لقد تأثرت حياتنا من كل النواحي بسبب فيروس كورونا. مما أبطأ الاقتصاد العالمي، وجعل الناس يلجؤون إلى منازلهم بالإضافة إلى وفاة الآلاف أو مرضهم.
خلال هذه المرحلة المخيفة من الأزمة، من الصعب أن يتمّ التركيز على أي شيء آخر. لكن وكما قالت الوكالة الدولية للطاقة، لن تدوم آثار فيروس كورونا طويلا، بينما تبقى الأزمة العالمية الأخرى -التغير المناخي- دائمة.
إنّ توقيف انتشار الفيروس مهم، لكن على العمل المناخي أن يستمر أيضا. وبإمكاننا أن نتعلم عدة دروس وفرص من الأزمة الصحية الحالية لمعالجة مشكلة الاحتباس الحراري.
اقتصاد “متراجع”
أكدت شركة S&P Global Ratings بأن إجراءات احتواء كوفيد-19 قامت بدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود. إذ يقدر المحلل الاقتصادي “لوري ميليفيرتا” الانخفاض في الانبعاثات العالمية لثنائي أكسيد الكربون بـ 200 ميغا طن لحد الآن، مع توقف الرحلات الجوية، غلق المصانع وانهيار الطلب على الطاقة.
في الأسابيع الأربع الأولى من الجائحة، انخفض استهلاك الفحم في الصين بـ 36%، وقدرة تكرير البترول بـ 34%.
يمكن القول بأن ما نراه الآن هو نسخة سريعة وغير مخططة من “الانهيار” الاقتصادي – الانتقال المهمّ الذي تكلم عنه بعض الأكاديميين والنشطاء لسنوات من أجل معالجة التغير المناخي، وترك كوكب صالح لحياة الأجيال القادمة.
يعتبر هذا التراجع مقترحا لإبطاء النمو في المجالات التي تضر بالبيئة، كصناعات الوقود الأحفوري، إلى أن يشتغل الاقتصاد في حدود قدرات الأرض. إنّه انتقال طوعي، مخطط وعادل في الدول المتطورة، أين يقتضي اهتماما متزايدا بالبيئة، رفاهية الناس والإمكانيات (صحة جيدة، عمل مناسب، دراسة وبيئة سليمة).
سيكون مثل هذا التحول عميقا، ولحد الآن لم تظهر أي دولة الإرادة اللازمة لتطبيقه، لأن الاقتصاد العالمي يحتاج عندئذ للتّخلي عن الكربون لتجنب الأزمة المناخية. لكن التباطؤ الاقتصادي -غير المقصود- الحالي يفتح الأبواب لمثل هذا التحول، مما يجلب فوائد عدة للبيئة.
تختلف فكرة التراجع المستدام عن الركود الاقتصادي، فهو يشمل تقليص ضرر مجالات الاقتصاد على البيئة وتقوية مجالات أخرى.
حكاية استعجالين
لقد تم الإعلان أن التغير المناخي طارئ عالمي، مع ذلك لم يفلح العالم لحد الساعة في علاجه. بالمقابل، كانت استجابة السياسة العالمية لفيروس كورونا سريعة وصاخبة.
أسباب هذا الفرق الشاسع عديدة: إذ يعتبر التغير المناخي بطيئا نسبيا، بينما ينتشر فيروس كورونا بطريقة واضحة على مر الأيام، وحتى الساعات، مما يزيد من إدراكنا للخطر. وإن كنّا تعلّمنا شيئا واحدا من تاريخ السياسة وظروف الانسان في أوقات الخطر، فهو أننا ننتهج إدارة الأزمات غالبا عندما نتعامل مع المخاطر الجدية.
وكما لاحظ الآخرون، فإن التزايد البطيء لدرجات الحرارة يعني أنه باستطاعة الانسان التأقلم نفسيا مع تدهور الوضع، مما يجعل المشكل أقل استعجالا وهذا يعني أن الناس أقل استعدادا لقبول تدابير السياسة العامة.
