اختلف الباحثون حول أصل انبثاق الكتابة العربية وانقسموا فريقين، حيث يرى الفريق الأول أنها اشتُقت من خط المُسند الحميري، بينما يرى الفريق الثاني أن الكتابة العربية منحدرة من الكتابة الفينيقية. ينتهي الخلاف عندما نصل إلى تطور الكتابة بالعربية.
كان العرب يكتبون الحروف بلا نُقط أو حركات و كانوا يميزونها عن بعضها البعض بالسليقة (١) لكن بعد اختلاطهم بالعجم في العصور الإسلامية الاولى، ظهرت الحاجة إلى دعم الحروف العربية المبهمة للعجَم، بعلامات إضافية من خلال إضافة رموزٍ نصية ثانوية إلى رموز نصية رئيسَة؛ وذلك بُغية تسهيل القراءة.
لجأ العرب بالفعل إلى التنقيط في المقام الأول، لتحقيق غرضين:
• أولهما تمييز الكنسونات أي الأصوات الصامتة المبهمة عن بعضها وهذا ما سُمي بتنقيط الإعجام.
• ثانيهما تِبيان الفوكالات وهي الحروف المصوّتة، أو أصوات العلة (٢) التي لم يكن يظهرها النص العربي.
بقي تنقيط الإعجام بينما استغني عن تنقيط التحريك فيما بعدُ، واستبدل بعلامات التشكيل المعروفة الآن.
جدير بالذِّكر أن اختلاط العرب بالعجم ليس السبب الحصري لوضع النقاط والنقطة؛ ما أفاض الكأس هو حادثة زياد بن أبيه وأبي الأسود الدؤلي، يروى أن معاوية بن أبي سفيان كتب إلى زياد بن أبيه عندما كان واليًا على البصرة (45-53هـ) أن يرسل إليه ابنه عبيد الله، فلما وصل عبيد الله عند معاوية وجده معاوية يلحن في الكلام، فكتب معاوية إلى زياد لائماً له على وقوع ابنه في اللحن. وبناءً على ما سبق ذكره فقد كلف زياد والي البصرة في عهد معاوية بن أبي سفيان أبا الأسود الدؤلي أن يضع طريقة لإصلاح القراءة، ودار بين زياد وأبي الأسود نقاش، حيث إن أبا الأسود خشي أن يزيد على القرآن ما ليس فيه؛ فحاججه زياد بأن عثمان قد كتب المصاحف قبل أن لم تكن مكتوبة. ومع ذلك فقد غلب الخوف على أبي الأسود فرفض طلب زياد وسأله أن يولي بذلك غيره. فأراد زياد أن يحفز أبا الأسود فوضع له في طريقه من يرفع صوته بالقرآن ويلحن فيه فقرأ رجل زياد: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) بكسر لام رسوله؛ فحزن لذلك أبو الأسود وقال: “عزَّ وجه الله أن يتبرأ من رسوله” وعاد فوراً إلى زياد موافقاً، واختار كاتباً ووضع الحركات. (منقولة)
بالتالي يمكن أن يقسم تطور تنقيط التشكيل إلى أربع مراحل تاريخية يتوسطها ظهور تنقيط الإعجام .
المرحلة الأولى: تعود إلى العام 67 للهرجة، حيث يرجع الفضل في وضع تنقيط الحركات إلى أبي الأسود الدؤلي بطلب من زياد بن ابيه.
فكان النظام المُتّبع كالآتي:
• الفتحة: نقطة فوق الحرف.
• الكسرة: نقطة أسفل الحرف.
• الضمة: نقطتان من الجهة اليسرى.
• كانت نون التنوين تكتب حتى استبدلت بنقطتين تبعا لحركة الحرف.
• السكون لم يكن يوضع، حيث إهماله يُغني عنه.
تنقيط الإعجام: وُضع في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، حيث أمر به الحجاج بن يوسف الثقفي، فجعل يحيى بن يعمر و نصر بن عاصم الحركات ترسم بلون مختلف عن لون النص (عادة الحبر الأحمر). كما أعادا ترتيب الحروف الهجائية من أبجدية أبجد هوز (٣) الى الترتيب الألفبائي الحالي.
قُسّمت الحروف فيما بعدُ إلى حروف مهملة وحروف مُعجمة.
أما الحروف المهملة أي الخالية من النقط، فعددها ثلاثة عشر، وهي: أ، ح، د، ر، س، ص، ط، ع، ك، ل، م، ه، و.
