مراجعة رواية آخر امرأة تموت من أجلك

بطاقة تعريفية بالكتاب:

اسم الكتاب : آخر امرأة تموت من أجلك

اسم الكاتب : فاطمة الزهراء بوخديمي

الناشر : دار أفق للنشر والترجمة

سنة النشر : ٢٠١٨

عدد الصفحات : ٢٦٦

عن الكاتب:

فاطمة الزهراء بوخديمي، روائية جزائرية شابة، خريجة كلية الحقوق ومعهد القضاء، صدر لها رواية “آخر امرأة تموت من أجلك” كأول عمل أدبي سنة ٢٠١٨، لتليها مجموعتها القصصية “ملح أسود” وآخر أعمالها “زوالي” سنة ٢٠٢١ الصادر عن دار خيال للنشر.

عن الكتاب :

الفقراء لا يشترون شيئا، الفقراء يستباحون

بين مطرقة الأحلام الممنوعة وسندان المجتمع تدور قصة ناديا. الشابة التي لم تطلب من الحياة سوى أن تمارس حقها في الغناء، وأن تعيش في أحضان الرجل الذي اختاره قلبها دون أن تطاردها الأنظار والشعور بالعار أينما حلت وارتحلت، ودون أن تشعر برغبة ملحة لطلب المغفرة على خطئ لم ترتكبه من الأساس.

ناديا، شابة قروية من أعالي جبال جرجرة الشامخة. تقرر يوما ودون سابق انذار أن تفر بأحلامها بعيدا عن قريتها التي أرادت وأدها في المهد. كل ما كانت تسعى إليه هو أن يصدح صوتها عاليا. أن تغني للحب، للحياة، للحرية وللوطن الذي تحب. لكنها أحلام لم تكن متاحة لفتاة قروية مثلها. ولا حتى لأي امرأة أخرى. فالغناء خطيئة لا تغتفر، وأن تكوني امرأة لهو أسوء الخطايا وأكبرها على الاطلاق.

من خلال صفحات الرواية، تأخذنا الكاتبة في جولة بين العاصمة وباريس وأعالي جبال جرجرة الشامخة، قبيل العشرية السوداء التي فتكت بالجزائر والجزائريين، لنعيش مع ناديا تقلباتها في الحياة. لنرافقها في طريقها نحو حلمها. لنشاركها سخطها على مجتمع “محافظ” حكم عليها بأسوء الأحكام، فقط لكونها امرأة رفضت الخضوع. لأنها صدحت بصوتها عاليا، ولأن تاء التأنيث ترافقها أينما حلت وارتحلت.

ناديا التي رافقها شعورها بالذنب طيلة حياتها، والتي أضاعت من عمرها الكثير خوفا من أحكام غيرها، ونظرتهم نحوها. لم يسعفها الحب هو الآخر، فأدمى قلبها بعد أن جعله يزهر. لم تمنحها الحياة يوما ما أرادت كاملا. لطالما كانت فرحتها مبتورة. لكن الحزن كان سخيا معها، ولم يغب عنها يوما حتى في أكثر لحظات حياتها “سعادة”.

على غرار ناديا التي تحملت أوزار قرارها كثيرا، شاركتها الحمل -ولو عن بعد- أمها فروجة، وشقيقاتها الثلاثة، اللواتي هن الأخريات لم يسلمن من أصابع الاتهام التي وجهت لشقيقتهن. فطالهن ذات السخط الذي طالها رغم أنه لا ذنب لهن في قرارات ناديا. لكنها سلطة المجتمع من تقرر. فالفتاة اذا ما “أخطأت” فإن الحمل والعار تتشاركه أسرتها كاملة دون استثناء.

