الاسلام والغرب: لماذا هذه الثنائية بهذه الصيغة؟ ولماذا ليس الاسلام والمسيحية؟ ثم ماذا نعني بالإسلام وماذا نعني بالغرب؟ وهل من السهل ضبط هذين المصطلحين؟
الاسلام والغرب ثنائية تحيل احداها الى ديانة توحيدية (الاسلام) والأخرى الى حدود جغرافية معينة (الغرب)، فهل هذه المقابلة جائزة وما هي مبرراتها؟ ولماذا لا تكون المقابلة بين الديانتين التوحيديتين (الاسلام والمسيحية)؟ في الحقيقة فإنه في مجال البحث في علاقة الأنا الحضارية بالآخر الحضاري (الغرب تحديدا) فإننا نقترح ثنائية الاسلام والغرب بدل الاسلام والمسيحية ويبدو هذا بالنسبة إلينا مبررا ومستساغا لسبب واحد على الأقل، وهو أن مواجهة الاسلام بالآخر الغربي لم تعد اليوم تأخذ طابعا دينيا مثلما كانت بالأمس خلال القرون الوسطى وفترة الحروب الصليبية “فعلى الرغم من الجهود التي يبذلها بعض المراقبين للتوصل الى مواطن التنافر في جذور المعتقدات الدينية، إلا أن التوترات بين الاسلام والغرب ليس أساسها ديني، فالفوارق الجوهرية ذات جذور سياسية واقتصادية ونفسية واستراتيجية وثقافية نابعة من داخل الحضارتين الكبيرتين اللتين نشأتا من هاتين العقيدتين العالميتين، ومعظم الغربيين حتى وإن كانوا متدينين لا يفكرون في أنفسهم في الأساس من منطلق أنهم مسيحيون ومفهوم العقيدة المسيحية بالنسبة لمعظم الغربيين مسألة تتعلق بالماضي وبالعصور الوسطى”1 ، في حين يبدو أن غالبية الشعوب العربية والاسلامية تعتقد أن طابع المواجهة مع الغرب أساسه ديني وليس شيئا آخر، وهذا ما تجلى في الكتابات الاسلامية خلال العقود الأخيرة التي شهدنا فيها انتشاراً واسعا لنظرية “المؤامرة الغربية على الاسلام”، في حين أن المصالح الاقتصادية والرؤى الاستراتيجية للغرب تشكل الصبغة العامة لطابع المواجهة على ما نعتقد.
بعد أن حددنا طابع المواجهة بين الاسلام والغرب وأعطينا مبررا لهذه الثنائية بإمكاننا أن نتساءل الآن، فعندما نتحدث عن اشكالية العلاقة بين الاسلام والغرب لا بد وأن يُثار السؤال: أي اسلام نقصد؟ وأي غرب؟
من الضروري عند الحديث عن ثنائية الاسلام والغرب، وعن العلاقة أو المواجهة التي تجمع بينهما أن نقف عند مفهوم ودلالة مصطلح “الاسلام” ومصطلح “الغرب”، ولا أقول تعريفهما باعتبار أن غاية التعريفات هو الانتهاء الى تعريف جامع مانع، لكننا اذا ما حاولنا ذلك مع مصطلحي “الاسلام” و”الغرب” فإن المهمة لن تكون سهلة باعتبار أن لهذين الاصطلاحين دلالات عديدة ناشئة من تعدد الزوايا التي ينظر منها الباحث الى هذا الموضوع أو الفلسفة التي يؤمن بها، وما يكتنفهما من غموض يتشعب الى السياسي والثقافي مرورا بالاجتماعي والارث التاريخي والحضاري.
وعليه فإننا نرفض القراءة الاختزالية والحلول التبسيطية في النظر الى ثنائية الاسلام والغرب، لأن مثل تلك القراءة من شأنها أن تُغبِّش الرؤية وتُعميَّ على الحقيقة ما يزيد من صعوبة وتعميق أزمة الحوار، ولذلك فإن البديل يكمن في ضرورة تفكيك معرفي لمصطلحي الاسلام والغرب حتى نصل الى فهم متعمق لسلوك المسلمين والغربيين تجاه بعضهما البعض بعيدا عن صخب الخطابات السياسية والايديولوجية التي يتبناها الطرفان، ولذلك فإنه “خلال تناولنا لواقع العلاقة بين الاسلام والغرب، يجدر أن ننطلق من قضية مركزية تتمثل في كون الاسلام ليس وحدة متجانسة أو شيئا واحدا كما يتبادر الى الأذهان عند الوهلة الأولى، بل هناك اليوم على مستوى الفهم والممارسة عدة أنواع من الاسلام، ويُقاس الأمر نفسه على الغرب، الذي يخضع لعملية انقسام حاد”2 ، ومن أمثلة ذلك أن هنالك اسلاما سنيا في مقابل اسلام شيعي، واسلام سياسي مقابل العقدي، واسلام جهادي مقابل الدعوي، واسلام تقدمي مقابل السلفي، واسلام شعبي مقابل الرسمي… والأمر نفسه ينطبق على الغرب، فهناك الغرب الحضاري مقابل الغرب الاستعماري، والغرب الانساني مقابل اللاإنساني، والغرب الروحي مقابل المادي، والغرب الصليبي (المسيحي) مقابل العلماني…
وبناءً على هذا فإن مصطلحا “الاسلام” و”الغرب” فضفاضان للغاية ويستوعبان مساحات شاسعة ومتنوعة من العالم ويضمان خليطا من الثقافات والعادات والمفاهيم، ورغم ذلك فإنه في لحظات المواجهة يتم اختزالهما بشكل يثير حفيظة الطرفين، “وإذا كان تعريف “الاسلام” صعبا فإن تعريف “الغرب” يبدو أصعب، ليس فقط للغربيين ولكن للمسلمين أيضا، ففي بعض الأحيان يعني “الغرب” بالنسبة للمسلمين كل العالم الصناعي بما في ذلك اليابان، وأحيانا يعني “الغرب” الدول الاستعمارية السابقة ــ وكلها أوربية ــ التي استعمرت معظم دول العالم الاسلامي وسيطرت عليها في مرحلة معينة من التاريخ، وفي حالات أخرى يُختصر مفهوم “الغرب” في الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها قوة غربية قيادية تملك الهيمنة السياسية والثقافية والاقتصادية على العالم الاسلامي، وحتى عندما نتعامل مع مفهوم الغرب على أنه الولايات المتحدة فإنه ليس هناك أمريكا واحدة”3 ، لذلك فإن الوقوف على مصطلحي الاسلام والغرب ليس بالأمر الهين وهو ما يتطلب قدرا كافيا من الدقة في الطرح والتحليل.
هوامش:
1ـ حسني محمد نصر، مشكلات الجغرافيا السياسية بين الإسلام والغرب، مجلة اسلامية المعرفة، عدد9، لبنان، 1977، ص177.
2ـ عبد القادر بوعرفة، الاسلام والغرب: معوقات التحاور والتجاوز، (كتاب جماعي)، المسبار للدراسات والبحوث، ط1، 2010، ص180.
3ـ حسني محمد نصر، مرجع سابق، ص176.