و أما الحروف المعجمة أي المشتملة على النقط، فعددها أربعة عشر، وهي:
ب، ت، ث، ج، خ، غ، ف، ق، ز، ن، ذ، ش، ض، ظ.
رغم انتشار طريقة الحركات الملونة، إلا أنها لم تتداول إلاَّ في المصاحف.
المرحلة الثانية: زاد أهل المدينة وأهل البصرة حركات فصارت كالآتي:
• التنوين: نقطتان فوق بعضهما.
• الشدّة: قوسان يوضعان فوق المشدد المفتوح، وتحت المشدد المكسور وعلى يسار المشدد المضموم.
• الفتحة: نقطتها داخل القوس.
• الكسرة: نقطتها تحت حدبة القوس.
• الضمة: على يسار القوس.
• السكون: شرطة أفقية فوق الحرف.
المرحلة الثالثة: ترجع إلى العهد العباسي أين قام الخليل بن أحمد الفراهيدي بتغيير رسم الحركات من نقاط إلى علامات، وذلك حتى يتمكن القارئ من التمييز بين تنقيط الحركات وتنقيط الإعجام، فكان له أن جعل:
• الفتحة: ألف صغيرة مائلة فوق الحرف.
• الكسرة: ياء صغيرة تحت الحرف.
• الضمة: واو صغيرة فوق الحرف.
• التنوين: تكرير الحركة.
• الشدّة: شين غير منقوطة (دلالة على أول حرف من كلمة شدة).
• الهمزة: عين غير مكتملة (لتقاربهما اللفظي).
و بهذا يكون مثل هذا النظام أقرب إلى حد كبير من الحركات المعمول بها اليوم والتي أصبحت كالآتي:
• الفتحة: خطٌّ صغيرة فوق الحرف.
• الكسرة: خطٌّ صغيرة تحت الحرف.
• التنوين: حركتان.
• السكون: حلقة صغيرة فوق الحرف.
المرحلة الرابعة: استدعى الاختلاف في قراءة القرآن بين نطق اللهجات ونطق العربية التقليدية نشأة بعض العلامات الإضافية، وهي:
• التاء المربوطة: غرضها التأنيث، تظهر في نهاية الكلمة المؤنثة وتُقرأ كالهاء.
• الألف المقصورة أو الياء المهملة: تجعل الحرف يُلفظ كأنه ممدود بالألِف.
• الألِف دون همزة: والتي اختلف علماء اللغة حول العمل بها.
• الهمزة: تُضاف إلى حرف العلّة فتعطيه تمييزا لفظيا من لحن ونغمة، والهمزة نوعان: همزة قطع وهمزة وصل حسَب مقامها في الكلمة.
كان للكتابة العربية أن تمر على كل هذه المراحل؛ أين تضافرت جهود اللغويين، ودعم الحريصين على لغة القرآن حتى أصبحت على الشكل الذي نعرفها عليه الآن، كاملة شاملة. يستعمل فيها تنقيط الإعجام بشكل دائم أمَّا التشكيل فتقل وتيرة توظيفه، فيستعمله عادة الأطفال عند بداية تعلمهم الكتابة باللغة العربية، كما يستعمل في المصاحف وبعض النصوص الرسمية لإضافة جمالية معينة، قد نرى له استعمالات يومية بنِيَّة تبيان معنًى محددٍ لكلمة ما، أو إزالة الشبهات عن كلمات معينة.
١- السليقة: الميل الفطري.
٢- حروف العلة: أصوات متحركة تساهم في تحديد نطق الكلمة، وهي ثلاثة في اللغة العربية: (الألف، الواو و الياء).
٣- أبجد هوز: هو الترتيب الأبجدي للأحرف العربية، ويختلف عن الترتيب الهجائي، وصورته: 《أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ》، يقول بعضهم إنها أسماء ملوك قومِ مدين.
المصادر:
ويكيبيديا الموسوعة الحرة، ومصادرها:
-د. صالح عبد العظيم الشاعر. حركة النحو والدلالة في النص الشعري، دراسة تطبيقية، القاهرة، دار الحكمة، 2013.
-صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ نَقْط المصحف الشريف. مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.
-د.محمد عبد المنعم خفاجي (1410 هـ – 1990 م). الأدب العربي وتاريخه في العصرين الأموي والعباسي. بيروت: دار الجيل.
Woodard, Roger D. The Ancient Languages of Syria-Palestine and Arabia (2008)
إعداد: أورحمون بشرى هبة.
تدقيق لغوي: شعيب حبيلة.