بطاقة فنيَّة عن الكتاب:
اسم الكتاب: محاولة عيش
اسم الكاتب: محمد زفزاف
دار النشر: منشورات الجمل
سنة النشر: 2016
عن الكاتب:
محمد زفزاف قاص، روائي وشاعر مغربي. يعتبر زفزاف من أهم الأدباء المغاربة المعاصرين و أحد أكثر الكتاب المغاربة مقروئية في العالم العربي. تجاوزت إبداعات زفزاف المحلية، حيث ترجمت مجموعة من أعماله للغات غير العربية.
عرف محمد بلقب “شاعر الرواية المغربية”، حيث كان شاعرا في بداية مسيرته وبعدها تحول لمجال الرواية والقصة. تجتمع أغلب قصصه ورواياته على ثيمة موحدة : الأحياء الشعبية في المغرب.
يميل محمد زفزاف إلى محاربة الطبقة البرجوازية التي تستغل العمال الفقراء من خلال عدة روايات ومنها: (محاولة عيش) التي تم اعتمادها مؤخرا في المناهج الدراسية المغربية (السنة الأخيرة من المرحلة الإعدادية)، (الثعلب الذي يظهر ويختفي) والتي رصد من خلالها حكاية شاب يسافر بين مدن المغرب مكتشفا ثقافة الهيبي التي انتشرت وقتها. إضافة كل هذا، لم يقتصر نقد وسخرية محمد على البرجوازيين بل عمد إلى رصد تناقضات المجتمع البروليتاري الفقير نفسه، بشموليته وإضطهاداته الموجهة للأفراد المعاكسين لتوجهاته الموحدة. كان لحياة محمد الشخصية أثر كبير على الواقعية التي ميزت كتاباته، فالقارئ لها يعرف أنَّ النص المكتوب يعبر عن واقع معاش لكاتبه. لم يكرم محمد زفزاف طيلة حياته بالمغرب بأي جائزة أدبية، وترجمت أغلب أعماله للغات عديدة في العالم.
عن الكتاب:
يقول المثل المغربي: (أش خصك أ لعريان؟… قالهم: خصني خاتم أمولاي)
يتجلى هذا المثل بشكل واضح وواقعي في رواية (محاولة عيش) للكاتب المغربي محمد زفزاف. حيث يركز على حياة المقهورين والمنبوذين في الأحياء المغربية الفقيرة أو كما يعرف بمجتمع (البراريك).
من هو العريان هنا؟ ولماذا الخاتم تحديدا؟
العريان (الفقير أو المجرد من اللباس في الدارجة المغربية) في هذه الرواية هو مجتمع البراريك (طبقة تسكن بيوتا من الصفيح)، مجتمع تحكمه رؤية موحدة وحالة اقتصادية مزرية، أما الخاتم هنا هو ما يمثل رغبات هذا المجتمع العريان الذي لا يجد ما يُسكت بطنه ويطلب أشياءً خارجة عن حاجياته الأساسية، بغرض ظهوره بصورة حسنة.
من هذا الوسط المطبطب (المخلخل) يخرج لنا حميد المراهق، الذي يبدأ حياته كبائع جرائد تحت سلطة رئيس عمله القذر، مع بعض الدنانير التي يتم تعريته منها كل ليلة من طرف أبيه العاطل عن العمل، المقامر، المدخن، السكير، ليضع تلك الدنانير القليلة في قمار يخسره دائما، بينما الجوع ينهش أولاده كل ليلة…
لا يتوقف الأمر عند رغبات الأب فحتى الأم هنا لديها رغباتها والتي تتجلى في صورة زواج شعبي يضع ابنها على قائمة رجال الحي، وحتى تتفاخر أمام نساء الحي، لذا ستوجه نقود حميد إلى تلبية متطلبات الزواج وبناء منزل صفيحي له لا يتسع حتى لكلب، مع نفقات زواج تحددها ثقافة شعبية تجمع أهل البراريك. كل هذا وحميد خانع لهؤلاء “العريان”، خانع لأمه، لأبيه، لصاحب العمل، للمجتمع وقيمه.
وقد إجتمع الفقر والسلطة والقدر نفسه على هذا المسكين. يجد حميد لنفسه مهربا من كل هذا مع أحد الأفراد المنفيين من هذا الوسط، وهي مومس تعرَّف عليها صدفة ليشكل بينهم رابط إنساني، متجرد من كل المادية التي استُغِل بها حميد من طرف عائلته، وجد معها حميد قيمته كإنسان مرغوب به لذاته، لمشاعره وأفكاره، يسأل عن حاله وعن متطلباته.
لا يتوقف محمد زفزاف عند رصد تجاوزات عائلة حميد بحق ابنهم المراهق، بل يتجاوزها للسلطة، من شرطة وقوانين متناقضة تضطهد الحريات الشخصية للمواطنين المهمشين، حيث تفرض الحبس والغرامات على شارب الخمر من المسلمين وتبيحه لجنود القاعدة الأمريكية تحت طاولة كابريه واحد، تجرم المومس التي تسير حانة لكنها تسمح في نفس الوقت بهذه المهنة، ينتقد عشوائية الشرطة في التعامل حتى مع الحالات القانونية لهذه المحرمات، أين يُظهر الشرطة بشكل لا ينفصل عن تربية اجتماعية لا تزال تأثر على تطبيقه للقوانين، يخرج لنا صورة نعرفها جميعا، صورة النفاق الديني بين الأنا والآخر، بين ما نبيحه لنفسنا وما نحرمه في نفس الوقت على غيرنا.
نهاية الرواية كانت بمثابة الصدمة العبثية لمجتمع البراريك، أين انكسرت الصورة التي حرصوا على تقديمها، ما جعلهم بدون خاتم ، بدون مظهرة، بينما يواصل حميد عيش حياته في فراغ جميل.
هي بشكل أو بآخر محاولة عيش من كل أطياف هذا الوسط، محاولة للمس الخيط الفاصل بين الأحياء والموتى، خيط يبدو أنه شكل بحسابات اقتصادية دقيقة، صنفتهم في خانة الموتى أو تحت بند “خلقوا ليعانوا… خلقوا ليحاولوا اللحاق بركب الأحياء”. لغة بسيطة وتركيب أبسط من حميد، يناسب هكذا ظواهر للكتابة عنها، واقعية وملائمة لمشاكل تؤرق لحد الساعة المجتمع المغربي حتى لا نقول العربي، كتابة ترصد الواقع كما هو، بكل سواده وقذارته.
اعداد : بهاء الدين صحراوي
تدقيق لغوي وتنسيق: بشرى بوخالفي