مراجعة رواية شريد المنازل

بطاقة تعريفية بالكتاب

الاسم: شريد المنازل.

الكاتب: جبور الدويهي.

عدد الصفحات: 351.

دار النشر: الساقي.

عن الكاتب

ولد عام 1949 وتوفي في يوليو 2021. كان أستاذ الأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية. حائز على إجازة في الأدب الفرنسي من كلية التربية في الجامعة اللبنانية ببيروت وعلى دكتوراه في الأدب المقارن من جامعة السوربون الجديدة.


حصد العديد من الجوائز عن رواياته، إذ فازت رواية “اعتدال الخريف” بجائزة أفضل عمل مترجم عن جامعة أركنساس، وفازت “حي الأمريكان” بجائزة سعيد عقل، و”شريد المنازل” فازت بجائزة الأدب العربي. كما ترشحت روايته مطر حزيران للبوكر ووصلت للقائمة القصيرة، وكذلك “شريد المنازل” و”ملك الهند”، كما ترشحت “بيت الأميركان” للقائمة الطويلة. وصدر له حديثًا “سم في الهواء.”

عن الكتاب

أن تكون شريدًا بين المنازل، والمدن، والأديان والهوية أيضًا!
الرواية تدور حول “نظام” الفتى المعمَّد، لكنه من عائلة مسلمة ومن أصل مسيحي، ليصير شريدًا بين الطائفتين، يجمع بينهم ويظل بينهم في عذابه، وحياته، وحتى مماته. يمر على المسيحية والإسلام. يجمع شمل بيروت المحترقة، وشمل جميع الأطراف التي يفرقها الشقاق، يجمع بينهم كلهم وحده، وكل طرف يعذبه، وهو الشريد بينهم، يحمل من كل من الطرفين المسلمين والمسحيين  شيئا. هو المعمد على كبر، والحافظ للقرآن. لم يعبأ بسؤال الدين طوال حياته، ولم يعبأ به في لحظات نهايته، لكنه ظل مطاردًا بالسؤال والاتهامات ليل نهار من الطرفين.

هو ينتمي لعائلة مسلمة، مزق تواجدها الديون والقضايا التى طالت والده محمود، وبعد أن أنجب الرجل توأما، تخبطت بهم الظروف، وكان نظام قد دخل حديقة توما، وقد كانت كالجنة له، وتعلق بتوما المسيحي وزوجته، وظل يكثر البقاء في البستان، وكان توما وزوجته لا ينجبان، فكان كابنهم، وبقي بينهم نظام، حتى تستقر عائلة محمود العلمي من ترحالها، ولكن الأمر طال، وظل نظام بينهم، وبدا كما لو أن أهله قد تخلوا عنه.

كبر نظام في رعايه وتربية توما المسيحي، الرجل الذي يسمع القرآن في وقت فراغه، ثم نزل في بيروت ليلتحق بالجامعة، وهناك تتخبط به الحياة وتكثر حكاياته، فيلتقي بفرق شيوعية، ويلتقي بفتيات، ويتعرف على الفن والثقافة والحكايات، ويقابل الجثث على الطريق، ويتعرض للإذلال في يوم شُكّ بأنه مسلم، وتحتل شقته من مليشيات مسلحة.

يموت أبوه الذي أنجبه وليس الذي رباه، ليذهب ويجد بأن النعي لم يكتب فيه اسمه، ويرحل بعد أن رفضوه بينهم لوصول خبر تعميده، وهم من تركوه. أخواه التوأمان، بلال وخالد، بلال لين، بينما خالد قد كان سببا في رحيل نظام للمرة الثانية عن البيت، بعد أن هاجمه لعدم وضوح ديانته، مشيرًا لتعميده، ولحرمانه للمراث حسب الشرع، فيرحل نظام الذي يعلن بأنه يرفض أن يقبض ثمن قبلات والده، فهو لا يريد منهم أو منه شيئا. يطل فقط ويقف في الشرفة قليلًا. يبقى على علاقة ودودة ومحبة مع أخته التي طالما احتمى بها في صغره من كوابيسه، حين كان يهرع ويتساءل في عجب لما لا تحميه أمه! وتظل هي من تشاركه الحياة وتحمل هممومه وتحميه، وتقوده في رحلة أخيرة بعد مماته.

