سر الوعي – جون سيرل

حول الكاتب:

جون روجرز سيرل، فيلسوف أمريكي وُلد سنة 1932 كان بروفيسور فلسفة بجامعة بيركلي بكاليفورنيا، وعُرف بمساهماته المهمّة في فلسفة اللّغة، فسلفة العقل والفلسفة الاجتماعيّة ويُشتهر في الوسط العلمي بحجة الغرفة الصينيّة ضدّ الذكاء الاصطناعي “القوي”.

 الكتاب:

أوّل ما يبدأ به سيرل هو شرح لتجربة ذهنيّة تعرف بالغرفة الصينيّة، التي أوجدها -سنة 1980- كحجة لإظهار الاختلاف بين الوعي البشري والذكاء الاصطناعي، وقد ذاع صيته لما تلقاه من إجابات مضادّة لها من الفلاسفة، وعلماء الأعصاب والإدراك المهتمين بموضوع الوعي، وقد نجح سيرل في إيجاد ردود مثيرة للجدل تناول أبرزها في هذا الكتاب، وإنّ أقل ما يُقال عنها أنّها محفزة للتّساؤل والبحث.

تجربة الغرفة الصينيّة:

يقول سيرل لنفترض أننّي -شخص لا يُجيد اللّغة الصينيّة بتاتاً- موجود داخل غرفة مغلقة فيها صناديقٌ مليئة بحروف من اللّغة الصينيّة، ولدي دليل للرّموز الصينيّة ولنفترض أنّ شخصا ما يجيد الصينيّة خارج الغرفة، ويمرّر لي عبر فتحة في الباب أسئلةً مكتوبة باللّغة الصينيّة، فأبحث أنا داخل الدليل عمّا يقابل الرّمز الذي تلقيته، وأكتب الرّمز الذي وجدته وأمرّر الإجابة إلى صاحب السؤال عبر نفس الفَتحة، ولنفترض أنّ التّواصل بيننا يبقى قائمًا بهذه الطريقة، هو يمرّر الأسئلة وأنا أجيبه على حسب الدليل، ولا أخطاء في اتّباع الرّموز، ليس لديّ أدنى فكرة عمّا يقوله أو عن ماهية الإجابات التي أرسلها له، وهو على الجانب الآخر يعتقد أننّي أفهمه، وهذا بناءً على الإجابات الصحيحة التي أقدمها، والتي يفهمها هو، ولنفترض وجود حُجرة أخرى مغلقة، يوجد بها صيني مُجيد للّغة، ويمرّر له صيني آخر أسئلة مكتوبة عبر فتحة في الباب، ويقوم الشخص داخل الحجرة بكتابة الإجابات دون دليل بل حسب إجادته للّغة، ويُرسلها عبر الفتحة، وهكذا يتم التواصل بينهما.

في كلتا الحالتين الغرفة تقدّم إجابات صحيحة إلى الشخص المتواجد خارجها إلاّ أنّ طريقة التّعامل مع الأسئلة داخل الغرفة تختلف كليا، ففي الغرفة الأولى سيرل يتلاعب بالرّموز فقط دون إدراك معناها والشخص خارج الغرفة هو الذي يفهم المعنى، أمّا في الحالة الثانية فالصيني داخل الغرفة يفهم جيّداً معنى الأسئلة التي يتلقاها والإجابات التي يقدمها، فالكاتب يبين أنّ الإنسان يفهم معنى الدلالات اللّفظيّة في اللّغة والآلة تقوم بالتّلاعب بالرّموز، والإنسان هو الذي يقوم بتفسيرها.

بالتّالي فإنّ هذه التجربة تخالف “اختبار تورينغ” -عالم رياضيات- الذي نشره سنة 1950 في دراسته للآلات المحوسبة والذكاء، ونتيجة هذا الاختبار أنّ الآلة ذكيّة، وتعتبر مثل الإنسان إذ لم يستطع هذا الأخير التفريق بين الإجابات التي يقدّمها الإنسان والإجابات التي يقدمها الحاسوب، فالبرمجة رمزيّة والعقل يدرك الدلالات اللّفظيّة والرّمزية تختلف عن المعنى اللّفظي.

رغم غياب تعريف متفقٍ عليه للوعي، فهو حسب سيرل الحالة البيولوجيّة التي يكون فيها العقل منذ الاستيقاظ من النّوم إلى غاية العودة إلى النّوم مجدداً، فهذه الحالة ذاتيّة تتعلق بالفرد وهي نتيجة معالجة الدّماغ للعالم حوله وأساسها هو تفاعل 100 مليون عصب و5 تريليون تشابك عصبي فيما بينها، ويشرح الكاتب ذلك باستعمال أسلوب مبسط لعلم الأعصاب، ويقر بعدم وجود تفسير علمي إلى اليوم عن كيفية حدوث ذلك فعليًّا، إلاّ أنّه يؤكد على وحدة التّجرِبة الإنسانيّة، مخالفاً بذلك الفكر الديكارتي الذي يعتقد بالفصل بين العالم المادي والعقلي.

