بقلم دارسيل روكيت، 22 جويلية 2020.
مع استمرار العالم في مراقبة عدد حالات كوفيد-19 التي تزداد (وتكسر السجلات اليومية)، يرغب المرضى الذين يعانون من التهاب الدماغ والنخاع المؤلم للعضل (أو myalgic encephalomyelitis ويُطلق عليه اختصاراً ME/CFS) والمعروف أيضاً باسم متلازمة الإجهاد المزمن (Chronic fatigue syndrome)*، أن يسألوا المُتعافين أو الذين يتعافون من الفيروس التاجي الإصغاء.
قد يكون مرضى كوفيد-19 معرضين لخطر الإصابة بحالة المناعة العصبية (متلازمة الإجهاد المزمن ME/CFS) والذي يستنفد طاقة المرء. المتلازمة التي تجعل 75٪ من المصابين بها غير قادرين على العمل، و25 ٪ منهم يلازمون المنزل أو يبقون طريحي الفراش. يؤثر المرض على 15 مليونٍ إلى 30 مليونَ شخص على مستوى العالم، وقد يتم تحفيز أعراضه إثر عدوى ميكروبية، وفقاً للمعاهد الوطنية الأمريكية للصحة.
يقول الدكتور أنتوني فوسي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، إن بعض الأشخاص الذين تم تشخيص إصابتهم بالفيروس التاجي يظهرون أعراضاً تشبه تلك التي تظهر لدى مرضى ME/CFS.
قالت سانا ستيلا، إحدى سكان أوك بارك، والتي تم تشخيص حالتها بـ ME/CFS: “يقول مجتمع ME/CFS أن 80٪ منا كانوا مصابين بنوع من الفيروس الذي اضمحل ولكن أجسادنا مازالت عالقة بأعراض الإصابة الفيروسية”.
تضيف: “إذا كنت مريضاً، فعليك حقاً أن تصغي إلى جسدك وليس إلى كل تلك الـ” يجب عليّ أنْ” التي نقولها لأنفسنا… لأنك إذا واصلت الضغط على نفسك فإنك تجعل الأمور أسوأ بكثير”.
تعرضت ستيلا لإصابة جرثومية بحلول عيد الشكر عام 2013. وبينما سَلِم زوجها منه، تطورت نوبات مرضها إلى “حالة تنفسية سيئة” جعلتها منهكة بالحمى والسعال المستمر. اختفت الأعراض لاحقاً بفضل الأدوية، لكن الأم لأطفالٍ ثلاثة قالت أنها ظلت تشعر بالإرهاق بمرور الأيام. واصلت دفع نفسها لمواصلة حياتها اليومية على أيّة حال. لكن بحلول ليلة رأس السنة الجديدة، انهارت ستيلا تماماً، لم تستطع الانتقال من طاولة غرفة الطعام إلى الأريكة.
قالت: “لم يكن لذلك تفسير.. لم أعد أسعل، ليس لدي حمى”.
لهذا السبب تستمر في دفع نفسك، لأنه بمجرد أن تشعر أنه يمكنك التحرك قليلاً، تبدأ في التحرك قدر الإمكان، ثم تتعطل تماماً.
بعد رؤية ثمانية أطباء، من الممارسين العامّين إلى المتخصصين، قادها طبيب باطنيّ إلى تشخيص حالتها بمتلازمة الإجهاد المزمن ME/CFS في شهر ماي من عام 2014.
مع احتمال ارتفاع الحالات (مجتمع ME/CFS يتبع حالات تفشي عدوى أخرى مثل SARS في هونغ كونغ عام 2003)، يقال في مجتمع ME/CFS أن الآن هو الوقت المناسب لمزيد من الدراسة للمراحل المبكرة من مرض كورونا. إذا استطعنا التعرف على العوامل التي تفصل أولئك الذين يستعيدون صحتهم عن أولئك الذين لا يزالون مرضى، فيمكن تقديم رعاية أفضل للمرضى الذين يطورون أعراضاً لمتلازمة الإجهاد المزمن.
وفقاً للدكتور ليونارد جيسون، أستاذ علم النفس بجامعة دي بول الذي درس المتلازمة عند البالغين لمدة 30 عاماً، فإن مرضاً مثل عدوى الفيروس التاجي سيُسفر عن عدم تعافي نسبة معينة من الأشخاص بالكامل. قال: “ما النسبة المئوية؟ ربما يكون من السابق لأوانه معرفة ذلك لأن لنا شهرين وحسب من المتابعة، ولكن الأكيد أن هناك العديد من التقارير عن الأفراد الذين مرضوا وتعافوا ولا يزالون يشعرون بشدة المرض في أبدانهم”.
شارك جيسون في كتابة دراسة شهر جوان، والتي تشير إلى الحاجة إلى جمع البيانات من عينات من مرضى الفيروس التاجي، بما في ذلك أولئك الذين لا يعانون من أية أعراض، وذلك لتقييم الأداء أثناء مرحلة الشفاء بعد فيروس التاجي. (هناك عدد من الدراسات الجارية، بما في ذلك دراسة للفيروس مدتها ستة أشهر للعاملين في المستشفيات في الخطوط الأمامية، والتي تجري في معهد روتجرز للطب والعلوم التحويلية في جامعة روتجرز في نيو جيرسي).
