بطاقة فنيِّة عن الكتاب
عنوان الكتاب: زناة التاريخ.
اسم الكاتب: رشيد بوجدرة.
الصنف: هجاء.
عدد الصفحات: 126.
الناشر: منشورات فرانتز فانون، تيزي وزو، الجزائر.
سنة النشر: 2018 (طبعة ثانية).
حول الكاتب
رشيد بوجدرة من مواليد 05 سبتمبر 1941 بعين البيضاء، درس الفلسفة والرياضيات في جامعة الجزائر وفي جامعة السوربون. تفرغ للكتابة سنة، حيت خاض حقل الرواية والشعر وكتابة السيناريو، ونشر كتابا هجائيا. وقد نالت أعماله جوائز عالمية ووطنية كثيرة وترجمت إلى 43 لغة.
عن الكتاب
يتمحور كتاب زناة التاريخ للكاتب رشيد بوجدرة حول تحليل تغييب تاريخ الجزائر وتشويهه من طرف بعض المؤلفين والصحفيين والروائيين الجزائريين، فينتقد أعمالهم ويتهمهم بمساندة فرنسا الغاشمة، من خلال جعل اِنتقادهم لبلادهم مهنة وضيعة لأجل إرضاء فرنسا ونيل الجوائز الفرنسية وكذا المناصب العليا، واستشهد بأمثلة عن كره أدباء فرنسيين للجزائري كفولتير وفيكتور هيغو وتشجيعهم للقضاء عليه.
فريال فورون وكتابها “سيدي بوعزيز بن قانة. ملك الزيبان” الممجد لقبيلة بني قانة التي يعتبرها رشيد بوجدرة من بين الأُسر التي باعت الجزائر لفرنسا، سببت صدمة للكاتب، باِعتبار ما ذُكر في الكتاب كله تزويرًا وتلفيقًا في حق التاريخ الوطني (في نظره).
في المقابل، مدح رشيد بوجدرة بعض الصحفيين كَعُمر ورتيلاني وطاهر جاعوط، واعتبرهم مدافعين عن الوطن وعن تاريخه، في حين أنه اتهم بعض المثقفين بالهروب إلى فرنسا بسبب الإرهاب، وتحولهم المقزز من خلال الدفاع عن فرنسا ضد بلادهم (قلبوا الفيستا).
واتهم رشيد بوجدرة “زناة التاريخ” بكراهية ذاتهم وكراهية كل ما له صلة بالجزائر (ص. 35) كبوعلام صنصال، الذي قال عنه أنه تولى مناصب عليا في الدولة، لكنه وبعد تقاعده، بدأ بانتقاد كل ماهو جزائري، بما فيه “الدولة والنظام، الشعب والأنا”، وبيَّن بوجدرة أن بوعلام صنصال عشق المستعمر بطريقة ذكية (ص. 37)، وبرر قبول الفرنسيين لمهاجمة الجزائري لبلاده كنوع من التنفيس عن عقدة الخسارة الشنيعة (1962)، كما أشار بوجدرة إلى أن صنصال يعتبر “أيقونة صهيونية”.
لم يسلم الكاتب ياسمينة خضرة من انتقاد رشيد بوجدرة، رغم إعجابه بأسلوبه الأدبي، إلَّا أنَّه اتهمه بنشر “خرافة التعايش السلمي بين الجزائري والفرنسي” خاصة في روايته “مايفرضه النهار على الليل” وبالأخص الحنين إلى فرنسا.
كما وصف حال رأي وسيلة طمزالي التي عرفها أيام الجامعة “بالعقلية الرجعية” وبأنها تحمل كرها شديدا للجزائر، خاصة بعد اتهامها المخابرات الجزائرية بالتسبب بكل ما وقع أيام الحرب الاهلية الجزائرية. وفي نظره لولا حماية الدفاع الوطني له أيام العشرية لكان اليوم في عداد الموتى، وكذب ما نشرته وسيلة في روايتها “تربية جزائرية” واعتبرها مجرد تلفيق على التاريخ ونفاق اجتماعي خاصة بعد عدم رد فعل المجتمع، الذي يبدو أنه اتفق على هكذا فبركة، هذا ما دفعه إلى تأليف كتابه “زناة التاريخ”.
يوضح رشيد بوجدرة أن الغرب كان له يد في زعزعة استقرار الجزائر والدول العربية، وبأنه وراء كل ما هو “ربيع”، كما لجأ إلى التأثير على الرأي العام من خلال استعمال الافلام لتأكيد هذه الزعزعة.
الكاتب الشهير ألبير كامو كان له نصيب من هجاء الكاتب، يعتبر رشيد بوجدرة كامو كاتبا كبيرا، لكن لديه تحفظا بخصوص مواقفه السياسية، التي يعتبرها رجعية وعنصرية بامتياز، وخاصة دفاعه عن دولة إسرائيل واعتباره لمنظمة جبهة التحرير الوطني منظمة إرهابية، وتغييبه لكل ماهو عربي في أعماله (ص.78).
