عزيزي الدكتور أحمد،
تمر علينا اليوم الذكرى الأولى لرحيلك عن عالمنا البائس، ربما لست محتاجا لأخبرك عن كمّ الفراغ الرهيب الذي سببه رحيلك المفاجئ، لم أعد مواظبا كما كنت على زيارة موقع إضاءات طمعا في أن أجد مقالا جديدا لك أو حلقة جديدة من سلاسل قصصك القصيرة المشوّقة. ربما لست محتاجا لأخبرك كم كانت مشاهد جنازتك مؤثّرة، لدرجة جعلت كل من حضرها أو شاهد صورها يتذكر مقولتك الساخرة :
ستكون مشاهد جنازتي جميلة ومؤثرة لكني لن أراها للأسف برغم إنني سأحضرها بالتأكيد،
والحقيقة المُرّة، هي أنَّه لاداعي أيضا لأخبرك بأن كل نبوءاتك قد تحَقَّقَت، حتى موعد وفاتك كنت قد تنبأت قبل موعده بسبع سنوات، حين قلت في مقالك الشهير أماركود
كان من الوارد جدًا أن يكون موعد دفني هو الأحد 3 إبريل بعد صلاة الظهر!
عزيزي الدكتور أحمد، لعلك ستفاجأ إن أخبرتك أنني لم أقرأ مجموعتك القَصَصيّة الأخيرة “أفراح المقبرة” التي صدرت بعد وفاتك حتى الآن… لم أقرأها بالرغم من أنني أستطيع اقتنائها في أية لحظة… لم أقرأها وأنا المتابع الجيّد لأعمالك باعترافك شخصيا، أتعلم لم؟ لأنني لا أستطيع حتى هذه اللحظة أن أستوعب أنني سأقرأ لك آخر أعمالك… قد يبدو هذا طفوليا، ربما لأن عقلي الباطن يرفض حتى الآن تصديق خبر وفاتك، لكن من قاأنّني لست طفلا لأكذّب عقلي الباطن، أولست أنت نفسك القائل :
إننا أطفال خالدون وكلما تقدم بنا العمر ازددنا طفولة ورفضنا فكرة الشيخوخة .. لكننا نشيخ طيلة الوقت ونموت .. هذه هى الحقيقة .. قبولها نضج ورفضها عته .. لكننا نفضّل أن نكون معاتيه على أن نكون شيوخا…
عزيزي الدكتور أحمد، كان يفترض بي أن أكتب للنقطة الزرقاء، بدل هذه الخربشة الطفولية، مقالا يليق بك وبذكرى رحيلك، مقالا أغوص بالقرّاء في بحر أعمالك، كان يفترض بي أن أعرّف القرّاء بأبطال سلاسلك، فأحكي لهم عن العجوز رفعت اسماعيل الذي رحل قبل أن نمل من سماع قصصه، رفعت اسماعيل الذي قلت على لسانه ذات قراءة :
لكني أحسبكم ستتضايقون لموتي أكثر من ضيقكم بقصة غير مكتملة.. ولسوف يشفع لي هذا بعض الشيء.
ولكم كنتما صادقين.
يفترض بي أن أخبرهم عن علاء عبدالعظيم الذي يجاهد كي يظل حيا ويظل طبيبا، فلا أجد لهم خيرا من قولك على لسان شخصية سينوريه رئيس سفاري في كينيا :
أنت تعيش بلا قناع .. لا تتكلف العلم أو الشجاعة أو النبل أو أي شيء .. يمكنني أن أرى كل خاطرة في ذهنك على وجهك .. هذه مَزِيَّة لم ألقها إلا في رجال معدودين .. يخيل إلي أن جانب الطفولة فيك مازال طاغيا .. أنت لم تتعلم قط كيف تكبر وتصير خطرا كالآخرين!
ولعمري، هو يصفك بقدر ما يصف علاء.
وبالطبع ما كنت لأذكر هؤلاء من دون ثالثة الثلاثة عبير عبد الرحمن، التي خُيرت ما بين الحقيقة والحلم فاختارت الحلم، عبير التي قلت عنها في سلسلتك فانتازيا :
لنقل إن تركيبك النفسي فريد من نوعه .. أنتِ غير قادرة على مواجهة عالمك بأي شكل من الأشكال .. كأنك كائن فضائي هبط على الأرض شاعراً بالعجز عن التكيف .. الكل يطالبه بالتكيف .. الحقيقة هي أنه لن يتكيف أبداً .. سيظل مشتاقاً إلى الكوكب الذي جاء منه حيث يتنفسون النتروجين ويأكلون الديوتيريوم .. كوكبك الذى جئت منه هو (فانتازيا) .. إليه تنتمين وتشعرين نحوه بالانتماء والولاء بلا حد.
وحتى في هذه الكلمات، لا أملك إلا أن أقرأك فيها.
عزيزي الدكتور أحمد، ألتمس منك العذر لعدم تمكني من كتابة كلمات تليق بذكراك وتعبّر عن مدى الأسى الذي خلفه رحيلك عنا، بالطبع كثيرون غيري من ذوي البراعة والأقلام سيكتبون تخليدا لهذه الذكرى، وأكثر منهم من حصرت صدورهم أن لا يجدوا ما يكتبون، ولعلي وأمثالي نطمع أكثر في عفوك حين نقرأ قولك:
النقطة الثانية هى أننى عجزت عن كتابة حرف عندما توفى أبى. تصور!.. لم أكتب حرفا عن وفاة أبى رغم أننى لم أكف عن الثرثرة منذ تعلمت الكلام حتى هذه اللحظة.. السبب طبعا هو أنه كلما كبُرت الكارثة صار من العسير -وربما من المبتذل- أن تصبغها بالحبر وتضعها على الورق، وكما قال تشيكوف :” أعظم الخطب وأبلغها تلك التى تقال عند قبور الموتى، ليس لها أدنى تأثير على اليتامى والأرامل وأهل الفقيد الأصليين الذين يفضلون الصمت”.
عزيزي الدكتور أحمد،
أيها الغريب
كانت إقامتك قصيرة لكنها كانت رائعة ..
عسى أن تجد جنتك التى فتشت عنها كثيرا ..
أيها الغريب ..
كانت زيارتك رقصة من رقصات الظل ..
قطرة من قطرات الندى قبل شروق الشمس ..
لحنا سمعناه لثوان هناك من الدغل..
ثم هززنا الرؤوس وقلنا أننا توهمناه..
لكن أبدا.. لن نقول وداعا أيها الغريب ..
عزيزي الدكتور أحمد،
سنظل نحبك للأبد
حتى تحترق النجوم وتفنى العوالم..
حتى تتصادم الكواكب وتذبل الشموس..
وحتى ينطفئ القمر وتجف البِحار والأنهار..
حتى نشيخ فتتآكل ذكرياتنا
وحتى نلحق بك هناك..
سنظل نحبك.
المخلص لك دائما والقارئ لك، زين العابدين.
إعداد: زين العابدين لطرش
إخراج: عمر دريوش
المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعكس بالضرورة آراء النقطة الزرقاء