فلم “حظر تجول” – جدار المرأة أمام العالم

قد تتناول هذه المقالة العديد من الأحداث في الفيلم.

فلم “حظر تجول” هو فيلم من إخراج وكتابة أمير رمسيس وبطولة إلهام شاهين، أمنية خليل وأحمد مجدي، صدر في نهاية شهر ديسمبر من عام 2020 وترشح لجائزة الهرم الذهبي، جائزة نجيب محفوظ لأفضل سيناريو، جائزة هنري بركات لأفضل إسهام فني، وغيرهم من الجوائز. يتناول الفيلم قصة سيدة خرجت لتوّها من السجن بعد أن قضت عقوبة 20 عام بعد قتلِها لزوجها، لتواجه ابنتها التي لا تعلم سر مقتل أبيها، وتعيش على أمل الفهم، مع حسرة وحزن على فقدانه المبكر ورحيل أمّها للسجن.

تدور أحداث الفلم في حظر التّجول الذي تلى فترة حكم الإخوان المسلمين لمصر، ومن هنا يُجبر أبطالنا على قضاء يوم كامل سويًا حتّى ترحل الأم للبلد في صباح اليوم التالي. فتقضي السيدتان يومهما، أم مشتاقة للحياة ولابنتها التي لم ترها طوال فترة السجن، وابنة مشحونة بالكراهية والغضب.

تشتد الصراعات بينهما والمواقف المؤثرة، حيث نرى أن الابنة ليلى تستعر من إخبار ابنتها عن جدتها، ويحدث أن تنشأ حوادث كلامية وعاطفية، فالأم ترفض البوح، وقد اتهمت في شرفها وأنّ الأب قد أمسكها متلبسة مع جارهم يحيي في الفراش وهذا سر مقتل الأب، لكن الأم تخفي سرها الذي ينكشف مع أحداث الفيلم ومع العودة للماضي. نرى هنا بأنّ الفيلم يسقط الستار عن موضوع محرم في مصر أو أحد الأشياء المحظورة وهو قضية زنا المحارم، والاِعتداء على الأطفال. الأم الملقبة بفاتن عاشت عمرها مع هذا السر وتشير ضمنيا لزوج ابنتها بأنّ السر لن تلفظه إلاّ مع خروج روحها.

يبرز الفيلم عدّة زوايا لمناقشة قضيته مع توابع مختلفة، من حقد المجتمع وانتشار الإشاعات والخوض في شرف الأم، وتحمل الأم عقوبة نفسية فوق عقوبة السجن، وحرمانها من حرية الاختيار وهي حرية أن تعيش حياة طبيعية، أو أن ترى ابنتها. تخرج لتقابل الكراهية ورفض المجتمع الذي يتحلى بالذكورية ويرى بأنها المذنبة الوحيدة ويبرئ القتيل من أي تهمة، حتى في مشهد بسيط يحرم عليها أن تشتري سجائر كأنّها ارتكبت فعلاً أخلاقيّا فاحش وليس مجرد تدخين سجائر!

الجارة التي تتمتع بحرية الاختيار، عرفت بأنّ الزوج كان يمارس التحرش والجنس مع الأطفال لكنها آثرت السكوت، بل سيتزايد الأمر حتى ندرك ضمنيًا بأن ليلى ليست الضحية الوحيدة، وبين قرار الجار يحيى بتحمل الظلم والألم طوال عمره وكراهية الناس بالنظر في عينيه، وتحمله لأجل ليلى ولأجل فاتن بأن يعيش في عذابه، وفي قلبه الكثير من الحب، حتى يتلقى رصاصات الكره الأخيرة من طرد ليلى له ومن سرقة أحدهم لأمواله، فيكتب رسالة وداعه للعالم ولفاتن التي لن تقرأها، في مشهد درامي يزيد من مأساوية الفيلم، بينما الأمل ينفتح لفاتن من مسامحة الابنة لها وحضنها لأول مرة، يموت يحيي منتحرًا على أنغام عبد الحليم.

الفيلم يفرض العذاب والاضطراب على ليلى التي تتداعى لها مشاهد من الطفولة مع ذاكرة مشوشة تحاول تفسيرها طوال الفيلم، بين إنكار لوحشية الأب وبين حيرة وخوف، وبين رغبة في التصديق من أمها التي ترفض البوح، فتعيش وبداخلها تردد عبّر عنه المخرج بمشهد تداخل فيه الماضي والحاضر أمام عيني ليلى، وتصارع كل شيء في نفسها.

كانت توابع السجن تتجلى على الست فاتن حيث تتمتع بصلابة، قوة وجرأة اكتسبتها من السجن، واجهت بها في مشهد كوميدي سوستة سائق التوكتوك الذي كان يحدث صخب بسهره وأغانيه على السطوح، حيث قامت بما يشبه ضربه بطريقة هزلية وكوميدية من المخرج لكنّها تشير ضمنيًا للقسوة والقوة التي تمتعت بها، وعند مرض الحفيدة، رأينا جانب المرأة والأم الهش في فاتن وتوسلها لسوستة، ونرى قوتها البدنية عند تنقلها بالحفيدة، وتحديها للعديد من الصعاب كأن مئة روح تسري في عروقها، كما نرى الخوف على الابنة في العديد من المواقف، وبكائها من أصغر الكلمات وأصغر الأشياء.

فاتن سيدة هشة طيبة القلب دفعها موقف لارتكاب جريمتها بدافع الحب، وتكيفت مع السر وعاشت به على أمل رؤية وحيدة وحضن وقبلة من ابنتها، وعلى أمل أن تستعيد الباقي من حياتها، فصارت طفلة تبكي حين أدركت بأنه يمكنها أن تتمتع بحق الأمومة أو حق الحياة لأول مرة.

تزايدت التبعات حيث تعلمت القسوة لتتكيف مع السجن، وشرب السجائر هي العادة التي تلقتها منه ومن غيره، فهي واصلت وحاربت وتكيفت مع صعاب المجتمع النفسية والمعنوية، فتبدو كجدار أو صرح صلب لا يمكن لمسه لكنها هشة من الداخل، وطرية كالعجين. تقوم إلهام شاهين بدور قوي وجريء وتجربة فريدة من نوعها وفي نفس الوقت تبدع في تنوع التعبيرات في المواقف والتعبير، تجبرك على البكاء معها كأنها تبكي بصدق وتفرح وتضحك مع فرحها فتصل لحالة توحد مع إبداعها الفريد الذي يستحق أعلى درجات الإشادة.

تمتع الفلم بدرجة حزن شديدة كسرتها بمشاهد كوميدية خفيفية موظفة بشكل صحيح ومتوازن طوال العمل، مما يدل على براعة المخرج وجودة السيناريو الخاص به.

حظر تجول، هو صراع المرأة مع الحياة وتحمل الأم للعديد من العقبات كجدار صلب. يوضح هذا الفيلم جدار الأمومة القوي في مجتمعاتنا وما تواجهه من أزمات.

كاتب

الصورة الافتراضية
Marwan Mohamed Hamed
المقالات: 0

اترك ردّاً