بطاقة فنية عن الكتاب:
اسم الكتاب: من قتل في بن طلحة؟
اسم الكاتب: “نصر الله يوس” بالتعاون مع “سليمة ملّاح”.
ترجمة: ميشيل الخوري
العنوان الأصلي: “Qui a tué à Bentalh, nesroulah Yous”
دار نشر: ورد للطباعة
“هذا الكتاب عبارة عن شهادة تاريخية لأحد الناجين من مجزرة بن طلحة…”
عن الكاتب:
نصر الله يوس، كان أحد سكان حي بن طلحة، عاش ليروي لنا ما حدث في “بن طلحة”.
عن الكتاب:
من كان وراء كل ذلك الرعب والجنون؟ من قتل جيرانه؟ وأطفالهم؟ هل كانَ الإسلاميّون أم العسكر؟ لماذا لم تتدخل فرق الجيش والتي كانت محيطة بالمكان؟ ولماذا منعت الناس الذين قدِموا للمساعدة من الدخول للمنطقة؛ مما جعل المذبحة تدوم لساعات!! إنها أسئلة رهيبة، أراد نصر الله من خلالها أن يفهم فقط، لماذا؟ ومن؟
“بن طلحة”، تبعد حوالي 15 كم عن جنوب العاصمة الجزائر، وفي ليلة 22 سبتمبر 1997 قُتل أكثر من 400 قروي على يد عصابات مسلحة أو كما سميت: “فرق الموت”.
سنوات الدم
البداية كانت في عام 1992، وها هي الجّبهة الإسلاميّة أخيراً هي على بعد خطوات من الحكم تقيم الأفراح وتستعد لمرحلة الحكم بعد سنوات من القمع وما كان ليخطر على بالها أنّ قيادة الجيش كان لها رأيٌ آخر في ذلك، وكانت خطّتها تتضمّن استقالة الرئيس “الشاذلي بن جديد” وإلغاء الانتخابات؛ وهنا كانت الشرارة لبداية مجزرة “عنوانها العشرية السوداء”.
بعد إلغاء الانتخابات خرج الإسلاميّون ومناصروهم إلى الشوارع دفاعا عن حقّهم في الإنتخابات… وهنا رّدت قوات الجيش بحظر تدخّل الجبهة الإسلامية للإنقاذ واعتقال الآلاف من أعضائها؛ فردّت الجبهة بالعصيان وشنّت حملة مسلحة ضد الحكومة ومؤيديها، و هربت إلى الجبال وقامت بتشكيل جماعات مسلحة لها هناك، ووصلت حينها الجزائر إلي نقطة اللارجوع في ذروة ذاك الصراع الدموي.
الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA):
“بن طلحة”، التي كان أغلب ساكنيها قادمين من مُختلف أنحاء العاصمة بعد استفادتهم من دعمٍ للبناء من طرف الدولة، كما كانت هناك عائلات لجأت إلى “بن طلحة” من المدية و”جيجل”؛ هربًا وخوفاً من ضغط الجماعات المسلحة هناك، وقد كانت الحكومة ترى في “بن طلحة” و قاطنيها -على اختلافهم وتنوّعهم- أنهم خونة شركاء وداعمين للجماعات المسلحة، فبعد إلغاء الانتخابات وفرز الأصوات كانت بن طلحة قد صوّتت لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ وكان بادياً تأييد العديد من السكان؛ لها فكان رد الحكومة: “صوّتوا عليهم وكلتوهم خبيتوهم زيدو مدولهم بناتكم” وهذا التهكم على السّكان العزّل كان أحد أسباب الكارثة.
“العبوا يا كلاب ليوم يذبحوكم”
في يوم 22 سبتمبر الساعة 11:30 مساءً، “نصرو” وبعض الجيران منغمسين في لعب الدومينو في محاولة لنسيان الأجواء الدموية التي تعيشها البلاد بعد سماعهم دوي انفجار هزّ حي الجيلالي جنوب غرب بن طلحة، لكن بما أنهم اعتادوا هذه الأصوات لم يشكّ أحدٌ أنَّ النهاية قريبة، وأنَّهم في وجه ليلة دموية، ولم تمر لحظات حتى شاهدوا مجموعة من العسكر متجهة نحو بساتين البرتقال وسط ذهول “نصرو” وأصدقائه قال العسكري: “العبوا يا كلاب ليوم يذبحوكم”.