الدروس المفتاحية من فيروس كورونا
تظهر الاستجابة العالمية لأزمة فيروس كورونا أن الحكومات قادرة على اتخاذ إجراءات استعجالية جذرية فورية، مما يذهب إلى أبعد من مجرد قلق اقتصادي، لحماية رفاهية الجميع.
تصرف مبكر: إذ أظهر وباء فيروس كورونا الأهمية الكبيرة للتصرف المبكر ليحول دون وقوع نتائج كارثية. فقد استجابت الحكومات في تايوان، كوريا الجنوبية وسنغافورة سريعا لفرض الحجر الصحي وإجراءات الفحص، وقد أظهر ذلك عددا صغيرا نسبيا للإصابات. من جهة أخرى، أصبحت إيطاليا وبسبب حكومتها التي انتظرت طويلا، بؤرة الفيروس.
وتيرة أبطأ واستهلاك محلي: فرض فيروس كورونا تقليصا في وتيرة السفر و”العيش”. فقد جعل الناس يصقلون علاقاتهم المحلية، يتسوقون محليا، يعملون عبر المنزل ويحدون من الاستهلاك.
قام الباحثون بتحديد بأن الخوف على الرفاهية الشخصية يمثل عائقا رئيسيا للدعم السياسي لحركة التراجع لحد الساعة. لكن مع توقع تطبيق الإبعاد الاجتماعي لشهور، حيواتنا المقلصة قد تصبح “الجديد العادي”. يمكن للكثير من الناس أن يدركوا بأن الاستهلاك والرفاهية الشخصية ليسا متصلين.
فقد أصبح التفكير الاقتصادي الجديد ضروريّا، وبدا أن الانتقال إلى تراجع مستدام بإمكانه المساعدة. إنّنا بحاجة إلى تحويل الاهتمام العالمي من الناتج المحلي الإجمالي كمؤشر للرفاهية إلى تدابير أخرى تضع الناس والبيئة أولا، كميزانية الرفاهية النيوزليلندية (well-being budget)، السعادة القومية الإجمالية في بوتان (GNH) أو الفلسفة الاجتماعية لبوان فيفير في الإكوادور.
الإنفاق على الطاقة النظيفة: تقول الوكالة الدولية للطاقة بأن الطاقة النظيفة يجب أن تكون “في قلب الخطة التحفيزية لمحاربة أزمة فيروس كورونا”.
ودعت الوكالة الدولية للطاقة الحكومات لإطلاق صفقات تحفيزية مستدامة مركزة على تقنيات الطاقة النظيفة. إذ تقول بأن الهيدروجين واحتجاز الكربون يحتاج إلى استثمارات كبيرة لجعلهم على نطاق واسع، والتي يمكن لأسعار الفوائد المنخفضة مساعدتها.
يمكن للحكومات أيضا الاستعانة بالصفقات التحفيزية لفيروس كورونا لإعادة تأهيل العمال لخدمة الاقتصاد “الأخضر”، ومعالجة التحديات في مجالات الاعتناء بالصحة، الصرف الصحي، رعاية المسنين، الأمن الغذائي والتعليم.
النظر للأمام: كما قالت عالمة المناخ “كاثرين هايهو” هذا الشهر:
ما يهمنا فعلا هو نفس الشيء، صحة وأمن أصدقائنا، عائلاتنا، أحبائنا، مجتمعاتنا، مدننا وبلدنا. هذا ما يهدده فيروس كورونا، وهذا ما يفعله أيضا التغير المناخي.
إنّ أزمة فيروس كورونا مدمرة، ولكن الفشل في علاج التغير المناخي بسبب فيروس كورونا لن يزيد إلا من تفاقم المأساة. عوضا عن ذلك، يجب أن نعتمد على دروس فيروس كورونا لعلاج تحدي المناخ.
تدقيق لغوي: عمر دريوش.