لا يمكنك أن تكون لطيفا إذا ما مت. لا تراعي مشاعر الأشخاص الذين يهددون حياتك.

مثل العديد من الأشخاص اليوم، أستَحسنُ فكرة أننا جميعا طيبون ولكن من حين إلى آخر أثبت بأنني مخطئة عبر مشاهدتي لبعض الجرائم المروعة التي تعرض في الأخبار أو الإفراط في مشاهدة مسلسل على منصة نتفلكس تحت عنوان الهوس: رغبات مظلمة.

كحيوانات، يعتبر العنف جزءا من وجودنا وبفضل الطبيعة، لدى أجسامنا نظامٌ معقد من آليات الحماية لتجنب الخطر أو مواجهته. مع الأسف، تكبح الأعراف الاجتماعية هذه الآليات وبشكل خاص تجعلنا عرضة للهجمات العنيفة.

كرس جافين ديبيكير، متخصص أمني ومؤلف، حياتَه لإعادة تعريفنا بحدسٍ، لُقِّنَا بتجاهله بسبب الضغط المجتمعي على أن نكون طيبين ومنفتحين. على الرغم من أن العنف يؤثر على جميع الناس، إلاّ أن النساء خصوصا معرضات للخطر بفضل المخططات الجنسانية الضارة.

“يخشى معظم الرجال التعرض للسخرية أو الإذلال من منظور رومنسي، بينما تخشى معظم النساء التعرض للاغتصاب والموت”.
جافين ديبيكير

في كتابه الأكثر مبيعا لعام 1997،’نعمة الخوف‘، يستخدم جافين ديبيكر خبرته الواسعة في العمل مع ضحايا العنف لتثقيف القراء، وحثهم على أن يكونوا أكثر استباقية تجاه سلامتهم الشخصية. جميعنا مجهزون بالأدوات لرصد الخطر والهرب منه لكن علينا معرفة كيفية التعرف على الإشارات أو العلامات والسماح لغريزتنا بتولي الأمر.

هل السلوك البشري غير متوقع؟

الشيء المرعب في العنف هو حدوثه دون سابق إنذار. من السهل افتراض أن العنف البشري يتجاوز استيعابنا وتوقعاتنا، إنّ هذا الاعتقاد يعفينا من واجب رصده وأن نكون استباقيين. نخاف من أن نكون مخطئين بينما في الواقع نحن نبني تنبؤات صحيحة حول سلوك الآخرين يوميا.

عند عبور الطريق نحس بأن السائق سيسمح لنا بالعبور، وفي أحيان أخرى نشك في وجود شيء غير آمن، مثل الشخص الذي ينظر إلى هاتفه وننتظر. كلنا مجهزون لاستخدام نفس القوة الإدراكية عند حدوث العنف.

جريمة قتل أمريكية: العائلة المجاورة، فيلم وثائقي شهير على منصة نتفلكس يروي قصة امرأة تدعي شانان واتس وابنتيها الصغيرتين وجنينها. على ما يبدو قُتلوا جميعا بوحشية على يد الزوج والأب المخلص كريس واتس.

كان لدى شانان شعور بأن شيئا ما يحدث وقد عبرت عنه بصراحة لصديقاتها، حاولن طمأنتها لكن حدسها واصل بأن شيئا ما ليس على ما يرام بالاستمرار. على الرغم من وجود بعض الصعوبات في زواجهما، أحبت شانان زوجها كثيرا، وكانت على استعداد لقتال عائلتها من أجله، وبما أنه لا يوجد دليل علي العنف المنزلي، فمن الصعب معرفة ما إذا كانت تخاف منه قبل وفاتها. ومع ذلك، كما عبرت عن شكها للمقربين منها فإن الشكوك تزايدت.

بطبيعة الحال، شعر الكثيرون بالإهانة من رغبة وسائل الإعلام في دراسة القضية والعثور على دافع. يزعمون أنه لا يوجد سبب لارتكاب مثل هذه الجريمة النكراء ولا ينبغي لأحد أن يحاول فهم نوايا وحش مثل كريس واتس. بينما أوافق على أن الجمهور يجب أن يكون حساسا ومراعيا لأحباء الضحية وتجنب إعطاء القاتل اهتماما لا يستحقه، أعتقد أن اكتساب فهم أفضل عن الاعتداءات العنيفة والترويج لهذه المعلومة في نهاية المطاف سينقذ العديد من الأرواح.

“العنف البشري الذي نكرهه ونخافه أكثر من غيره والذي نسميه’عشوائي‘ و’غير منطقي‘، هو ليس كذلك. دائما ما يكون له غاية ومعنى، على الأقل بالنسبة للجاني. قد لا نختار استكشاف أو فهم هذا الغرض، لكنه موجود، وطالما نطلق عليه اسم ’غير منطقي’، لن ندركه”.
جافين ديبيكر.

لا تتجاهل الغريزة

في غالب الأحيان أتجاهل غرائزي وحدسي مدعية أنني لست على صواب. في حين أن بعض تفسيرات الرسائل الحدسية قد تكون خاطئة، وفقا لديبيكر، فإنّ الحدس دائما صحيح من ناحيتين. أولا، دائما ما يتواصل الحدس معنا استجابة لشيء ما وثانيا، دائما ما يريد مصلحتنا. في النتيجة الحدس هو آلية بقاء مدمجة ستساعدنا على البقاء إذا ما سمحنا بذلك.

