بطاقة فنية للكتاب:
العنوان: دماء متنكّرة
الكاتب: فاروق القليعي
دار النشر: دار الخيال، الطبعة الأولى 2019
عدد الصفحات: 98 صفحة
النوع الأدبي: رواية بوليسية
المكان: مدينة هانيبال بولاية ميسوري الأمريكية.
الشخصيات الرئيسية:
– ألانزو
– فيديليو
– باولا
– مورينو
عن الكاتب:
فاروق القليعي صاحبُ العشرين عاماً، طالبٌ جامعي جزائري، يقطن بمدينة عين الدفلى. كاتبٌ في بداية مشوراه، حيث يُعتبر هذا الكتاب ثاني أعماله، بعد كتاب (شباب في غياهب الوطن). يمتاز قلمه عادة بالبساطة ووضوح الفكرة.
عن الكتاب:
يجرجر نفسه نحو فنادق الأرواح ..
ص. 41
في ثمانٍ وتسعين صفحةً، يكتب فاروق القليعي رواية بوليسية، في قالب يشبه الكتابة السّينمائية، بعنوان (دماء متنكّرة).
يخُطُّ لنا القليعي بريشته زخرفةً نصيّةً، بأسلوبٍ شاعري وتفصيلي، مستخدماً في ذلك تقنيات الضّبط وموهبته في تصوير المشاهد السينمائية، ومعتمداً على السرد. ليُخرج لنا مشهدًا مقتطعًا من حياة ألانزو، بطل الرواية.
بهدوءٍ تامٍّ لباولا، وببساطة يومٍ روتينيٍّ من حياة أمّ أمريكية ترعى ابنها الوحيد، بعدما تخلّى عنهما أبوه، يستهلّ الكاتب روايته؛ مبحراً بنا بعدها في جوٍّ من التّوتر والقلق الجميل، ما يجعل الأحداث تتسابق وتتسارع، ولا يمكن التّنبؤُ بها.
في مضمون الرواية:
الرواية خالية من الابتذال، وبها الكثير من التّذبذب في الأحداث، فالكاتب ينقلك من حالة نفسية هادئة إلى أخرى سوداوية، ومنها إلى حالة من فورانِ الغضبِ النّاتجِ عن الرغبة الجامحة في الانتقام. الرواية فيها نوع من التّسارع العنيف، الذي يبقي لك عدة تساؤلات كقارئ، وصولًا إلى النّهاية المفتوحة غير المتوقعة.
عالجت الرّواية عدّة مواضيع اجتماعية وأخرى سيكولوجية، كموضوع الأنوميا (حالة الاضطراب والقلق لدى الأفراد، الناجمة عن انهيار المعايير والقيم الاجتماعية، أو عن الافتقار إلى الهدف والمُثل العليا)، التي مثّلها في إحدى العصابات التي تستمد أوامرها من رئيسها، هذا الأخير يأمرهم أحيانًا بقتل إحدى الجماعات، وهو ما وقع فيه ألانزو، حيث تم اختبار ولائه عن طريق قتل شخص آخر.
وكأنّك قتلت روحَك يا ألانزو.. ومن قتل نفسه مات الناس جميعًا بداخله
إنه بين الحفاظ على نقاء روحه والرحيل، أو تلطيخها بما ليس له حق فيه والبقاء
تناول الروائي الشاب أيضا موضوع الأسرة ومدى كارثية نتائج تفكّكها، ليس على الأسرة فقط بل حتى على المجتمع. أشار كذلك لرؤيته عن القدر، حينما قال’’عجلة القدر تدور ولا تتوقف أبدً‘‘. وعمومًا، حظيت الرواية بمعالجة كمٍّ هائلٍ من المشاكل الإنسانية، ممّا قد يجعل القارئ يجد نفسه في جملة أو في أخرى.
في الحقيقة أجاد الروائي ربط شُخوص الرواية نفسيًّا في نسقٍ واحدٍ، إذ ما حرّك ألانزو مثلا هو الانتقام، وما حرّك فيديليو الذي ساعده هو رؤيته لنفسه في ألانزو، وهكذا مع كل الشّخوص الثّانوية. هذا الارتباط النّفسي مع التّفاصيل الكثيرة هو ما جعل رواية ”دماء متنكّرة“ ذات بعد جمالي وفني.
