بين المقاومة السلمية والعنيفة، ما الذي تقوله الدراسات؟

في ظل ما يجتاح العالم العربي مؤخرا من ثورات للشعوب ضد أنظمتها الاستبدادية والشمولية، وما انجرّ عن هذه الأخيرة من ثورات مضادة مصدرها الدولة العميقة للأنظمة الديكتاتورية، بات من الصعب الحكم على هذه الثورات بالنجاح أو الفشل في تحقيق أهدافها، وما يزيد في صعوبة تقديم هذا الحكم هو الاختلاف والخصوصية في تركيبة كل نظام عن الآخر (مع أن كلها تشترك في صفات الفساد، فإن ايديولوجياتها وتركيباتها قد تختلف). فما نجح في تونس مثلا لم يدم نجاحه في مصر لوقت طويل، كما أن الأمر لم ينجح لحد الساعة في سوريا، ولم تستمر سلمية ليبيا إلا يومين لتتحول إلى مقاومة عنيفة مبهمة النتائج عدا في عدد الخسائر البشرية والمادية ! من هنا يطرح السؤال الآتي:

أي نوع من المقاومة ضد هذه الأنظمة هو الأكثر نجاعة في تحقيق الأهداف المرجوة، السلمية أم العنيفة؟

في هذا المقال سنتناول هذا الموضوع مستأنسين بدراسة حديثة كانت ثمرتها كتاب لماذا تنجح المقاومة المدنية – why civil resistance works لـ: إيريكا تشينويث وماريا ج. ستيفان.

قد يبدو الجواب على سؤالنا واضحا بسيطا، فـ”ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة” خاصة إذا كنت تطلبه من جهات في أغلب الأحيان ذات عقيدة أو خلفية عسكرية لا تؤمن إلا بالقوة كوسيلة للحوار. ومع أن إيريكا تشينويث -المشرفة على هذه الدراسة- تقول أن بداياتها كانت من إيمانها بجدوى العنف بسبب الدراسات والنظريات السائدة في الميدان العلمي والأكاديمي، التي تشيد بفاعلية العنف في النضال السياسي، إلا أن نتائج دراستها هذه جعلتها تتحول إلى النقيض، والإيمان بجدوى المقاومة المدنية اللاعنفية، فلماذا يا ترى؟

بدأت تشينويث دراستها بالنظر في البيانات المجمعة عن الأنشطة الرئيسية (هامش: الأنشطة الرئيسية التي طالبت فيها المقاومات بأهداف كبيرة مثل تغيير النظام) لكل من المقاومات العنيفة والسلمية (هامش:  تقول أنها لم تكن متوفرة، فعملت عليها لمدة سنتين من أجل توفيرها للدراسة) التي سجلت في الفترة ما بين 1900 وحتى 2006 ( أكثر من 324 مقاومة) ، من أجل الوصول لإجابة شافية لهذه المعضلة، وأظهرت نتائج هذه الدراسة أن النوع السلمي من المقاومة قد أثبت نجاعة ونجاحا بنسبة 53 في المائة مقابل 26 بالمائة ،فقط، لصالح المقاومة العنيفة، أي بمقدار الضعف، فما سبب هذا التفاوت الصريح بين النوعين؟

بيان (1): يوضح بالمقارنة نسبة النجاح بين المقاومات العنيفة (بالأحمر) والسلمية (بالأزرق)

ترى الباحثتان إيريكا وماريا أن هناك سببين رئيسيين لهذا النجاح:

أولا: الإلتزام بالسلمية كمبدأ للمقاومة يعزز من شرعيتها على المستوى الداخلي والخارجي كما يشجع الآخرين على الإنخراط في صفوفها، فتكون كبيرة العدد ومتنوعة المشارب. ما بدوره يؤدي إلى زيادة الضغط على الأنظمة محل المقاومة.

ثانيا: من السهل على الأنظمة الشمولية أن تتهم المقاومة اللاسلمية بالإرهاب ما يمنحها نوعا من الشرعية في استعمال ردود بالغة العنف ضد المقاومة المسلحة، الأمر الذي من شأنه أن يضعف المقاومة بل وقد يقضي عليها.

هناك أسباب أخرى يمكن إيجازها في بعض النقاط المهمة:

  • المظاهرات السلمية تكون كبيرة العدد والتنوع، كما أنها تعتمد على نشطاء غير حكوميين تكون الأعداد الكبيرة من الجماهير قوة مساندة لهم، بينما يحتاج النظام إلى دعائم ثقات يطبقون الأوامر، ولكن في الغالب ينجح الحراك المدني في زعزعتهم.
  • المقاومة السلمية لا تهاجم النظام الذي تسعى للإطاحة به من الأعلى، إذ يكون إسقاطه بتفكيكه، بينما تكون المقاومة العنيفة موجهة لأعلى السلطات.
  • نقطة أخرى وهي أن المقاومة العنيفة تحمل معها أوجها من العوائق، فيزيائية/جسدية، معلوماتية، معرفية وأخيرا الإلتزام، في المقابل تغيب هذه العوائق عن المقاومات المدنية التي دوما ما تجد مخارج.

