بطاقة فنية عن الكتاب:
اسم الكتاب: سدهارتا.
اسم الكاتب: هيرمان هسّه.
دار النشر: دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع.
سنة النشر: 2015.
اسم المترجم: ممدوح عدوان.
عدد الصفحات: 136 صفحة.
عن الكاتب:
هيرمان هسّه (بالألمانية: Hermann Hesse) ولد في كالف في ألمانيا في 2 يوليو 1877 وتوفي في مونتانيولا تيسن عام 9 أغسطس 1962؛ وهو كاتب سويسري من أصلٍ ألمانيّ، أدخله أبوه -وقد كان قِسّيسا- في صغره لديرٍ بروتستانتي ليتعلّم ويتخرّج منه راعيًا ومبشّرًا، إلَّا أنَّ هذا الحدث كان بدايةً لتمرُّدات وثوراتٍ على مختلف المناهج الدِّينيَّة أوَّلاً، ثمَّ المدنيَّة العلمانيَّة.
ألّف رواياتٍ فلسفيَّة عديدة ومتنوّعة؛ وحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1946.
عن الكتاب:
“إنّ ما أعرفه عن نفسي، عن سيدهارتا، أقلُّ ممَّا أعرفه عن أيِّ شيءٍ آخرٍ في العالم، وليس بوسعي أن أتعرَّف على نفسي إلاَّ من خلال نفسي”.
هكذا حدّث الفتى “سدهارتا” نفسه، ابن البرهمي، وهو ماضٍ يبحث عن معرفةِ نفسهِ بنفسه. معتقًا إيَّاها من أيِّ نظامٍ مبنيٍّ على اعتبارات مذهبيّة أو طريقة أو أفكار أو آراء مجردّة أو جلوسٍ على مقاعد أو تعذيب للذّات. باحثًا عن بلوغ مناله وهدفه! عن الحكمة، عن إيجادِ الذَّات ومعرفة النّفس، فكيف كانت الطَّريق؟ وقد تنوَّعت بين البراهمانية، الاِنعزال والتَّأمُّل، السّامانا، التّعاليم البوذيّة، الاِنغماس في اللّذّات، التّتلمذ على يد النَّهر والطَّبيعة..
الرِّواية من عصارة خيال هيرمان هسّه، وتُعتبر من روائعه الأدبيَّة الَّتي عكس فيها رؤيته وفلسفته الوجوديَّة، محاولاً حلّ التَّناقضات والجمع بين ثنائيَّة الرُّوح والجسد. إذ جاءت وراء “دميان” وقبل شهيرته “ذئب البوادي” ضمن سلسة أعمالٍ تميَّزت بكونها سِيَر روحيَّة بعد أن أمضى في الهند سنوات عديدة. فنسجها في جوٍّ هندوكيٍّ يعكس عزاءه بالجوِّ الشّرقيّ الذي تُسيطر فيه على الإنسان المِيَل والنُزوع المعرفيّة إلى البحث وراء حقيقة الذّات المطلقة (أوم) أو إيجاد الحقيقة المطلقة في الذّات (الخلاص/النرفانا)، عن طريق التّأمّل، التّعاليم، التّجربة الرّوحيّة، وعن طريق الجسد !
اختار هيرمان لبطله اسم “سيدهارتا”، وقد يلاحظ القارئ المطّلع للوهلة الأولى أن الاِسم مماثلٌ لاِسم أعظم حُكماءِ الهند على الإطلاق -“سدهارتا غوتاما”، المعروف بالمستنير أو بوذا-، فيخطئ ويحسبها روايةً تتناول سيرته. كيف لا وهو رمزٌ للتّجربة الرّوحيّة، للتّأمّل، للحكمة، فهو المعلّم، المستنير غوتاما. ولكن في الحقيقةِ هو اختيارٌ نابعٌ عن معرفةٍ باللُّغة السنسكريتية (الهنديّة القديمة) فسدهارتا تعني “الرّجل الذي بلغ مناله”، إذ يعكس هذا المعنى رحلةَ بطلنا في الرّواية، فهل يبلغ مناله؟ وقد نصحه المستنير بوذا حين تبادلا -في أحداث الرّواية- حوارًا بديعاً عميقًا، فبعد أن اعترض سدهارتا التّلميذ على سدهارتا المعلّم نهْجَهُ بقولِه أنَّ هناك سؤالاً غائبا وجوابًا مستترا، كان ردُّ بوذا بنصيحة:” دعني أحذّرك أنت المتعطّش إلى المعرفة من دغل الآراء وتضارب الألفاظ.” لم يؤمن سدهارتا بالآراء والأسماء، بل بالأشياء فقط.
سدهارتا، وإن جاءت في قالبٍ مليءٍ بالمفاهيم الهندوكيَّة البراهمانية أو التّعاليم البوذيّة، أو الفلسفة الوحدويّة (نظريّة وحدة الوجود بنسختها الهنديّة)، لكنّها تبقى روايةَ كلِّ إنسانٍ يبحثُ عن نفسه، لن نتحدَّث هنا عن الفلسفة والحكمة التي وصل إليها سيدهارتا وهو الذي قال:” الحكمة لا تقبل التّوصيل.. والحكمة التي يحاول الرّجل العظيم توصيلها للآخرين.. تبدو دائماً حمقاء”. وإنّما نحاول أن نقارب عمق التّجربة التي صورّها الأديب الألمانيّ، التي لا شكّ أنّ كلّ قارئ قد يجد نفسه فيها، بضعها أو بعضها، يجد فيها الإنسان المهموم بمواضيع وصراعات الوجود والحقيقة. وقد اِلتمستُ فيها شخصيًّا تشابهًا من حيث هي بطولةٌ للرُّوح، مع اختلافات عَرَضيّة، مع العمل الفلسفيِّ الشّهير في التُّراث العربيّ الإسلاميّ، فريدة ابن سينا “حيّ ابن يقظان“، التي أعاد كتابتها ابن طفيل والسّهروردي، وردّ عليها ابن النّفيس بنصّ مشابه أسماه “فاضل ابن ناطق”، ليبقى الأدب جامعًا للتّجربة الإنسانيّة بتراكماتها المعرفيّة وباختلاف العقول، الدّهور والمشارب، ولكن مؤكِّدًا أيضا على جوهريّتها الفردانيّة!
تدقيق لغوي: منال بوخزنة