لم يترجم الكاتبُ الواقعَ الغربيَّ في رواية عربية اعتمدت على المشهد السّينمائي السّردي، بل كانت لوحتُه مليئة بالرّمزيّات العربية، كالقهوة وإشارات اليد، كأنه يريد أن يرويَ لنا مشهدَ الشّارع العربي الإجرامي تحت قناعٍ أمريكي. قد يتعجّب البعض من هذا الكلام، ولكنّ ما يلاحظ في بعض الشّوارع الإجرامية شبيهٌ إلى حدٍّ ما بما قاله الكاتب.
إنّ كاتب الرواية؛ أو كما سمّاها ألبير كامو: الفلسفة المصورة، قد صوّر لنا فلسفة البقاء للأقوى في طابع سرديّ بسيط. إلّا أنّ الطّابع المختلف والحقيقي لهذه الرّواية قد يجعلها عرضةً للنّقد وعدم القبول، خاصة من القرّاء الحالمين (الطّوباويّين*).
أما بخصوص أسلوبها اللّغوي فقد كانت بسيطة وخالية من التّعقيد، ما يجعلها قابلة للقراءة من طرف كل الأوساط.
لكنّ الكاتبَ لم يوفق لغويًّا في بعض الأسطر، حيث أنّه أضاف لونًا تفصيليًّا ما جعل بعضَ الجملِ مملّةً ومُتَوقَّعة، ولكنّها كانت كالمحطة التي تخطفها مشاهدُ سرديةٌ أخرى.
المظهر الشكلي للرواية:
إنّ الكاتب يرتبط دوماً بقلمه، ولكنّ قلم كاتب هذه الرواية لم يدم بقاؤُه و تأثيرُه طويلًا على ذاتِ القارئ أو المتلقّي، فكتابة روايةٍ من 98 صفحة، بمواضيعَ متشعّبة، يمكن اعتبارُه نوعًا من الضّغط اللّغوي الكثيف في حق أفكارٍ تناولها ولم يُكثر الحديث عنها. كان الروائيّ كالذي يشير إلى الأكل ولا يطعمك منه. كأنه يريد أن يوقعنا في متاهات عديدة بلغة ركيكة.
بقاء العديد من الأسئلةِ مطروحةً بشأن شخوص رواية كهذه، يجعل القارئ يُكثر الأسئلةَ إلى الحدّ الذي يصارح فيه ذاتَه بأنّها ليست سوى قصصٍ مجمّعةٍ مقتبسةٍ من فيلم أمريكي.
أرى كذلك أنّ فكرة توظيف الشخصية العربيّة، التي تسرّبت إلى بعض أحداث الرواية، هو نوعٌ من الاستغباء. لا أدري إن كان الكاتب يقصد الغموضَ، ولكنه قد أضاع التّسلسلَ الجماليّ.
دون أن أنسى أيضاً فكرة تناوله لعدّة مواضيع في رواية واحدة قد تجعل بعضَ القرّاءِ يتشتّتون حول الأحداث.
كما أنّ العنوانَ لم يعبّر كثيرًا عن المحتوى إلى حدٍّ لم يوفّق فيه طبعًا، وصدقت فيه مقولة أنّ الرّواية لا يتم اختيارُها من الغلاف أو العنوان، بل من خلال إبداع الحَبكة والمحتوى.
قد يرى البعضُ تناقُضًا في المراجعة، بين المشهد الجمالي للمضمونِ، وبين الرؤية الكارثية للشكلِ والتّنسيقِ. لكن ما أودّ قوله هنا، أنّه إذا كانت الأفلام يصنعُها مخرجٌ، ويخيطُها كاتبٌ سيناريست، وتُرسَم من خلال مونتاجها، فالرواية كذلك يجب أن تكون؛ كي تكتمل جودتُها، فعلى الشّكل أنْ يوافق المضمون.
في “دماء متنكّرة” كان المضمونُ رائعًا وجذّابًا، لكنّ العناصرَ الشّكلية لم تُوفَّق إلى حدٍّ ما، كالغلافِ الذي لا يخدم المضمون، والعنوان الذي أضاع الكثير من الجمَال، إضافةً إلى عدد الصّفحاتِ والرّبط التسلسلي اللّذَيْن أثّرا على جماليّة الرّسالة الراقية التي أراد فاروق القليعي تقديمَها.
عموما ًلقد كانت رواية ’’دماء متنكّرة‘‘ ملهِمةً فعلا بالنّسبة لشابّ عشرينيّ امتلك هذا القدرَ من الإبداع الأدبي.
تدقيق لغوي: كرنيف ربيحة.