الروايات الخفيفة أو الرانوبي: لماذا لا تنتشر مثل المانغا والأنمي!

في ظل واقع ثقافي متواضع في بلداننا العربية اليوم، وعلى شمس ما توفره الإنترنت والتكنولوجيا من انفتاح ثقافي على المجتمعات الإنسانية، شهدت السنوات الأخيرة الماضية انتشارا والتفاتة مذهلة نحو أحد أوجه الثقافة اليابانية، من قبل مجتمعاتنا العربية، فلا شك أن أغلب رواد مواقع التواصل الاجتماعي من جيل التسعينات -وما بعدهم!- سمع بالمانغا والأنمي الياباني، وإن كنت منهم فلا بد أن عناوين من مثل: ناروتو، وون بيس، هجوم العمالقة، بليتش، مذكرة الموت، وغيرها الكثير، قد مرت عليك!

لسنا هنا بصدد دراسة أو تقديم رأي عن أثر انتشار ثقافة الأنمي والمانغا اليابانية وما روجت له من أفكار، أو بصدد التقديم لها ولمميزاتها، بل نحن بصدد تسليط الضوء على عنصر مهم غائب في المشهد العربي، هو بمثابة الضلع الرابع الأقل شهرة من مربع الترفيه الياباني، والذي هو أحد أبرز السرديات التي تميز الأدب الياباني اليوم:

“الروايات الخفيفة – Light Novel – ライトノベル – raito noberu”

الروايات الخفيفة (رايتو نوبيرو أو الـ: رانوبي – ranobe اختصارا)، هي نوع كتب ياباني، يمكن وصفه بـ”الحديث”، موجه لنفس ديموغرافيا الأنمي والمانغا وألعاب الفيديو، أي للبالغين الشباب وطلاب المدارس المتوسطة  والثانوية، وهي نصوص أدبية تأتي مع صور (Illustrated) وتنشر على شكل كتاب جيب، قابل للنقل وبسعر زهيد. ولعل أقرب تشبيه لفهم الرانوبي هو أن نتخيل مانغا يتم التخلص من 95 بالمئة من الرسومات فيها وتعويض المشاهد، الصور والحوارات بنصوص أدبية ذات جوهر سردي.

محل لبيع الروايات الخفيفة – A Light Novel Store

ما يميز الروايات الخفيفة هو أنها تحمل جوهر كل من المانغا والأنمي وألعاب الفيديو مجتمعين، كما تحمل على الصعيد الأدبي حوارات ثقيلة وحبكة سهلة المتابعة رغم أنها تتنوع بين الدراما المدرسية والخيال العلمي والفانتازيا، وهذا ما جعلها تحصل على شعبية كبيرة في اليابان في العقدين الأخيرين.

ويعتبر 2006 عام الانفجار بعد النجاح الساحق الذي حققته سلسلة هاروهي سوزوميا، الأمر الذي جعل عدد الناشرين والقراء وكتاب الرانوبي على حد سواء، في ارتفاع مفاجئ. عامل آخر له يد (سبب ونتيجة) لهذا النجاح، هو  أن الكثير من الروايات الخفيفة أصبحت مصدرا تقتبس منه المانغا والأنميات وألعاب الفيديو، وهذا معرض لبعض الأمثلة من الرانوبي التي حولت إلى أنمي.

في العام 2007  بيعت حوالي 30 مليون نسخة منشورة في اليابان فقط، ويرجح أن هذا الرقم قد تضاعف مرات ومرات، خاصة مع حركة الترجمة للإنجليزية والنشر في الولايات المتحدة. ونظرا للطلب الكبير على هذا النوع الأدبي، أصبحت تقام فيه الكثير من مسابقات الإبداع الكتابي في اليابان (أشهرها مسابقة دنغكي)، حيث تبحث الشركات الناشرة على مواهب جديدة على الدوام، من خلال تلك المسابقات أو من خلال بعض مواقع الإنترنت التي يكتب فيها بعض الهواة، وللحقيقة، خرجت من أمثال هذه المواقع أعمال حققت نجاحا كبيرا مثل: أكاتسومي ناتسومي، ناغاتسوكي تابي، تونو ماماري..وغيرها.