الكاتبة من خلال قصة ناديا، حلمها في الغناء وحبها لناصر، أمها فروجة، أخواتها والطفلة نعيمة، سلطت الضوء على ما تعانيه النساء في عديد المجتمعات من ظلم لا مبرر له، تارة باسم الأعراف والتقاليد، وتارة باسم الدين. لكنه في كل الحالات ليس سوى تعسف يمارس ضدهن باسم الذكورية. فالمجتمع الذي يصادر للمرأة حقها في الحب والحلم بينما يمنحه بسخاء للرجل لا يمكنه سوى أن يكون مجتمعا ظالما لأبعد الحدود.

إن هذا المجتمع الذي يؤلف الأساطير العشقية ولا يصدقها إلا إذا لم تمس حريم بيته، هو مجتمع مخيف فعلا، ويستحق مجاراة عنفه العاطفي، وارتجاله الذكوري حتى نتأذى منه أكثر

الرواية وعلى بساطة موضوعها، وحتى شيوعه أيضا، إلا أن الكاتبة نجحت من خلال أسلوبها في إيصال جميع المشاعر فيها بطريقة موفقة. وبالرغم من كونها أول تجربة روائية لها إلا أنها قدمت لنا عملا ناضجا، كُتِب بلغة شاعرية جميلة مُتَحكم فيها وبطريقة سلسة تجعلك لا تضيع بين شخصيات الرواية وقصصهم المختلفة الزمان والمكان.

آخر امرأة تموت من أجلك، بهذا العنوان تعلن الكاتبة عن رومنسية روايتها، لكنها في الواقع تخط لنا قصة كل امرأة تحلت بالشجاعة يوما لمواجهة مجتمعها، ثم جبنت عن مواصلة الحرب. هي رواية عرت فيها فاطمة الزهراء تناقضات مجتمعها، مجتمع ناديا، ومجتمعاتنا جميعا. كشفت عن اختلالاته، عن السكاكين التي لا نتوانى في إشهارها في وجه كل امرأة اختارت الحب والحياة. عن الغفران الذي تفني النسوة حيواتهن طلبا له وبحثا عنه جراء أخطائهن على بساطتها…. لكن هل من المعقول أن نعتبر الحب خطأً والكراهية صوابا ؟

نفس هذه السكاكين لا نكاد نراها اذا ما كان المخطئ رجلا، أو ليس عيب الرجل الوحيد جيبه ؟

لا أصعب في هذه الحياة من العيش بشعور الندم. الندم الذي يقتلنا لا لشيئ سوى لأننا أردنا أن نستفيد من حقنا الكامل في الحياة، في ارتكاب الأخطاء، في التعثر مرة واثنتين، في الحب، في الحلم وفي الحرية … ناديا التي أضاعت عشرين سنة من حياتها هربا من ذاتها، من مجتمعها الذي تبعها بعينيه أينما حلت. لم تنتبه لخطئها إلا بعد فوات الأوان. فخطؤها في الأخير لم يكن أنها غنت، رقصت وأحبت. خطؤها كان أنها اهتمت بصورتها أمام الغير. فما هي سعدت بحياتها، ولا منحت السعادة لأهلها.

لعل ما قد يلاحظه القارئ للرواية هو التكلف اللغوي الكبير للكاتبة، إفراطها في استعمال الصور البيانية والاستعارات، وتأثرها الكبير بالروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، فلوهلة قد يظن القارئ أنه بصدد القراءة لها لا لكاتبة أخرى، لكن ورغم هذا لم تخل الرواية من اللمسة الجمالية، بطريقة تترك القارئ منغمسا مع ناديا وقصتها مع ناصر لغاية آخر صفحة.

ناديا، وقبل أن يلتهم هوسها بالغناء بعضها، ويلتهم الذكوريون بعضها الباقي، كانت تشتهي ولا تشتري. فقر الجيب مر، وفقر القلب أمر…

أما ناصر؟ فكان مجرد رجل متزوج

كاتب

الصورة الافتراضية
BOUKHALFI Bouchra
المقالات: 0

اترك ردّاً