في النهاية اتفقوا على إغلاق المتجر؛ تجنباً للمشاكل وأن يتجمّعوا كلهم فوق سطحه ليُراقبوا أحداث الليلة.
“اجرو لينا راهم يذبحوا فينا”
لم تمر دقائق حتى بدأت الأجواء تتوتر: مروحيات، أصوات رصاص، قنابل، عواءُ ذئابٍ تردد صداه في ظلمة الليل، لحظات وبدأ المهاجمون يندفعون من بساتين البرتقال إلى الجزء الجنوبي الشرقي من الحي. وشرعوا يتحرّكون بطريقة مُنظَّمة من منزل لآخر يذبحون كل رجل وامرأة وطفل يجدونه في المنازل.
وبلغت أصوات الصراخ و شخرات الذبح عنان السماء حيث كانت تحوم الهيلوكوبترات التي لم تحرِّك ساكنة تراقب.. وكان المهاجمون مسلَّحين ببنادق آلية وبنادق قنص ومناجل، يرتدون ملابس سوداء قتاليةً، والبعض الآخر كان يرتدي الملابس المميّزة للإسلاميين وقد كانوا يضربون الأطفال بعنفٍ عرض الحائط ويقطعون الأطراف ويدقّون الأعناق ويغتصبون النساء ثم يقتلونهنّ كأن الجحيم فتحت على مصراعيها على الأرض وأسدلت عذاباً لا يُطاق على تلك البقعة من العالم.
وقت وقوع المذبحة، كانت وحدات من القوى المسلّحة بمركبات مُدرعة متمركزة خارج القرية، وأوقفت بعضًا ممن كانوا يحاولون الهروب ومنعت سُكان الأحياء المجاورة التي وصلهم صوت الرصاص وعويل البشر، وبشهادة الكثير من الذين نجحوا في الهروب من المذبحة أنّ سيارات الجيش كانت بالقرب من مكان المذبحة، ولكن لم يتدخل الجنود. واستمرّ القتلة في التوغّل في حي الجيلالي يتنقلون من منزل لآخر حتى قُرابة الساعة الخامسة صباحًا، عندما غادروا دون أن يعترض سبيلهم أحد!
نصر الله يوس، الذي نجا بعد أن قضى ليلته في الهرب من منزل إلى آخر وانتهى به الأمر أن اختبأ في ركن تحت جنح الظلام نجا من ليلة دموية شاهد كل ماحدث فيها من قتلٍ وحرق، اغتصاب وذبح، وسمع ما كان يدور بين الجماعة المسلّحة وأبرز ما علق في ذهنه هو أن الجماعة كانت هادئة منظّمة، وكان أحد قائدي المذبحة يحمل قائمة بالمنازل التي وجب عليهم قتل كل أفرادها ومتأكدة أن العسكر لن يتدخل!! تعاملهم هذا ما جعله هو والعديد من الناجين يشكّون في حقيقة ما حدث آنذاك، ويقومون بجمع الشهادات وإحصاء القتلى بنفسهم، هذا بعد أن أعلن التلفزيون الرسمي أن عدد القتلى هو 85 شخصاً وسط ذُهول العائلات التي لم تجد الجثث حتى كانت المفاجأة.
وبشهادة أحد حرّاس المقبرة أنَّ حفر القبور قد بدأ قبلها بأسبوع، وأن العديد من الجثث دُفنت بدون علم العائلات وذلك لتقليص عدد الضحايا وعدم لفت انتباه المجتمع الدولي!
وفي قسمٍ مُلحق بالكتاب يعيد “فرانسوا حيز” و”سليمة ملاح” ذكر هذه الشهادة مرة أخرى ضمن إطار وجهة نظر التي يتبنيانها. وهما يبينان الدور الذي لعبته الجماعات الإسلامية المسلحة في الحرب الجزائرية الثانية، التي تسبّبت في مقتل أكثر من 150000 شخص ويقدّمان عرضاً متكاملاً غير مسبوق لجملة القرائن التي تسمح بافتراض تورط العسكر الجزائريين في مجازر وأعمال مسلحة نُسبت إلى الإسلاميين.
تدقيق لغوي: محمد عيسى