يقول جيسون أنه عند ظهور المرض المزمن، يميل المرضى إلى التساؤل عن سبب عدم قدرتهم على استئناف نمط حياتهم السابق. ولكن إذا خرج الباحثون من الأزمة الحالية، يمكن أن يبدأ المجال الطبي في إيجاد طرق لدراسة حالات الأشخاص الذين يعانون من إرهاق ما بعد الفيروس، مع مراعاة احتياجاتهم.
قال: “هذا هو المهم”…
نحن لا نريد أن نضرّهم أو نوصمهم كما لو كان هذا خطأهم. الإرهاق والألم من الأسباب الرئيسية التي تدفع الناس إلى زيارة الأطباء. المشكلة أن الأطباء إذا رأوا أن 25٪ من مرضاهم يعانون من الإرهاق، ثم يأتي شخص ما مع نوع من الإجهاد ما بعد الفيروسي، فإنه يتم وضعه ضمن الفئة الأكبر ولا يفهم الأطباء أنه بإمكان هذا العَرَض أن يكون أكثر خطورة وأكثر تقييداً لحامله.
الحدود هي شيء تعرفه ستيلا. تتذكر أطباءَها الذين وصفوا العلاج الطبيعي لمساعدتها.
قالت: “لم أستطع الجلوس على الطاولة وتناول وجبةٍ حتى، لذا فإن التفكير في ممارسة تمارين رياضية لم تكن هناك أي طاقة لذلك أصلاً”.
عندما أنهار، فإن الأمر محبط جداً.. جداً (مثل الاضطرار إلى ارتداء حفاضات لأنها لا تستطيع استخدام المرحاض بمفردها)، ولكن خلال الأوقات الجيدة، يمكنني القيام ببعض الأعمال حول المنزل… بعض الطهي، بعض التنظيف. ومع ذلك فإنْ تعلَّق الأمر بالذهاب إلى أي مكان يبعد أكثر من ربع إلى نصف عمارة سكنية مشياً، فإنني أحتاج إلى كرسي متحرك.
تعمل ستيلا، التي كانت تعمل على التصميم الداخلي سابقاً، على أن تصبح مستشارةً للصحة النفسية السريرية. إنها تعتقد أن الأوان قد آن لتركيز الانتباه على متلازمة الإجهاد المزمن بما أن الجميع يفكرون في خُطاهم اليومية بشكل مختلف منذ بدء أزمة العيش في عالم كوفيد-19.
تابعت: “هذا ما يفعله مرضى ME/CFS كل يوم بالفعل، ونحن نقول: ‘يمكن لحياتك كلها أن تتغير إذا أصبت بهذا المرض‘. ‘هذه فرصة استثنائية في الوقت الحالي للتقدم في دراسة والبحث على ME/CFS، حيث يمكننا التأكد تماماً من أن هناك نسبة من المصابين بالفيروس التاجي ستطور الإصابة بالمتلازمة. مع العدد الكبير من مرضى كوفيد-19 الجدد المحتملين، يمكن للعلماء أن يدرسوا بالفعل بداية هذا المرض وتطويره مبكراً”.
قدم السيناتور الأمريكي جيمي راسكين من ماساتشوستس مؤخراً تشريعاً لتوسيع تمويل أبحاث المعاهد الوطنية للصحة في المتلازمة. يقول جيسون إن الأزمة الصحية الحالية هي بمثابة تنبيه للاستيقاظ، خاصة وأن الفيروس التاجي يؤثر بشكل غير متناسب على المجتمعات السوداء والبنية، فإن الشباب في هذه المجتمعات نفسها يتأثرون بشكل غير متناسب أيضاً مع ME/CFS.
يقول جيسون:
في مرحلة ما، ستكون الأوضاع تحت السيطرة. ولكن ماذا عن هؤلاء الأشخاص الذين لا يتعافون أبداً؟.
وأردف: “لا يمكننا نسيان هؤلاء الأشخاص ببساطة. إن هذا تحدٍٍّ لنظام الرعاية الصحية بأكمله. تماماً كما كانت وفاة جورج فلويد قمة جبل الجليد، نحتاج إلى معرفة كيفية إصلاح هذا النظام لأنه سيكون هناك الكثير من الأشخاص المعرضين للخطر، والذين من المحتمل أن يمرضوا ويكونوا في نفس الموقف ما لم نفعل شيئاً حيال ذلك”.
هوامش:
*متلازمة الإجهاد المزمن ME/CFS: أو كما يُطلق عليها علمياً التهاب الدماغ والنخاع المؤلم للعضل؛ هو شعور بالتعب والإرهاق بشكل دائم، يزداد بممارسة الأنشطة البدنية. يختلف المرض عن الإرهاق العادي بأنه لا يزول بأخذ قسط كافٍ من الراحة أو النوم أو اعتماد نظام غذائي صحي ومتوازن. تتمثل أعراضه بالاعياء الحاد المستمر لفترات طويلة تستمر لأشهر عديدة (وقد يمتد إلى سنوات)، بالإضافة إلى ضعف الأداء العقلي كفقدان التركيز وضعف الذاكرة، كما يعتبر الاكتئاب واحداً من أبرز أعراضه. لا تزال الأبحاث غير قادرة على الكشف عن أصل المرض أو علاجه أو تصنيفه (إلى عضوي أو نفسي)، كما أن تشخيصه لا يزال عسيراً على الأطباء وهذا راجع كذلك إلى غموضه وجهل مصدره.
تدقيق لغوي: كرنيف ربيحة.
المصدر: medicalxpress.com/news/2020-07-covid-patients-chronic-fatigue-syndrome.amp