ثلاث مغالطات حول العقل الإنساني بين الجنسين

هل تساهمُ دراسةُ العقلِ بشكلٍ فعّال في النقاشات حول اللامساواة بين الجنسين؟

من المتعارف عليه عالميّاً أوعلى الأقل من طرف الغالبية الغالبة، أنَّهُ لا تتمُ معاملةُ النّساء بشكلٍ مُنصف من طرف الرجال في أغلب السياقات والمجتمعات، ولقرون عدّة راحت النّساء تستدعين الانتباه لهذا الأمر.

 “آن فينتش” إحدى الأرستقراطيات المتنوِّرات كما يتضح بشكل جليّ، قامت بكتابة قصيدة (موضوعة في الأسفل)، ترثي فيها الحالة الثّانوية للنّساء عام 1661؛ ووجب التنويه أنّها لم تكن الأولى التي تفعل ذلك.

 وتوجد أدلة جليّة توضح أنّ اللامساواة بينَ الجنسين ليست أمراً شائعاً، بل وغير مقبول أيضاً. ولكن هناك علاماتٌ واضحة تدل على تحسّن هذا الوضع في بعض أجزاء العالم.  ففي الأعوام القليلة الماضيّة شهدنا نساءً تشغلنَ منصب رئيس وزراء، رئيس، مدير تنفيذي ومناصب لم يكن بالإمكان التفكير فيها في الأجيال السابقة.

 وما يتفقُ عليه الجميع الآن أنّه لا يزالُ هناك وسيلة للاستمرار وأنَّ التّوعية المتواصلة ضروريّة حتى نصلَ للوقتِ الذي لا يعدُّ فيه جنسُ الفرد مشكلةً.

أما الحجّة النّسوية قويّةٌ لا نزاع فيها، لكن من المهمِ الحرصُ على ألا يتمَّ إفسادها بادعاءاتٍ غير مدعمة؛ بعضُ هذه الحجج يتعلق بالاختلافات بين الجنسين على مستوى العقل وبالتالي على مستوى السلوك.، مستعينين بما أكدَّه العديد من علماءِ الأعصاب النسويين على عدمِ وجود اختلافات ٍ كهذه، وتلك التي قد تظهرهي نتيجة للضغط والشروط الاجتماعية.

ونوضح أن هذا الكلام ينطوي على ثلاث مغالطات:

المغالطة الأولى متعلقة بالعلم، هناك الكثير من التقارير حول الاختلاف بين الجنسين في مخِ الحيوان وكذلك الإنسان. ولكنّها جميعاً مرفوضة ،حيثُ تم الإقرار بأنّ مسح المخ البشري لا يكشف عن أيّ اختلافات متعلقة بالجنس.

والمشكلة الأولى المتعلقة بهذا الأمر، هو أنَّ المَسح ليس دقيقاً بالقدر الكافي لكشفِ اختلافاتٍ من هذا النوع.،فكما يقول العلماء: غياب الدليل ليس دليلاً على الغياب.

وفي جميع الحالات، الاختلافاتُ المهمة بين الجنسين ليست هي المتعلقة بحجم مناطق متنوعة في المخ (وهذا ما يظهره المسح).

 المغالطة الثانية هي أنّنا لا نعلم ما هي الفوارق التي نحن بصدد البحثِ عنها تحديداً، وفي جميع الحالات لا تملك الاختلافاتُ المتعلقة بحجم المناطقِ المختلفةِ في المخ أيَّ قيمةٍ تفسيريّة؛ ما يعني أنّهُ حتّى لو رأينا بعضها لا يمكننا معرفةُ ما تعنيه.

ومثال لذلك مخ الجرذان، فقبل سنوات عدّة تم العثور على فوارق واضحة في مناطق عديدة، بما فيها مجموعة من الخلايا العصبية في جزء من المخ يدعى الوطاء؛ لاحقاً تم تحديد أن هذه الفوارق متعلقة بالتستوستيرون، فقد حقنت إناثُ الجرذ الصغيرة بالتستوستيرون مما أنتج وطاءً من النوع المتواجد عند الذكر، بالإضافة إلى أنَّ الذكور طوروا نوعاً مؤنثاً حينَ تمت إزالة التستوستيرون في حياتهم المبكرة.

لكنّنا ما زلنا لا نعلم ما تفعله هذه الخلايا، رغم السنوات الطويلة في البحث، ورغم أن أنثى وذكر الجرذ يسلكان سلوكياتٍ مختلفة.

وهذا ما يقودنا إلى المغالطة الثانية، أنَّ هناك اختلافات واضحة في السلوك: مثلاً، معظم الرجال يجدون النّساء جذابات جنسيّاً، بينما أغلب النساء يفضلن الرجال.

 ولكن كما نعلم جميعاً، هذا ليس مطلقاً: فهناك تداخل في الأمر، كأن يفضل بعض الرجال الرجال، وأن يفضلَ البعض الآخر النساء والرجال سويّةً وبعضهم الآخر لا يملك أيّ اهتمام جنسيّ على الإطلاق، ونفس الشيء ينطبق على النساء.