كل هذه الأسباب جعلت المقاومة المدنية السلمية تصبح وسلية فعالة تزداد نسبة نجاحها مع مرور الأيام ( بيان (2) )

بيان (2): يوضح نسبة نجاح المقاومات السلمية (بالأزرق) العنيفة (بالأحمر)، ارتفاع نسبة نجاح المقاومات السلمة واضح جدا مقارنة بالمقاومات العنيفة.

انقسم البحث إلى ثلاثة محاور رئيسية:

القسم الأول: تناول الموضوع الرئيسي ( المنطق الاستراتيجي للمقاومة السلمية ).

القسم الثاني: تم تقديم مجموعة من البيانات وعرض للنتائج التجريبية الأولية.

القسم الثالث: تناول بالدراسة 3 حالات للمقاومة السلمية واللاسلمية في جنوب شرق آسيا. ( سيتم تناولهم في مقال مستقل عن هذا الذي بين أيدينا )

في القسم الأخير تم تقديم بعض التوصيات.

المنطق الاستراتيجي للمقاومة السلمية:

أولا. ما هي المقاومة السلمية: هي كل نشاط مدني يستخدم في إطار الصراع مع السلطة من خلال وسائل اجتماعية، نفسية، اقتصادية أو سياسية من دون استعمال العنف أو حتى التهديد باللجوء إليه. على سبيل المثال قد تكون المقاومة السلمية على شكل إضرابات، الامتناع عن المشاركة في نشاطات سياسية كالانتخابات، أو اقتصادية كعدم دفع الضرائب أو مقاطعة منتوجات اقتصادية.

كما ينبغي التنويه إلى التمييز بين المقاومة السلمية الاستراتيجية وبين تلك القائمة على مبادئ كالتي تستند على أوامر دينية او أخلاقية تنص على نبذ العنف وعدم استخدامه.

ثانيا. لماذا المقاومة السلمية: قد يرى الكثير أن أساليب المقاومة العنيفة هي ما يجبر الأنظمة على تغيير سياستها وتقديم تنازلات على أرض الواقع، وعلى سبيل المثال فهناك من لازال يعتبر أن الوسائل الإرهابية من أنجع الوسائل لفرض التغيير. لكن وعلى النقيض من ذلك فقد أثبت ماكس أبراهامز أن معدل نجاح الإرهاب جد منخفضة ولا تصل في أحسن الأحوال لأكثر من 7 بالمائة، لهذا فالمقاومة السلمية تتفوق على نظيرتها اللاسلمية في شيئين أساسيين:

أولا: قمع المقاومة السلمية له آثار عكسية (backfire) تؤدي في أغلب الأحيان إلى تقوية هذه الأخيرة ومنحها المزيد من الشرعية (بسبب التعاطف الداخلي والخارجي) كما تؤدي إلى عزل الأنظمة محل المقاومة على المستوى المحلي والدولي وفرض عقوبات عسكرية واقتصادية وسياسية عليها.

ثانيا: تبقى المقاومة السلمية أكثر انفتاحا وقابلية للمفاوضة لأنها لا تهدد حياة الأنظمة ولا رفاهيتها.

الفرضية والاختبار:

تم اختبار ثلاث فرضيات في هذه الدراسة، وهي بالترتيب:

بيان (4)

1- استعداد النظام لاستعمال العنف ينعكس بالإيجاب على نجاح المقاومة السلمية وبالسلب على نظيرتها التي تتبنى العنف كمنهج.
2- تتميز المقاومة السلمية بقدرتها عل تحويل الولاء لصالحها داخل قوات الأمن.
3- العقوبات الدولية والدعم الخارجي يفيد أكثر المقاومة السلمية وليس العنيفة (مع أن البيانات توضح أن هذه الأخيرة تحظى به بشكل أكبر – البيان (4) ).

في الأخير، نخلص من هذه الدراسة إلى التأكيد بما لا يدع مجالا للشك أن المقاومة السلمية بمختلف أساليبها تبقى تمتلك فرصا أكبر للنجاح وتحقيق أهدافها الإستراتيجية مقارنة بالمقاومة العنيفة، كما أكدت أيضا على أن العامل المشترك لحملات المقاومة الناجحة هو تمكنها من إحداث تحول في الولاء في صفوف مؤسسات الأمن وكذا المؤسسات المدنية لصالحها.تجدر الإشارة في الأخير إلى عامل مهم آخر وهو علاقة عدد المشاركين في المقاومة مع إحتمالية نجاحها وتحقيقها لديمقراطية أكثر، والذي وجدته الدراسة أنه كلما زاد العدد في المقاومة المدنية تزيد نسبة نجاحها ( تقريبا خروج 10 بالمئة من إجمالي السكان كفيل بتحقيق المطلب) بينما زيادة الأعداد في المقاومة العنيفة يبقى إحتمال 50/50 نجاح أو فشل لتحقيقة ديمقراطية أكثر في البلد ( بيان (3) ).

بيان (3): تأثير زيادة العدد على إحتمال النجاح

مصادر: 1،2 بالإضافة إلى كتاب why civil resistance works.

إعداد: زين العابدين لطرش وعمر دريوش
تعديل الصورة: طارق ناصر. كل الحقوق محفوظة للمالكين الأصليين للصورة. 2algeriantravel

كاتب

الصورة الافتراضية
Omar Driouech
المقالات: 0