الفصول التي تلي الفصل الأول عبارة عن مراجعات قام بها سيرل لكتب لعلماء ودارسين للوعي، وقد تم نشر هذه المقالات في مجلة النيويورك تايمز وجُمع أهمها في هذا الكتاب.

أوّل مراجعة يقوم بها هي الكتاب ”البحث العلمي عن الروح“ لسير فرانسيس كريك البريطاني -عالم في البيولوجية الجزيئية، الفيزياء العضوية وعلم الأعصاب، وكاتب في بحث مشترك حول البنية المزدوجة لجزيئة الحمض النووي، وحاز على جائزة نوبل نتيجة هذا العمل- فكريك يوضح وجود ترابط بين المجال البصري للإنسان والوعي، يقوم سيرل بتفنيد آراء كريك ويعتبر أنّ الترابط مشكلة لأنّه لا يفسر سبب حدوث الوعي أو كيفيته.

عنون الكاتب الفصل الثالث بخرائط العقل، الإنسان الآلي وأقل من ذلك، في مراجعته لكتاب ”الحاضر المتذكر” لجيرالد إيدلمان-عالم الأحياء الأمريكي و المتحصل على جائزة نوبل في علم المناعة ودارس لعلم الأعصاب وفلسفة العقل- حيث يوافق سيرل إيدلمان فيما يتعلق بوحدة الوعي وأنّه نتيجة تفاعل بيولوجي في الدماغ ويرفض نظرية أنّ الوعي مجرد نظام حاسوبي.

ثم في مراجعته لكتاب “روجر بينروز” -عالم رياضيات فيزياء فلكيّة وفلسفة العلوم البريطاني-“ظلال العقل” الذي يشرح فيه كاتبه أنّه يمكن تفسير عمل العقل من خلال استعمال الميكانيك الكميّة، ونظرية جودل لإثبات أنّ الحاسوب لا يفهم فعليّا علم الحساب، في هذه المراجعة يستخدم سيرل وصف “القوي” و“الضعيف” عند ذكر الذكاء الاصطناعي.

(الذكاء الاصطناعي الضعيف هو الذي يقوم بما برمج لفعله فقط، أمّا “القوي” فهو الذي يستعمل الخوارزميات لإيجاد الأنماط من خلال المعلومات وتحسين نفسه)

في مراجعته لكتاب “دانيل دينت” -فيلسوف أمريكي وباحث في علم الإدراك- ”شرح الوعي والذكاء الاصطناعي” يفند سيرل آراء كاتبه بأسلوب حادٍ لرفضه تعريف الوعي الحالي ويعتبره مجرد وهم، وفيما يلي هذه المراجعة، أُضيفت الرسائل المتبادلة بين دينت وسيرل التي تظهر فجوة الاختلاف بين الفيلسوفين.

و يشرح سيرل اختلافه مع “دايفيد شالمرز” -فيلسوف أسترالي وعالم إدراك مختص في فلسفة العقل واللّغة- من خلال مراجعته لكتاب شالمرز “وعي العقل” الذي يعتقد بامتدادية النّفس وأنّ كل شيء في الكون يحمل في مكوناته معلومة ويعتبر سيرل هذا ”مشكلة صعبة”.

وآخر مراجعة هي لكتاب ”الغريب، المألوف والمنسي” لإسرائيل روزنفيلد، وهو أستاذ علم أعصاب وفيلسوف بجامعة نيويورك.

هذه المجموعة من المراجعات تُظهر اختلاف سيرل مع الفلاسفة المعتقدين بالديكارتية، الوظيفيين، السلوكيين وحتّى الماديين، وانتقال موضوع الوعي من مناقشة فلسفيّة إلى بحث علمي، فلطالما كان الجدال قائما حول استحالة دراسة إثبات وجود الوعي لأنّه تجربة شخصيّة وجوديّة، فاهتمام علماء الأعصاب به هو دليل على إمكانيّة دراسة الوعي بطريقة علميّة موضوعيّة.

في خاتمة الكتاب يؤكّد سيرل على معتقداته التي شرحها من خلال مراجعاته، فتقديم الآلة لخاصيّة من خصائص الدّماغ لا يجعلها قادرة على محاكاة العقل، و يؤكّد على استحالة محاكاة الوعي البشري بالتكنولوجيا التي لدينا إلى غاية اليوم، ويوضح مجددا ضرورة اعتراف الدّارسين بأننا لم نكشف بعد مشكلة الوعي بدل اختزاله على أنّه مجرد عمل حاسوبي، أو أنّه وهم فقط، فيرى سيرل أنّه بمزيد من الدّراسة والتّطور سيتمكن العلم من حل لغز هذه الظاهرة البيولوجية.

تدقيق لغوي: ميّادة بوسيف

كاتب

الصورة الافتراضية
MAZOUZ IHCENE
المقالات: 0

اترك ردّاً