ما الذي يعنيه أن تكون رواقياً؟

“يمكنك التحكم في عقلك، ليس ما يجري خارجه. أدركْ هذا، وستجد القوة”.

ماركوس أوريليوس

أضحت الرِواقية أكثر رواجاً، وهذا راجع إلى عاملين، الأول لأنها عملية والثاني لأن الناس يبحثون عن أسلوبٍ أفضل للعيش. ولكن ماذا يُقصد به أن تكون رواقياً؟

يُعرَّف الفكر والعقلية الرواقية ب ” شخصٍ قادرٍ على تحمل الألم أو المعاناة دون اظهار مشاعره أو التذمر”

بينما تساعد الرواقية الناس على أن يصبحوا صامدين وهادئيين عند مواجهة الشدائد والمحن، الاّ أنه هنالك أكثر من ذلك. 

بالنسبة للرواقيّ، ببساطة لا يتعلق الأمر بالقدرة على مجابهة المحن بوضوحٍ فكريّ واتزان. بل بكيفية عيش حياة كريمة والتقرب مما سّماه الرواقيون القدامى يودايمونيا، التي تقريبياً تُؤَوَل إلى الازدهار أو السعادة أو الرخاء. 

تأسيس الرواقيين: 

في القرن الثالث قبل الميلاد، وجد زينون الكيتيومي (نسبة إلى مدينة كيتيون القبرصية) منطقة في أثينا تسمى الرواق الملون أو “الشرفة المطلية”، وهي عبارة عن رواق معّمد في أغورا الأثينية (مكان للتجمع الثقافي، والاقتصادي والمدني) مزخرف بمشاهد معارك أسطورية. 

رواق ذو أعمدة في أثينا.

في هذه الساحة، بين حشود الإغريق القدامى والباعة، شرع زينون في مناقشة فلسفته مع أولئك الذين يتوقفون ويستمعون له. مع مرور الزمن، تأتي مجموعة اعتيادية للمشاركة في النقاشات حول كيفية عيش حياة رغيده، وعن المطلوب من أجل الوصول إلى المستوى المرجو من السعادة اليومية. 

أصبح هؤلاء أتباع زينون أول رواقيين سُميوا على اسم رواق (Stoa)، أو الشرفة التي ناقشوا فلسفتهم تحتها. 

بعد أزيد من ألفين عام، مارس، ودرس تعاليم زينون ورواقيينَهُ العديد من الناس من مختلف بقاع العالم.

ماذا يمارس الرواقيون؟  

“يمكنك التحكم في عقلك، ليس ما يجري خارجه. أدرك هذا، وستجد القوة”.

ماركوس أوريليوس

لقّن الرواقيون القدامى – نظراً لأن البشر حيوانات اجتماعية- أن العثور على الطريق للرخاء يكمن في: 

1-  تقبل العالم كما هو (بدلاً من مقاومته لأنه ليس كما تخيلناه). 

2- تعلم كيفية التحكم في كل من رغبتنا في السعي نحو المتعة وتجربتها ورغبتنا في تجنب الضيق. 

3- استخدام المنطق والعقل لفهم موضوعيّ للعالم.

4- العمل يداً بيد كمجتمع والتصرف بعدل وإنصاف تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين. 

أنشئ الفلاسفة الرواقيون مجالا لكي يتمكنوا من العيش وفق القيم المذكورة أعلاه. يتكون هذا المجال من شيئين أساسيين: 

1- العيش بالفضيلة
2- رؤية العالم بالمنطق والعقل

ما معنى العيش بالفضيلة الرواقية؟ 

“لا تُضِع المزيد من الوقت في الجدال عن ماهية الرجل الصالح، بل كن واحداً.” 

ماركوس أوريليوس

بالنسبة للرواقيين تأتي الحياة الرغيدة حينما نعيش حياةً فاضلة، بينما تبدأ السلبية، والمعاناة، وتدهور الصحة العقلية بالتأثير علينا عندما نغض النظر عن الفضيلة ونستسلم لدوافعنا، والراحة، والرذائل. 

