائيل شاتروف الذي كتب سلسلة من المسرحيات تتحدث عن لينين وعن أفكاره وتمجده.

فبالرغم من أن السلطات السوفياتية كانت تزعم أن تلك المسرحيات تعبر عن الإنسان الروسي في ثوبه الجديد بعد الثورة وترصد تغيراته الاقتصادية والإنسانية إلا أنها في الحقيقة كانت عبارة عن مسرحيات امتازت بالوثائقية أكثر من كونها عملا دراميا متكاملا مبنيا على رؤية إبداعية.

ففي مسرحية (السادس من تموز) يؤرخ شاتروف للصراع بين لينين وسبيريدوفا زعيم الاشتراكيين اليساريين، ثم يستمر العمل ليؤكد على حديث لينين حتى نشعر بأنه عبارة عن وثيقة مسرحية.

يقول الفيلسوف الألماني جورج هيجل في كتابه “فلسفة التاريخ” بأن العقل البشري في ظل بحثه على حقيقة ما، يقوم بشكل لا وعي بإخفاء الهدف الحقيقي لبحثه. حتى يتحول هذا الإنسان بدوره لشخص يشعر بالاغتراب عن جوهره وهدفه الأصلي، إلا أنه رغم ذلك يشعر بالرضا والفخر.

فهل كانت مهمة الأدب في ظل الاتحاد السوفيتي تناول ظروف الإنسان الروسي بشكلها الحقيقي؟ لتبين معاناته دون الزخرفة الحزبية! وتوضح أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية دون أن تسرد خطط الحزب الوهمية؟ أم أنه من الأخلاقي أن يتم استخدامه للترويج للأفكار الحزبية وأيضا تحجيم أي إبداع ينفي تلك الأفكار؟!

وهل يتوجب علينا كقراء أن ننبذ الأعمال الأدبية التي تم نشرها في عهد الاتحاد السوفياتي؟ لكونها متحيزة للنظام السياسي آنذاك وليست نتاجا فرديّا حرّا تعبر عن أفكار كاتبها المؤمن بتوجهه الشخصي، أم أننا نبحث عن القيمة الجمالية فيها بغض النظر عن الهدف الذي خلقت لأجله؟

في الحقيقة كل تلك الأسئلة تضعنا في إشكالية مهمة، وهي: ما الهدف من كتابة الأدب ؟

وهل يجب وضعه في قالب معين؟ أم أنه فن حر غير مقولب يمكن استخدامه لأي غرض ترويجي وكسب مؤيدين بعيدا عن المعايير الإنسانية والفنية التي تعطي للأدب جاذبيته الخاصة وتجعلنا نعتبره ملاذنا الآمن ومصدر معلوماتنا وبوابتنا نحو عوالم أخرى وفوق كل ذلك نعتبره صديقنا الألطف في أشد الأوقات حلكة.

فهل يجب استغلاله؟

تدقيق لغوي: حمزة أيوبي.

كاتب

الصورة الافتراضية
Mostafa sarah
المقالات: 0

اترك ردّاً