لاشك أن العلمانية -كما عُِرفت- هي خصوصية فرنسية محضة، بل مفهوم دعا إلى فصل الدين (الكنيسة) عن شؤون الحكم والسياسة، استنادا للقانون الفرنسي الذي صدر عام 1905، لكنها غير مفهومة بدورها في بريطانيا التي تسمح للشرطيات وموظفات الجمارك بارتداء الحجاب، ولا في الولايات المتحدة الأمريكية التي لا يمكن للرئيس فيها أن ينتخب دون أن يتكلم عن الله، بالرغم من أن هذين البلدين ديمقراطيين.
هذا الطرح السابق يسوقنا إلى القول بأن هناك مشكلة بارزة في مسألة العلمانية، تتعلق بخصوصية العلاقة بين الدنيوية والعلمانية، في هذه الحالة لابد من التمييز بين الدنيوية التي تجعل الفرد يتحرر من أي مقدس ديني دون معارضته أو رفضه أو انكاره، وبين العلمانية التي تجعل الدولة تقصي الدين إلى ما وراء الحدود التي يرسمها القانون، وترفض تدخله في شؤون الحكم.
قد نصادف بدورنا بلدانا دنيوية لكنها ليست علمانية محضة، مادامت تدين بديانة رسمية كبريطانيا مثلا أو الدانمارك (المسيحية البروتستانتية)، ويعتبرها الدستور الدين الرسمي للدولة، أو قد تكون بلدانا علمانية تؤكد فصل الدين (الكنيسة) عن الدولة، لكنها تعترف بالدين في دواليب الحكم والسياسة، كالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، حيث أن المحكمة العليا الأمريكية فرضت مؤخرا صلاة “تحت نظر الله” تتلى في المدارس، وكتركيا اليوم التي ليست لديها مرجعية دينية (إسلامية) في الحكم أو تطبيق القانون، لكنها لا تعترف بفصل الدين عن الدولة، مادام الأئمة اليوم في تركيا موظفون لدى الدولة شأنهم في ذلك شأن القساوسة في الدنمارك؛ لهذا علينا دائمًا أن نميز بوضوح الفرق أوذاك التذبذب بين الدنيوة التي يتحرر فيها المجتمع من المقدسات الدينية دون رفضها وإنكارها بالضرورة، وبين العلمانية التي تجعل الدولة تقصي الدين وتبعده من الدائرة السياسية إلى ما رواء تلك الحدود التي ترسمها هي بحكم القانون العام للبلاد.
إعداد: زيد مراد
تدقيق لغوي وتنسيق: بشرى بوخالفي
رأي الكاتب لا يعبر بالضرورة عن سياسة النقطة الزرقاء