كان فرانك رامزي، الفيلسوف والاقتصادي والرياضياتي العظيم في كامبريدج، نجماً في جميع التخصصات الثلاثة، على الرغم من وفاته في سن السّادسة والعشرين 1930. ومن إحدى الطرق لإلقاء نظرة على العبقرية المطلقة لهذا الشاب الاستثنائي هي النظر إلى بعض من الأشياء التي تحمل اسمه، وقد كان المفضل لدي مصاغًا من طرف دونالد ديفيدسون: إن “تأثير رامزي” هو أن تكتشف أن نتيجتك الفلسفيّة المثيرة والأصيلة قد تم تقديمها بالفعل على ما يبدو، بل وبشكل أكثر أناقة، من قبل فرانك رامزي.
نشر رامزي ما مجموعه ثماني صفحات في الرياضيات البحتة. لقد كان يعمل على “مشكلة القرار” في أسس الرياضيات، والتي تساءلت عما إذا كانت هناك طريقة لتقرير ما إذا كانت أي جملة معينة في النظام الرسمي صحيحة أم لا. لقد حل حالة خاصة من المشكلة ، ودفع تعبيرها العام إلى الحد الأقصى، ورأى ذلك الحد بوضوح. أظهرت نظرية أثبتها على طول الطريق أنه حتى في الأنظمة المضطربة، يجب أن يكون هناك بعض النظام. يُطلق الآن على فرع الرياضيات الذي يدرس الظروف التي يجب أن يحدث فيها النظام اسم “نظرية رامزي” ، مع وجود أجزاء منفصلة منها تسمى “نظرية رامزي الرّياضية” و”أرقام رامزي“.
في 1927-1928 نشر رامزي ورقتين في الاقتصاد بتشجيع من جون ماينارد كينز. عندما احتفلت المجلة الاقتصادية بالذكرى السنوية 125 لتأسيسها بإصدار خاص في عام 2015، تم تضمين كلتا الورقتين. أي طوال ما يزيد عن قرن وربع قرنٍ مضى، اعتبرت واحدة من أفضل المجلات الاقتصادية في العالم أن اثنين من أهم أوراقها الـ13 كتبها فرانك رامزي عندما كان يبلغ من العمر 25 عامًا. أوضح المحررون أنفسهم بالقول إن الأوراق بدأت “مجالات جديدة تمامًا” – المدخرات المثلى ونظرية الضرائب المثلى. بالإضافة إلى ذلك ، أنتجوا “نموذج Ramsey-Cass-Koopmans“، و”تسعير رامزي“، و”مشكلة رامزي“، و”قاعدة كاينس رامزي“، والمزيد.
كان رامزي أيضًا أول من وضع المفهوم الذاتي للاحتمالية ونظرية المنفعة المتوقعة التي تدعم الكثير من الاقتصاد المعاصر. أي أنه اكتشف كيفية قياس درجات الاعتقاد والتفضيلات ثم أظهر كيف يمكننا تحديد القرار العقلاني، بالنظر إلى ما يعتقده شخص ما ورغباته. لقد كان اشتراكيًا ولم يكن سعيدًا بما حدث لفكرته، فهو لم يكن يعتقد أنه يجب حشر كل تصرفات وقرارات الإنسان في قيود نظرية الاختيار العقلاني، كما يبدو أن العديد من الاقتصاديين وعلماء الاجتماع يفترضون اليوم . ومع ذلك، نجد في هذا المجال “نظرية Ramsey /de Finetti”، و”نتائج Ramsey-Good” ، و”إجراءات رامزي لقياس شدة التفضيلات”، والمزيد.
وفي الفلسفة، كان بنفس القدر من الإعجاب. وقد قام بترجمة كتاب Tractatus لـ لودفيج فيتجنشتاين عندما كان طالبًا جامعيًا، وكتب إشعارًا نقديًا عنها والذي لا يزال يمثل أحد أهم تعليقاته. استمر في التأثير بشكل عميق على فيتجنشتاين، حيث أقنعه بالتخلي عن السعي وراء اليقين والنقاء، والتحول إلى اللغة العادية والممارسات البشرية. كان رامزي يبحث عن فلسفة واقعية وكان يميل نحو البراغماتية الأمريكية عندما مات.
كما قدم مساهمات كبيرة في الفلسفة التحليلية. على سبيل المثال، في حاشية سفلية في مسودة ورقة نُشرت بعد وفاته، اقترح أنه عندما يقوم شخص ما بالتقييم الشرطي “if p, then q“* ، فإنهم يضيفون نظريًا السوابق p إلى مخزونهم من المعرفة، ثم يرون ما إذا كان q سيكون أيضًا هناك. اقترح روبرت ستالناكر في عام 1968 نظرية شروط الحقيقة للواقع المضاد على أساس تلك الحاشية من المسودة. ما يعرف الآن باسم “اختبار رامزي للشرط” هو طريقة لتحديد ما إذا كان ينبغي علينا تصديق الشرط.
في مسودة ورقة أخرى، ابتكر رامزي سردًا جديدًا وهامًا للنظريات العلمية وكياناتها غير المرئية. هذه النظرية جملةٌ طويلة ومعقدة تبدأ بعبارة: “هناك إلكترونات. . . ” واستمر في سرد قصة عن تلك الإلكترونات. نحن نفترض أن هناك إلكترونات من أجل النظرية، تمامًا كما نفترض أن هناك فتاة عندما نستمع إلى قصة تبدأ “ذات مرة، كانت هناك فتاة. . . . ” على عكس القصة، نحن نلزم أنفسنا بوجود الكيانات في نظريتنا، وحتى إذا تم الإطاحة بها، فسيظل التزامنا بكياناتها قائما. وفي نفس الوقت، فنحن نستخدم النظرية ونؤمن بها. وكلّ إضافة للنظرية ستكون في نطاق المحدد الكمي الذي ينص على وجود إلكترون واحد على الأقل، أين يمكن للنظرية أن تتطور بينما لا تزال تدور حول الكيانات الأصلية. تسمى هذه الجملة الآن جملة رامزي ويستخدمها كل من فلاسفة العلم وفلاسفة العقل.
لكن رامزي كان نقيضًا لنوع الشخصية التي ترتبط عادةً بالعبقرية العظيمة. لم يكن غامضًا وغريب الأطوار يشجع العبادة، مثل صديقه فيتجنشتاين. كان لطيفًا ومنفتحًا ومتواضعًا، “ولم يكن استعراضيًا” كما قال أ. ريتشاردز ، أحد مؤسسي مدرسة كامبردج الجديدة للنقد الأدبي. لم تسمع فرانسيس مارشال ، في أوساط مؤسسة بلومزبري للنّشر، أي شخص يقول كلمة واحدة ضده و م تكن تعتقد أن ذلك سيكون ممكنًا. لكن أفضل ما في الأمر هو ما قاله مايكل رامزي (رئيس أساقفة كانتربري)، أنّ شقيقه كان يعاني من “افتقار تام للغطرسة”.
(*): تقرير شرطيّ في علم المنطق الرّياضي تعني أنّه إذا كانت العبارة p فإنّ ذلك يستلزم صحّة العبارة q.
-ترجمة بتصرف-
مراجعة التّرجمة: أميرة بوسجيرة