حقيقة مضحكة عن الروايات الخفيفة هو أنها تتمتع بعناوين طويلة جدا، وهذا مثال مختار بعبثية: “Boku no Imouto wa Kanji ga Yomeru”، وإذا كنت من متابعي الأنمي فربما لاحظت أن الكثير من العروض الجديدة معنونة بهذه الطريقة! ونذكر هنا الأنمي الشهير: “yahari ore no seishun love come wa machigatteiru”، والذي هو بدوره مقتبس من رواية خفيفة ( انظر الصورة الأولى من المعرض فوق ).

يرجع طول العناوين لسببين رئيسيين: الأول أن القراء يتكاسلون عن قراءة الوصف الذي يأتي خلف الغلاف، لذلك يكون العنوان طويلا ليعطي فكرة عما يدور داخل الكتاب ويعطي انطباعا جيدا حوله. أما السبب الثاني فهو الانتاج الكبير لهذا النوع الأدبي، لذا تكون العناوين الطويلة -والتي تصف وتلمح للقصة- في العادة هي المميزة.

جدير بالشرح أن الروايات الخفيفة تنشر بعد أن تسلسل غالبا، في مجلات أدبية أو إعلامية، وتأتي  في حدود 50 ألف كلمة، وتطبع بحجم بونكوبون – bunkobon (كتب في اليابان تأتي على هيئة كتب الجيب) أي بأبعاد 14.8 سم × 10.5 سم، وتتميز بجدول نشر مكثف جدا، وبعضها يأتي في أجزاء كثيرة، وكما أشرنا سابقا فبالرغم من أن هناك حركة ترجمة ونشر كبيرة لهذه الكتب في الولايات المتحدة ما جعل الطلب عليها كبيرا جدا عالميا، إلا أنها لا تحظى بنفس النجاح عربيا.

الشكل الذي تنشر عليه الروايات الخفيفة ( الصورة لإحدى أشهر السلاسل التي تم تحوليها لأنمي)

وهذا يأخذنا مباشرة إلى مشروعية سؤال: لماذا تغيب ثقافة كل ما هو للقراءة عن الشاب العربي؟ -فرغم الانتشار الواسع لمفهوم الأوتاكو إلا أنه يبقى حبيس الأنمي والمانغا (والتي يتابعها جزء كبير، فقط من أجل إتمام قصة أنميات تعرضت للفصول الأولى منها)- وهل غياب هذا النوع الأدبي عن واقع النشر العربي والجزائري هو إهمال من الناشر وقلة وعيه وفهمه لجيل اليوم وتأخره في عجلة مواكبة العالم؟ خاصة مع وجود مشاريع “كتب جيب” تعد بتغيير التقاليد الأدبية!، أم هو غياب تابع لشلل حركة الترجمة لدينا؟ وإن كان كذلك فلماذا لا يتم استغلال المواهب التي تقوم بترجمة عشرات الفصول من المانغا على المدونات ومواقع التواصل الإجتماعي؟

يمكننا هنا أن نشير لهيئة نشر جزائرية وحيدة معروفة في الساحة Laabstore Z-link، والتي تصدر سلسلة مجلات وقصص مانغا من كتابة ورسم مواهب جزائرية صرفة، ورغم بدايتهم من الأفق الفرونكفوني ( اللغة التي تستعملها الدار في مجلتها وإصداراتهم للمانغا) إلا أنَّهم في العامين الأخيرهم قدموا إنتاجاتهم من المانغا بنسخ عربية. ليس من الغريب أن تغيب عن الدار الروايات الخفيفة، وليس من الغريب أيضا إهمال المثقفين والكتاب لهذه الدار وعدم الإشارة إليها وتثمينها رغم أنها تحظى بإقبال كبير جدا من المراهقين في معرض الكتاب وخارجه.

أخيرا، إن الروايات الخفيفة هي ثورة ونتيجة منطقية في السياق الياباني، غيرت وتغير واقع القراءة والترفيه لدى المراهق والشاب هناك، وشخصيا من تجربتي المتواضعة في عالم الترفيه الياباني يمكنني أن أقول أنني استمتعت بقدر أكبر من الروايات الخفيفة على المانغا، فهل آن الوقت لك أن تجربها؟

تدقيق لغوي: منال بوخزنة


المصادر: هنا، هنا، هنا

كاتب

الصورة الافتراضية
Omar Driouech
المقالات: 0