يقول رشيد بوجدرة عن كمال داوود أنه شخص متآمر مع الصهاينة، ويحاول إرضاءهم، وذلك بالاستشهاد ببعض تصريحاته على القنوات الفرنسية، بعد أن كان شخصا إسلامويا بامتياز أثناء العشرية السوداء، واعتبر فشل “قافلة كامو” دليلا على “الانتصار الوطني للذاكرة الوطنية”.
كما كتب رشيد بوجدرة عن سليم باشي وقال عنه أنه كان شخصا وطنيا حتى بعد هروبه إلى فرنسا بسبب الإرهاب، لكنه تفاجأ بتغيره الملحوظ واتهمه بـ “التشييت” لفرنسا بعد أن نال مناصب راقية في الدولة الفرنسية.
هجى رشيد بوجدرة الصناعة السينيمائية وقال عنها أنها تحاول طمس التاريخ من خلال الأفلام التي لا تقدم صورة واضحة موضوعية وعلمية وحقيقية للتاريخ الجزائري أثناء تواجد الطغيان الفرنسي، ويقول عن المخرجين أنهم يجرون وراء الأموال وبأنهم هم أيضا زناة التاريخ الجزائري.
في الأخير، يوضح الكاتب أن الجزائر بحاجة إلى نخبة حقيقية ونزيهة (ص. 92) تطرح مشاكل الجزائري بكل إخلاص ومصداقية، ويدعو الشعب إلى ضرورة الإبداع الفني والتخلص من التفكير المتحجر، وإلى ضرورة الذكاء، كما أشاد بضرورة الدفاع عن اللغة العربية والأمازيغية وعدم كره اللغة الفرنسية كلغة ولكن ككيان سياسي.
كما أشاد ببعض الأقلام والفنانين الأجانب كروني فوتيي وبابلو بيكاسو وجيروم فيراري وسارتر، وكذا بعض الأعمال السينيمائية كمعركة الجزائر وريح الأوراس والتي اعتبرها ردًّا قويا على ما يقوم به زناة التاريخ اليوم.
ووضح الكاتب أن كتابه جاء أساسا كرد فعل على فضيحة فريال فورون ابنة عبد العزيز بن قانة الذي وضح أنه قتل بسبب تواطئه مع المستعمر، لذا كان دور البنت أن تبرِّئه وتجعله بطلا قتل عمدا، وكذا كتابات صنصال وكمال داود، وكرد فعل لصمت الصحافة الوطنية أمام هذه الجرائم الشنيعة ضد تاريخ الجزائر.
كما أشار رشيد بوجدرة في نهاية كتابه هذا إلى مقلب الكاميرا الخفية التي وقع فيها، واعتبرها مؤامرة ضده، كما يقول أنه يقدر الدور الذي قامت به لجنة تضامن بعض المثقفين معه بعد هذه الحادثة، وعبر عن تعجبه وامتنانه لتضامن السعيد بوتفليقة لما حدث معه، عكس من كان يعتبرهم أصدقائه. في حين قدم تعقيبات على الطبعة الأولى من هذا الكتاب في الصفحات الأخيرة، وكانت عبارة عن إضافات لما لقيته الطبعة السابقة موضحا موقفه أكثر.
ما لمسناه من أسلوب الكاتب رشيد بوجدرة هو استعمال الاسلوب السهل الممتنع لتبليغ أفكاره، إلى جانب النزعة القومية التي لطالما ميزت أعمال الكاتب، كما تميزت العديد من المفردات في هذا الكتاب بالقوة والقسوة أحيانا (خيانة، الخائن، الإقطاعي، الدموي، شيات، قمع، السفاك، البيوع، خبث، زناة، شوه، المخربون، جاهل، قذر، مهووس جنسيا،تزوير، الدنيئة، الخ)، تعمد الكاتب استعمالها لايصال صدمته من زناة التاريخ، ورفضه أن يُزَور تاريخ الجزائر بهذه الطريقة الشنيعة ومن طرف أبنائه، واقتبس بعض العبارات من القرآن ك “بهت الذي كفر” و”عاث في الأرض فسادا” لتقوية المعنى الذي يريد إيصاله إلى القارئ. لكن لاحظنا بعض الأخطاء اللغوية، التي لن نستطيع تبرير سببها، مثل “قد أصابه مسا من الجنون” (ص. 40)، و “يغمرك شعورا بالغضب” (ص. 40)، “فهي تختلف تمما” (ص. 50)، “هو السبب الأساسي الذي فتح الباب لكل زناة التاريخ ليعبثون فيه ويمسخونه” (ص. 91)، “قتلتنا الردة واللامبالات والانانية!” (ص. 93)، “ومات فيها آلاف من الجنود الفرنسيين هكذا هباء، غباء!” (ص. 102)، ” جعل من النساء الجزائريات مومساة” (ص. 103)، “أما أنا فقد أردت من خلال هذا الكتاب (زناة التاريخ) تقديم إنذارا بالخطر”(ص. 126).
هذا الكتاب هو موجه لكل شخص مهتم بتاريخ الجزائر، من خلال الاطلاع على بعض حقائقه من زاوية مختلفة ومعرفة قراءة رشيد بوجدرة له، وتسليط الضوء على ما يراه تزويرا في حق التاريخ بهدف إرضاء المستعمر الغاشم.
تدقيق لغوي: منال بوخزنة.
تعديل الصورة: عمر دريوش.