 وبما أن هذه وظيفة المخ، ينبغي علينا أن نكون قادرين على ربط الفوارق في أمخاخ “متوسط” الذكور والإناث التي تعكس هذه الاختلافات السلوكية، لكننا لا نستطيع ذلك.

ففحص المخ لا يمكن أن يعطي أيّ دليلٍ على جنسه. وبالتالي حتى لو وافقنا على فوارق جنسيّة معينة على مستوى المخ (وهذا ما لا نقدر عليه)، فهذا لن يدلنا على أيّ اختلافات محتملة على مستوى السلوك.

اختلافات كهذه، في أيّ حالةٍ كانت، مرفوضة من طرف بعض الأخصائيين النفسانيين؛ فهم يجادلون أنّ أي اختلافات ظاهرة هي ببساطة نتيجة للشروط والضوابط الاجتماعية.

 هناك حجة أخرى متعلقة بركوب الخطر، فالعديد من الدراسات وكذلك الواقع، يشير إلى أن الذكور يحبون اخذ المخاطرات أكثر من الإناث. لذلك أغلب حوادث التزلج و إصابات الركمجة مثلاً تحدث للرجال (تحديداً الشباب).

كما يميل الرجال لاتخاذ مُخاطراتٍ ماليّة أعظم من النساء، النقطة التي تم التّركيز عليها من طرف النّسويين في أزمةِ البنوك عام 2008 (لا تزال غالبية البنكيين رجال).

لكن هناك وضعيات تكون فيها الإناث أكثر عرضة للخطر: إحداها التعاملات الاجتماعية، وأخرى كالدفاع عن طفل.

هناك أسباب بيولوجية وجيهة لوجود هذه الاختلافات ،التعميمات ليست دقيقة ومحاولات ربط أيّ منها بوجود اختلافات بينَ الجنسين في وظيفة المخ أمرٌ أبعد مما بإمكانِ علم الأعصاب توفيره.

المغالطة الثالثة هي أنَ هذه التّشابهات أو الاختلافات المفترضة سواء في بنية المخ أو السلوك، لها علاقة بالمساواة بين الجنسين؛ المماثلة لا تعني المساواة.

 لأنّ كون بعض الأشخاص داكني البشرة مقارنة بغيرهم ليس سبباً مشروعاً لعدمِ إعطائهم وضعية إجتماعيّة منصفة.

يمكن للرجال والنساء أن يولدوا متساويين، لكن ليسوا متشابهين، ولا حتى بالضرورة أن تتشابه مسارات حياتهم.

لا أحد يوافق على وجود مساواةٍ إجتماعيّةٍ حقيقيةٍ، لكنّها تبقى هدفاً نبيلاً. حتى لو تم الاتفاق على وجود فوارق بين الجنسين سواء في المخ أو السلوك (هذان الاثنان مرتبطان حتماً بطريقةٍ ما) فهذه ليست حجة لقمع النساء. فبعد كل شيء، أغلب الرجال أقوى من أغلب النّساء (لكن ليس دائماً).

وهذا ما كان من المحتمل أن يكون سبباً لوجود اللامساواة الاجتماعية (مثلاً البراعة في الصيد في الأزمنة الغابرة)، لكنَّ اختراع الآلة أظهر لاعقلانيّةَ هذه الوضعية.

دعونا نتذكر أنّ العقل الإنسانيّ هو من يقرُّ بهذهِ الحجج ويقوم بالتصرف اجتماعيّاً وسياسيّاً (في بعض المناطق من هذا العالم) للتخلص من وصمة اللامساواة بين الجنسين. لكن، دعونا لا ندمر هذه الحركة بادعاءاتٍ مغلوطة وجدالاتٍ مشكوكٍ فيها: هذا من شأنه فقط أن يضرّ بفرصِ ما يرغبُ أغلبنا في رؤيته حاصلاً.

 يجب أن نهمش الاختلافات بين جميع الأنواع، سواء المتعلقة بجنس الفرد أوغيرها، على أساس التنوع والثراء الإنساني.

كم سقطنا وكم سقطنا بفعل قاعدة خاطئة

والتعليم أكثرُ من مهرج للطبيعة

منعنا من كل تحسينٍ للذهن والوجدان

كي نظل بلا روحٍ، أغبياءَ، عن إصرار

وإن حلّقت إحدانا فوق الأخريات وقد رفعها طموحٌ أقوى

وخيالٌ أدفأ لاقت من المعارضة ما يكفي ويزيد

فما نجاة من أمل لا يقاس بمدى الخوف المستبد

-قصيدة آن فينش 1661-

(مقتبسة من “غرفة تخص المرء وحده” لفرجينيا وولف).

المقال الأصلي: هنا

تدقيق لغوي: لوتس ناصر.

كاتب

الصورة الافتراضية
Amina Sabour
المقالات: 0