الفضائل الرِواقية الأربعة: 

 1- الحكمة: القدرة على رؤية الأشياء كيفما هي، في سياق و بموضوعية.

2- العفة: القدرة على الاعتدال في سلوكنا رغم رغباتنا، وشهواتنا، ومخاوفنا. 

3- الشجاعة: القدرة على التصرف بطريقة نظن أنها صحيحة، رغماً عن ما قد يمنعنا من القيام بذلك، مثل الخوف والانزعاج. 

4- العدالة: القدرة على التصرف بعدل وإنصاف من أجل مصلحة المجتمع. 

تعلمنا الرواقية أن التماثل لهذه الفضائل الأربعة يقربنا من الحصول على الحياة الهنيئة التي يريدها العديد منا. 

ماذا يعني أن ترى العالم بمنطقية؟ 

“يساعد المنطق الشخص على رؤية الواقع، وعلى التفكير بفعالية حول الأمور العملية، وعلى التمسك بموقفه أثناء الارتباك، وعلى التمييز بين اليقين والمحتمل، وغير ذلك”.  

براين انوود

اعتقد الرواقيون أنه من غير الممكن العيش بالفضيلة من غير منطق. لانه عند افتقار الشخص إلى القدرة على التفكير المنطقي، فإنه يفقد أيضا القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، بين الاكاذيب والباطل، بين الواقعيّ واللاّمنطقي. 

يقوم المنطق الرواقي على الافتراضات، يعني هذا أنه إذا قُمت بطرح عبارة في أي وقت، فهي إما صحيحة أو خاطئة. وبنائاً على العبارة الأصلية يمكننا تكوين عبارات أكثر تعقيدا. 

مثلا يمكنني القول “إنها تمطر”. إذا كانت تمطر السماء بالفعل، يمكنك القول “انها غائمة”، لأنه منطقيا لا يمكن أن تمطر بدون سُحب.

يمكن للرواقيّ أن يطبق هذا المنطق في الحياة، فمثلا: 

  • أنا على دراية بأنه هنالك أشياء أستطيع التحكم فيها، وأخرى خارج ارادتي. 
  • أنا على دراية بأنه عندما أركز على أشياء خارج نطاق سيطرتي، لا أستطيع تغييرها. 
  • ومنه عند قضائي للوقت محاولا لتغيير هذه الأشياء، فأنا لست أضيع وقتي فقط، بل أقضيه بعيداً عن تغيير ما يوجد داخل نطاق سيطرتي. 

بدون المنطق لست قادرا على الفصل ما بين الأشياء التي يمكنني تغييرها والتي لا قوة لي عليها، قد لا أتمكن أيضا من إدراك أن بذل الجهد في سبيل شيء ليس لي تأثير عليه هو مجرد مضيعة للوقت. 

إذن ما الذي يعنيه أن تكون رواقياً؟

بالنسبة لي الرواقيّ هو شخصٌ يرى العالم بتأني، وبشكل منطقي وموضوعي، ويتقبّل ما يراه . ومن ثم يتقبل مسؤولية أفعاله ويبذل قصارى جهده في التصرف بحكمة. 

بهذه الطريقة يصبح الرواقيّ أكثر حكمة و اعتدالاً وعدلاً وشجاعةً. زيادة على ذلك، يطور الرِواقيّ القدرة على تقبل ما يقع خارج سيطرته، و تحمل مسؤولية عما يوجد داخل نطاق سيطرته. 

وهذا يؤدي أخيرا إلى تملّك الرِواقيّ لذهن صافٍ،و أن يصبح واعٍ، أكثر تقبلاً، ناضج عاطفياً، ومتسامحاً.

هذا ما يعنيه أن تكون رواقياً بالنسبة لي. 

المصدر.

كاتب

الصورة الافتراضية
fatmakeddar
المقالات: 0

اترك ردّاً