الرشادة العالمية هل هي غطاء العولمة؟

جاء الحكم الراشد للقضاء على هرمية الحكم التقليدي في عملية اتخاذ القرار السياسي، ولكي يسعى إلى تأسيس دولة القانون وفق نظام مؤسسي ديناميكي.

وهذا المصطلح تتخالف الترجمات له؛ بين الحوكمة أو الحاكمية، فهي مصطلحات غربية تم التقعيد لها لتطبّق على نُظُم الدول النامية التي تعاني من تفشّي الفساد في القطاعين السياسي والاقتصادي، ما يعيق هذه الدول من تسويق منتجاتها بالشكل اللائق.

لذا تم إحياء هذا المصطلح لتحقيق التنمية وكذا تحقيق الرشادة في الحكم من خلال الفواعل الثلاثة التي تدير شؤون الدولة وهي: السلطة، المجتمع المدني، والقطاع الخاص.

جاء تعريف الحكم الراشد بحسب الأمم المتحدة وبرنامج الإنماء التابع لها بأنه يعني: ممارسة السلطة السياسية لأعمالها ضمن معايير محددة تفضي بتحقيق التنمية المستدامة وتنمية الموارد القصيرة وطويلة الأمد، وتوفير شروط النزاهة واحترام المصلحة العامة والمحافظة عليها.

كل هذا على المستوى المحلي للدولة وحلّها لأزماتها الخاصة بها، لكن بالنسبة للقضايا التي تخص البشرية جمعاء أو القضايا المصيرية فقد برز لها هذا المفهوم بمستوى أعلى وهو العالمية.

بعد الحرب الباردة ونهاية الثنائية القطبية، برز مفهوم جديد لتغطية حاجيات الدول والتخلص من الأزمات الناتجة عن ذلك، سواء الأزمات السياسية على المستوى الشمالي الأفقي (شرق – غرب) أو الأزمات الاقتصادية على المستوى الشمالي الجنوبي (عمودي) ،وتوفر الموارد في دول العالم الثالث؛ فكانت العولمة التي تعني:

انفتاح الأمم على بعضها، وزيادة التعاون والاندماج الدوليين، وتوطيد العلاقات بين البلدان، والجلوس على الطاولة المستديرة لمناقشة الأزمات العالمية التي تواجه البشرية ككل.

وهنا برز مفهوم جديد وهو الحوكمة العالمية لمعالجة هذه الأزمات وحلّها بالطرق الصحيحة، إنّ الرشادة العالمية هي عملية للقيادة التعاونية تجمع الحكومات، الوكالات العامة متعددة الأطراف، والمجتمع المدني، لتحقيق أهداف يقرّها وتصبّ في مصلحة الجميع، وهي توفر توجيها استراتيجيا ثم تحشد الطاقات الجماعية لمواجهة التحديات العالمية، ولكي تكون فعّالة ينبغي أن تكون شاملة وقادرة على تخطي الحدود والمصالح القومية والقطاعية.

وقد تم تقديم مصطلح “الحوكمة العالمية” للاستخدام من قبل براندت ( brandt ) وزملائه  من لجنة الحوكمة العالمية “The Commission on Global Governance” التي تأسست سنة 1992 بمساعدة منظمة الأمم المتحدة، وتتألف من 28 ممثلًا من مختلف بلدان العالم.

كان الهدف الأساسي من تأسيس هذه المؤسسة الدولية هو كشف وتحليل القوى الدافعة للاقتصاد العالمي، وكذا نَمْذَجَةْ بنية النظام العالمي بما يتوافق والعمليات العالمية المعاصرة، وإعداد التوصيات فيما يتعلق بتحسين النظام العالمي.

وكما في الحكم المحلي فواعل فإن للرشادة العالمية فواعل تساهم في الوصول إليها، تَبرز من خلال رفع مستوى الفواعل المحلية إلى العالمية، فالمجتمع المدني العالمي نجده يضمّ المنظمات الدولية الحكومية مثل صندوق النقد الدولي، بينما القطاع الخاص العالمي يضم المنظمات غير الحكومية مثل الشركات متعددة الجنسيات، وهي أيضا خاضعة لعدة معايير يجب توفرها حتى تتحقق غاياتها، من بينها:

التعاون والذي يعني أن أدوات الحوكمة العالمية لابد من أن توجَه نحو تعميق التعاون، مما سيوفّر الاستخدام الكفء للموارد، وضمان الثقة بين المشاركين في القرار.

التضامن وهو تشكيل مجتمع عالمي وأنواع عديدة من المنظمات والحركات الاجتماعية التي تمثّل آلية ثابتة لدعم التنمية الديمقراطية، حيث تساهم في فهم المشكلة، وأيضًا تبعية المنظمات وضمان الشفافية في صنع القرار.

وأخيراً: التنوّع الثقافي، والذي يعني أنه، وبهدف اتخاذ قرارات أكثر مرونة وعالمية على كل مستويات الحوكمة، يجب على المجتمع العالمي أن يأخذ بالحسبان التنوع الثقافي للدول.

ترتبط الحوكمة المحلية بالحوكمة العالمية كارتباط السبب بالنتيجة، فلا يمكن أن نحقق رشادة عالمية ما لم نحقق رشادة محلية، وما يجعل الدول المسيطرة مؤهلة لتسيير نظام الحكم العالمي هو تحقيقها لرشادة محلية، كما أن الحوكمة العالمية هي صورة مكبرة عن الحوكمة المحلية، فنجد أن الأطراف أو الفواعل وكذا المجالات بين الحوكمتين هي نفسها فقط باختلاف المستويات؛ فالأولى مستواها عالمي والثانية محلي، بمعايير خاصة بكل مستوى.

وترتبط الرشادة العالمية بدرجة أولى بالأزمات التي تعني البشرية جمعاء، فنجد أنه يكثر الحديث عنها في البيئة العالمية كقضية ثقب الأوزون، وذوبان القطبين، الفقر، ندرة الماء، الحروب.. وما إلى ذلك من أخطار تهدد البشرية مستقبلا.

وفي الختام ومن خلال ما سبق نجد أنّ الحوكمة أو الرشادة العالمية التي يسعى العالم إلى تحقيقها ما هي إلا صورة لانعكاسات الأزمات الغربية، وحتى يسود الغرب العالم أسَّسَ لهذا المفهوم، وقعَّد له، حتى نتج عن ذلك عولمة أو سيادة العالم تحت سلطة واحدة، كما قال الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية: “الآن يجب أَمْرَكَة العالم”.

فالعالم اليوم يسير تحت سلطة هي الغالبة وهذا مناف لمفهوم الرشادة العالمية المراد الوصول إليه

قائمة المراجع :

_ أناتولي بورشنيك، يوليا غايدي، خلق الشروط المؤسسية المسبقة لنظام الحوكمة العالمية، ت/ خير شهرزاد .

_ غسان علي سلامة، الحوكمة في ظل العولمة، جامعة الجنان ،طرابلس، لبنان،1433/2012م .

_ جيمس بوتون، كولون برادفور، الحوكمة العالمية قوة فاعلة جديدة، ديسمبر 2007م .

التدقيق اللغوي: حمزة فؤاد مطيبع

رأي الكاتب لا يعبر بالضرورة عن سياسة النقطة الزرقاء

كاتب

الصورة الافتراضية
Meghadecha Abir
المقالات: 0