كيف نعرف أن إشارات بقائنا مندفعة؟ مع وجود الكثير من الأزيز في رؤوسنا قد نغفل عن التحذيرات. غالبا لا تطلق صفارات الإنذار سوى صوت داخلي هادئ يقول: “حسنا” أو ” هذا غريب”.

يحدد ديبيكر ما يطلق عليه رسل الحدس. عند ظهورهم، يحين الوقت للانتباه والتصرف وفقا لتلك الدوافع التي تبدو وكأنها تظهر من العدم. لا ينبغي تجاهل المشاعر المزعجة، الأفكار اللحوحة، الفكاهة، الذهول، التعجب، القلق، الفضول، الحدس، المشاعر الغريزية الشك، التردد، الخشية، الشك والخوف.

فكر في الماضي عندما كنت تتخذ قرارات غير صائبة بشأن حياتك. ربما كنت تمارس مهنة فقط لكي تجعل عائلتك فخورة بك أو بقاءك في علاقة حميمة فقط مراعاة لمشاعر شريكك. على الأرجح قرار تسوية ظروفك لم يكن حافزا على حين غرة على الرغم من أنه قد بدا كذلك للآخرين. كان من الممكن أن يكون حدسك قد أرسل لك رسالة كاضطراب في المعدة أو قلق عام لكن ربما استغرق الأمر منك بعض الوقت لتدرك أن الوقت قد حان لخلق تغيير ما.

قد يكون اتخاذك القرار الصحيح مربكا لعدة أسباب. أحد الأسباب هو رغبتنا الفطرية في حماية ومراعاة مشاعر الآخرين. يحدث هذا فيما يتعلق باتخاذ طريق خطأ ولكن أيضا في مواقف مثل الحياة أو الموت. لكون توقع الانسان أن يكون اجتماعيا (يكون مضخما عند النساء)، لا تُتدارك إشارات البقاء الحدسية أو ببساطة تُتجاهل، مما يسمح للأشخاص الذين يريدون إلحاق الضرر بنا باستغلال فرصة كوننا لطفاء.

لا تقع في الشباك

في السنوات الأخيرة، كنت في مهمة ألا وهي ألا أهتم كثيرا بما يعتقده الآخرون عني -كانت المهمة قاسية ومعيقة- ما زالت مشغولة بآراء الناس. منحني ديبيكر سببا رائعا لمواصلة صب جل اهتمامي بنفسي والتخلي عن القلق حول إثارة إعجاب الغرباء لأن العديد من المفترسين يعتمدون على خلق إرباك وقلق لدى ضحاياهم عن الأعراف الاجتماعية وإيذائهم.

الوقوع في الشباك هو أسلوب يستخدم في علم النفس بشكل عكسي حيث يتم حث الضحايا على الشعور بالذنب مع إشراك المذنبين. غالبا ما يستعمل كنبرة كراهية للنساء. إليك مثالاً مألوفًا:

في ليلة هادئة وأنت في طريقك إلى موقف الحافلات، يلفت انتباهك شخص يراقبك. في لحظة ما تقع أعينكما على بعض وتبتسم متوترًا على أمل أن يزيح ناظريه عنك لكنه يأبى ذلك ثم يبدأ بالاقتراب منك. نظرا لأن المكان مظلم والشخص غريب عنك، أنت عازف عن محادثته وأرجلك تقوم بإرجاعِك للخلف.

” تعال! ” يقول وهو يلوح بيده. “أردت فقط معرفة موعد قدوم الحافلة”.

أنت عاجز عن الكلام وما زلت متوتراً. 

“أظن أنك شخص راقٍ وذو مكانة عالية بحيث لا يمكنك مخاطبة أمثالي”.

هاجم شخصيتك ليجعلك تشعر بأنك مضطر لمحادثته. للحظةٍ، قد تشعر بالسوء. أنت شخص لطيف ولا تحب أن تجعل شخصا يشعر بأنه تم رفضه لمجرد سؤاله عن الوقت. ربما يجب عليك تجاذب أطراف الحديث معه لعشر دقائق بينما تنتظران الحافلة. يمكن أن يكون رجلا لطيفا، من أنت لتطلقَ أحكاما على الناس؟ لا. الصمت هو أحسن جواب لهذا النوع من التصرفات.

يوضح كتاب “نعمة الخوف المزيد من إشارات أو علامات الخطر التي يجب أن نكون على دراية بها واستراتيجيات عدة للتعامل مع العديد من المواقف الخطرة. بلا شك أوصي بهذا الكتاب لأي شخص يسعى لكسب مزيد من الثقة لتجنب الظروف والمواقف العنيفة المحتملة. من المهم أن نعيد التواصل مع صوتنا الداخلي الذي يهدف إلى إرشادنا من أجل تحقيق سعادتنا ورفاهيتنا في الحياة. 

إذا كنت تشعر بعدم الأمان فغالبا يوجد سبب وراء ذلك. عند قيامك بسوء تقدير، ستتأذى مشاعر شخص ما ولكن إذا ما كانت غريزتك الأولى على صواب، قد يتعرض للخطر شيء أكثر قيمة من النظرة الإيجابية لشخص آخر عنك.

المصدر: هنا.

تدقيق لغوي: ميّادة بوسيف.

كاتب

الصورة الافتراضية
fatmakeddar
المقالات: 0

2 تعليقات

اترك ردّاً