يحب فتاة، رسامة، يهيم كل منهم بالآخر، لكل منهم ماضيه. نظام الذي لديه أمين، وهي “جَنان” التي لها جدة قد انتحرت، وفي صورها لون دامٍ وأشخاص تائهة، وفي يدها جروح. صار نظام الحياة والألوان التي ترسم بها، دراى فيها وحدته ووحشته، ودارت ألمها وشوقها فيه، وحين فرقت بينهم بيروت بحربها، وطال غيابه، أصابت نفسها بمكروه، وانطفأت هي، ورحل نظام الفتى محب الحياة الذي لم تؤثر فيه الحرب والجثث، ولا الرصاص، ولم يكن يعبأ أو يبالي، كان فتى عاشقا، محبا للحياة، يمرح، يحب الفن. انطفأت الحياة في وجهه. تحرك غائمًا، كبيروت التي انطفأت من ويلات الحرب. تحرك غير عابئ بأي سؤال، صار مهزوما مذلا في نفسه بفقدانه، وبسأمه من حياته ومن ويلات الحروب، لينطفأ ويظل شريدًا معذبًا بين المدن، والبيوت والأديان بعد موته، ممزقًا كبيروت.

نظام الذي يجمع بين أطراف بيروت، بشرقها وغربها، نتعرف من خلال حياته على ملامح بيروت، جمالها والفن، والثقافة بها، والسياسة، والحماس الشبابي والمرح والهزل، والحب. ونتعرف على الوجه القاسي، أو المصيبة التي أفقدت بيروت من جمالها، وهي الحرب  والانقسامات، لنرى الجثث من خلال حياته اليومية، ومسيرة الحرب وأثرها على العديد من الأطراف والعناصر في بيروت، وخارجها، وكيف ارتحل العديد من لبنان كلها. نرى علاقة لبنان وبعض أطرافها المتوترة بفلسطين، والطيران الإسرائيلي حين حلق فوق لبنان.

العذاب والتشرد والتمزق الذي ضرب بيروت، من أعين مختلفة، ومن عين نظام، الفتى اللامبالي بكل ذلك، هو شخص يحب أخته، يحب الحياة ويحب توما وزوجته، هم من ربوه، ويعتبرهم أباه وأمه، أما هم فقد جُنّوا بعد ما أصابه. يعرض لنا كيف يتحول إلى النقيض، كيف كان مجرد شاب حالم، لديه أهداف بسيطة. يرينا بيروت، ويرينا في البداية حرصه على الحياة، وكيف تنازل عنها.

بيروت المشتعلة، لا يمكنك المرور بين الشرق والغرب فيها بسهولة، لا يمكنك السير، وأنت معرض لطلقة في منتصف ظهرك أو رأسك في أي وقت. دينك هو تهمتك. الهوية هي الرصاص الذي يطلق نحوك، لكن نظام جمع بين جميع الأطراف، السياسية والدينية، والحب الذي كان في قلبه هو ما أبقاه، وحين اهتز كل شيء، باهتزاز بيروت اهتز ما به.

بيروت هي البطل هي الأخرى، هي تعرض وتؤثر على الجميع، تشكل مصائرهم، وتشكل الحرب الشرسة حياة الجميع، تعذبهم. الحرب واحدة، لا مبرر ولا سبب لها سوى تدمير الطرف الآخر. كل طرف يظن بأنه شريد الحياة.

نظام الذي يعرض بيروت وعبثية الحرب، وجمالها الذي احتفظت به رغم الحرب، ويعرض عبثية جميع الأطراف. لم يعبأ جبور بشيء، هو عبر عن الحياة وعن شاب، وعن مسيرة سلمية له، تخلو من أي عنف، مسيرة هادئة شابه كوردة اقتنصتها الحرب، هكذا لتترك الجميع في عذاب ومرارة. رواية معقدة مليئة بالحكايات والطبقات، تعرض بيروت وجمالياتها، وقسوة الحرب بها وما سببته.

كاتب

الصورة الافتراضية
Marwan Mohamed Hamed
المقالات: 0

اترك ردّاً